المال الطائفي والجوائز الأدبية 4

المال الطائفي والجوائز الأدبية (4 – 6)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

وإذا كانت السيدة مرام ، قد ارتفع صوتها ، فكشف عن صوت الكاتب المسلم الذي لا يعجبه الإسلام ولا المسلمين ، ولا يرى فيهم غير قتلة وسفاحين وأفاع وثعابين ، فإن صوت زوجها المهندس عبود يمثل الوجه الآخر لتعصبها وتحاملها وادعاءاتها على شعب مصر المسلم المظلوم، ويعيد الزوج حكاية الولاية مرة أخرى ، وهي الحكاية التي يتهم بها المسلمون المضطهدون – بكسر الهاء – للنصارى ، في العمل وخارجه ، والمفارقة أنه يضطهد وهو مسيحي في شركة يملكها ويديرها مسيحي ! هل هذا ممكن عقلا ؟ وهل يمكن تسويغه فنيا ؟ الرواية رأت أنه معقول ومسوغ ، وقدمته مع مجافاته للعقل والمنطق معا ، يقول عبود : 

[جاءت إلى الإدارة خطابات مجهولة تتكلم عن الولاية تقول إنه لا ولاية لمسيحي على مسلم . " هكذا أمرنا الإسلام " . كنت المقصود بالخطابات . صاحب الشركة مسيحي مثلي . قالوا إنه صاحب المال ، وهذا يعطيه الحق في الولاية . أما أنا فكيف أكون رئيسا عليهم . دخلت الشركة بعدهم . أقدمية بعضهم في العمل ، تماثل سنوات عمري كلها ، فكيف أصدر الأوامر وأشخط وأنتر وأتحكم ؟ قلت لهم : لسنا في مصلحة حكومية . لسنا في بوسطة مصر العمومية حتى ندخل الأقدمية في مفردات كلامنا ...] ص 141 – 142 .

ويمضي عبود على هذا النهج في إثبات أن الاضطهاد لغة عامة ، ومنهج مشترك بين المسلمين جميعا ، وليس بعضهم ، أيضا فإنه يؤكد على فصامية المسلمين بين القول والفعل، بل إنهم لا يملكون فعلا من أساسه ، إنهم لا يملكون غير الكلام في المفيد وغير المفيد. ويستشهد على ذلك بقولهم إن نوم الظالم عبادة ، ويرتب عليه أنهم يستسلمون للظلمة ، مع أنهم يعلمون أن الظالم يستطيع أن يمارس الظلم وهو نائم .. وينسي عبود أو من يكتب على لسانه أن المثل الذي ذكره عن نوم الظالم يضرب عادة في مجال تدليل الأطفال المشاغبين ، الذين يستريح منهم أهلوهم حينما ينامون ، فيهتفون بالقول المعبر ضمنا عن الحب للأبناء : نوم الظالم عبادة ، ولتقرأ ما جاء على لسان المهندس عبود عن المعتدين المسلمين  : 

 [ حاولوا استفزازي أكثر من مرة . لاحظت أن التصرفات ليست فردية . لم يكن لدي دليل على أن هناك تخطيطا ما ، أو مؤامرة ما . لم أتوصل إلى أي خيط يمكن البدء من نهايته وصولا إلى بداياته ، ليتضح عندها التخطيط ، والوصول إلى الرأس المدبر . العاملون تحت رئاستي ، امتنعوا عن العمل وقت الصلاة ، مع أنني أسمعهم يقولون أن دينهم يعتبر العمل عبادة . ما أكثر ما يقولون . هل في حياتهم سوى الكلام ؟ سواء في الفاضية أو في المليانة؟  ألا يقولون عن الذي ينام كثيرا منهم ، إن نوم الظالم عبادة ؟ .. .. ] ص 143 – 144 .

ويذهب عبود إلى تأكيد أن المسلمين ظالمون ، مع أنهم أكثر من يتحدث عن الظلم ، وهي مقولة غريبة ، وإلا فكيف يكون المظلوم ظالما ؟ إن الشعب المصري في أغلبه مظلوم ومقهور ( أغلبيته فقيرة ، ونسبة منه تقرب من النصف تعيش تحت خط الفقر ) ،يقول عبود عن المسلمين ، مؤكدا رأيه :

[ هم أكثر من يتحدث عن الظلم مع أنهم أكثر الناس ظلما ] ص 145.

