الشعوب تُكذّب أدعياء الديمقراطية

ضياء الدين العطيات

ضياء الدين العطيات *

عاش العرب عقودا من الزمن تحت أنظمة قمعية مستبدة تدّعي الديمقراطية والإصلاح والحرية.

وفي ظلال تلك الأنظمة قامت أحزاب معارضة ليبرالية وقومية ويسارية، رفعت الشعارات الداعية للحرية والديمقراطية وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، والاحتكام إلى إرادة الشعوب.

ومع افتقار هذه الأحزاب للامتداد الشعبي –بحسب المراقبين-، فقد عملت الأنظمة الحاكمة، ومعها أحزاب المعارضة الناعمة على تشويه وإقصاء للإسلاميين بشتى تياراتهم، وأعطت الحكومات لهم فسحة لطرح مشاريعهم في الوقت الذي قمعت فيه الإسلاميين وطاردتهم وضيقت عليهم بشتى الوسائل.

وكثيرا ما كان قادة الأحزاب الليبرالية العلمانية يؤكدون أن المشروع الإسلامي لايقلّ ظلامية واستبدادا وتخلّفا عن الأنظمة القمعية، وأنه يقوم على الوصاية على إرادة الشعوب وعقولهم وحرياتهم بسيف الدين.

إلا أن المفارقة العجيبة ظهرت حال سقوط النظام المصري والتونسي، حيث وقف الإسلاميون بتياراتهم صفا واحدا واثقين من الرّهان على الشعوب وإرادتها.

وكانت المفاجأة أن النخب الليبرالية واليسارية وغيرها، هي التي رفضت الاحتكام إلى إرادة الشعوب، ووقفت ضد حقها في حرية الاختيار!

تداعى المصريون لتشكيل دستور جديد احتكاما لإرادة الشعب، ففوجئنا أن النّخب الليبرالية واليسارية رفضت ذلك، وأخذت في صناعة الحِـيـَل والعراقيل للحؤول دون إجراء انتخابات مبكرة ودون الاحتكام لما يختاره الشعب، وحين استطاع الإسلاميون حشد ما نسبته 78% عند التصويت على المادة الثانية من الدستور، غصّت حلوقهم وشَرِقوا بالنتيجة الصادمة، وسعت تلك النخب إلى الالتفاف على إرادة الشعب تارة باقتراح ما يسمّونه بالمبادئ "فوق الدستورية"! وتارة بالمطالبة بتأجيل الانتخابات!
وصرنا نسمع مقترحات ومشاريع من تلك النخب العلمانية المدنية التي محصلتها -وإن لم تصرح بذلك- رفض الاحتكام لإرادة الشعب، والكفر بالديمقراطية التي "قد" تأتي بالإسلاميين! بل تداعت أطراف في تونس للتحضير لانقلاب عسكري في حال فوز حزب النهضة!

إنها "ديمقراطية" مشروطة بتغييب الإسلاميين مهما أظهروا من أدلة وبراهين على صدقهم والتزامهم بأصول اللعبة الديمقراطية.

الشواهد المعاصرة تقول: إن الإسلاميين هم الأحظى بالفوز في كل مشروع ديمقراطي نزيه،سواء اتفقنا مع تطبيقاتهم أم اختلفنا، وهذه الشواهد تتكرر منذ التجربة الجزائرية، إلى التركية إلى الفلسطينية إلى السعودية -على مستوى المجالس المحلّيّة-، وانتهاء بثورات مصر وتونس.

إن رفض أباطرة العلمانية الصارخ لأهم مبادئ الديمقراطية، وهو الاحتكام للشعب، وعدم مصادرة إرادته، بذريعة إتيانها بالإسلاميين يوجب على كافة الإسلاميين في العالم العربي أن يعيدوا النظر في مدى جدية تلك النخب الليبرالية في تطبيق أدبيّاتها، وأن ينظروا بعين الاعتبار إلى هذه التجارب، وأن لايفرطوا في ثوابتهم وأدبياتهم ماداموا على ثقة من إرادة تلك الشعوب المتحررة من ربقة الاستبداد والتردّي الحضاري!

                

*باحث دكتوراة في التمويل الإسلامي