ثم تأمل تصويره للمسلمين وهم يؤدون الصلاة في المكتب ، وهو تصوير غير صحيح ، لأنه يشير إلى أن عبود ، أو من ينطقه لم ير المسلمين وهم يصلون ، أو لم يستوعب كيف تكون الصلاة بسيطة ، وبعيدة عن الوضع الذي قدمه لنا عبود في الرواية من أنهم يقدمون كبير السن غزير اللحية صاحب الزبيبة طويل السبحة أو المسبحة ، فالذي يتقدم للإمامة هو الأحفظ  للقرآن ، وإذا تساوى المصلون فيقدم الأسنّ ، أما اللحية والزبيبة ؛ يا عبود أو من يقف وراءك ؛ فلا اعتبار لها في هذا السياق ، أما كون الإمام يختار الآيات التي تؤذي مشاعر السيد عبود المسيحي ، فهو ادعاء باطل وكاذب ولا أساس له من الصواب  أو الصحة ، لأن آيات القرآن الكريم التي تتناول السيد المسيح أو أمه السيدة مريم ، تضعهما في أعلى مراتب التكريم والاحترام التي لا يوجد مثيل لها في الإنجيل نفسه ، ولست في موضع إيرادها ، لأن النصارى يعلمونها قبل المسلمين في مصر والبلاد العربية ، ويشير القرآن الكريم بصورة عامة إلى أهل الكتاب ( النصارى واليهود ) بأنهم ليسوا سواء ، أي ليسوا جميعا مثل بعضهم في موقفهم من الإيمان والإسلام والمسلمين ، فمنهم المعتدلون ومنهم المنحرفون ، وهناك آيات تكفر من يؤلهون المسيح عيسى بن مريم ، أو من يرون الله ثالث ثلاثة ، وهذه أصول معروفة في أصول العقيدة الإسلامية يعرفها النصارى والمسلمون منذ بدء الدعوة . فأي إساءة وأي إيذاء لمشاعر السيد عبود .. ثم هناك نقطة مهمة أغفلها من أنطق السيد عبود بهذا الكلام الفاسد الكاذب عن صلاة المسلمين . تتمثل هذه النقطة في أن المسلمين لا يستطيعون سوى صلاة الظهر فقط في أثناء العمل ، وهي صلاة سرية ، أي لا يجهر فيها المصلون بالقراءة ، فكيف عرف السيد عبود أنهم يقرءون آيات تسيء إليه وإلى دينه ؟

وعلى فرض أن الشركة تعمل حتى الساعة الخامسة ، فإن صلاة العصر التي تأتي بعد صلاة الظهر بنحو ثلاث ساعات تقريبا ، هي صلاة سرية أيضا .. والسؤال هل يعملون في الشركة إلى ما بعد العشاء كي يستمع السيد عبود إلى الصلاة الجهرية ؟

ليت عبود أو من أنطقه راجع نفسه كي يقدم أكاذيبه بطريقة مقنعة فنيا وواقعيا ، ولكنها حمأة الكراهية للإسلام وأهله ، هي التي دفعت المهندس عبود إلى القول واصفا صلاة زملائه المسلمين :   

[ يؤمهم أكبرهم سنا ، وأغزرهم ذقنا ، وأكبرهم ذبيبة (كذا!) ، وأطولهم سبحة ، ويختار من آيات كتابهم كل ما يمكن أن يؤذي شعوري . يختار الآيات التي تتكلم عن السيدة العذراء ، وعن السيد المسيح ، نصحني أصحاب الشركة بسد أذنيّ ....] ص 144.

واضح أن السيد عبود تغرقه أوهام التعصب ضد الإسلام ، فلا يرى في الإسلام والمسلمين  إلا كل ما هو قبيح ودميم ، فتزعجه اللحية ، وتنغص عليه حياته ، لدرجة أنه لا يرى في إطلاق اللحية إلا قذارة ، ويتناسى السيد عبود النصراني أن الآباء والكهنة والقساوسة والشمامسة وربما غيرهم من النصارى يطلقون لحاهم الطويلة التي لا يقربها الماء تأسيا بالرهبان والزهاد في المسيحية الذين يرون التقشف والزهد في عدم الاغتسال أو التعامل مع الماء ! فلنصغ إلى السيد عبود وهو يتحدث عن اللحية:

[أعدائي كثيرون ومسئول الشؤون القانونية ملتح . كيف فات صاحب الشركة ذلك ؟ إخراجه من العمل مثل خلع درس العقل الآن . إطلاق اللحية قذارة ، ولكن من يجرؤ على قول ذلك علنا ؟ ] ص 147 .

إن السيد عبود يبدو أشد تعصبا من المسلمين الذين يتحدث عنهم في الرواية ، كيف لا يقبل أن يكون مسئول الشئون القانونية ملتحيا ؟ وماذا يضيره من اللحية ؟ ولماذا يريد إخراج صاحبها من العمل ويقطع رزقه ؟ هل هذه أخلاق التسامح والمحبة التي يحض عليها المسيح ؟

إن التعصب لا يترك له مجالا للموضوعية ، أو التفكير العقلاني ، بل بدا موتورا ضمن منظومة من الإحساس الهستيري بالاضطهاد الموهوم أو المزعوم ، لدرجة أن يقول:

[ أصبحت رمزا لما يجب عليهم – أصحاب اللحى والذقون – محاربته ... كان على أن أشد الرحال إلى أرض أخرى ... ] ص 150 .

لقد شد الرحال ببساطة شديدة ، وقف في الطوابير أمام السفارة في قلب القاهرة ؛ ولم يقل له أحد لماذا تقف هنا ، وتجول في القاهرة الواسعة دون أن يستوقفه أحد ويقول له إلى أين أنت ذاهب ، وعبر المطار إلى الطائرة دون أن يستوقفه ضابط الجوازات أو حرس المطار . لقد سافر في هدوء ، وأخفى الخبر عن زوجه وابنه اللذين لا يريدهما معه ، ليعيش في أرض الأحلام وحده ، على حساب بلاده التي أساء إليها ، وشعبه المسلم ألذي أهانه وخانه في بلاد الغزاة المستعمرين !

ومع ذلك وجد في نفسه الجرأة ليدعي كذبا القول :

[ التهديد في كل شبر نذهب إليه] ص152.

وإني أسأله ، وأسأل من ينطقه : لماذا لم يتبعك بقية النصارى ، وعلى رأسهم يوسف بطرس غالي الذي توعد من يمتنع عن دفع الضريبة من الشعب المصري المسلم البائس بأنه " حيطلع دينه " ؟