ماذا يريد الناس من الأوقاف

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

وزير الأوقاف الجديد الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي له مأثرة في السنوات الأخيرة ، تتمثل في ردوده العلمية المفحمة على نفر من كتاب السلطة البوليسية الفاشية المستبدة ، ومن يطلق عليهم أهل الحظيرة الثقافية الذين وظفوا أقلامهم لتشويه الإسلام وإقصائه واستئصاله ، واعتمدوا على التدليس والتضليل في طرح القضايا الإسلامية الشائكة ، ووجدوا دعما بلا حدود من السلطة المعادية لكل قيمة إنسانية ، ففتحت لهم أبواب الصحف والإعلام ليقولوا ما يشاءون ، دون أن تمكن الغيورين على الإسلام من الرد عليهم وكشف تدليسهم وتضليلهم .

بيد أن الدكتور القوصي استطاع أن يكتب ويرد بطريقة غير مباشرة في تفنيد الأكاذيب والأضاليل ، وأن يقدم للناس صورة من رد الفعل المسلم الهادئ الذي يفترض في خصوم الإسلام حسن النية ، أو القصور المعرفي ، ولقيت مقالاته في ظل الكبت والتعتيم والمصادرة التي آمن بها النظام السابق وطبقها تجاه الإسلام والإسلاميين ، استحسانا ملحوظا ، وقد عبّرتُ عن هذا الاستحسان في سياق حديث مع أحد الأصدقاء الذي اكتشفت أن له علاقة بالدكتور القوصي ، وقدم لي هاتفه لأعبر له عن مشاعري تجاه كتاباته بالحديث معه مباشرة ، وبالفعل وجدت في الرجل طيبة ريفية ملحوظة ، ووعيا جيدا بقضايا الأمة والمسلمين والإسلام .

عندما تم ترشيحه لوزارة الأوقاف أحسست بشيء من الراحة ،ولكن القوم قالوا إنه كان عضوا في لجنة السياسات ، ومن المحتمل ألا يحلف اليمين الدستورية ، ولكن يبدو أن هذه المقولة لم تكن صحيحة ، فقد تم تعيينه وزيرا للأوقاف وحلف اليمين ، وخلف وزيرين أساءا للإسلام أكثر مما أحسنا إليه ، بحكم انصياعهما المهين للإرادة الأمنية الفاجرة التي كان يوجهها نظام السافاك ( أمن الدولة ) حتى بعد سقوطه المهين في ثورة يناير الماضي ..

والرجل اليوم في منصب لا يحسد عليه ، ولكنه يحتاج إلى العون وحسن المشورة لتقوم الأوقاف بواجبها في خدمة الإسلام والمسلمين والمجتمع عامة ، فالوزارة ليست مجرد قرارات أو أوراق يصدرها المسئولون وينفذها الموظفون . إنها وزارة دعوة ، ورعاية ، وموقف ، وواجبات وحقوق ..

الرجل يواجه مشكلات متراكمة صنعها الوزيران السابقان ، وأهمها الإهمال في استعادة الأوقاف المنهوبة ، والتفريط في الأوقاف المنظورة ، واستباحة الوزارة من قبل أجهزة الأمن الإجرامية التي جعلت الكلمة الأولى لضابط صغير في هذه الأجهزة ؛ قبل كلمة الوزير وأعوانه ، فضلا عن توظيف عدد كبير من اللواءات والعمداء الأمنيين في وظائف حساسة بالوزارة دون علماء الإسلام ورموزه .. والأخطر من ذلك الصمت من جانب الوزارة على ما يوجهه أعداء الإسلام وخصومه في الداخل والخارج من سهام مسمومة ، والانشغال بقضايا هامشية أو ضد منهج الإسلام نفسه ، فقد انشغلت الوزارة طوال عشرين عاما بالنقاب والختان وتحديد النسل ، وأصدرت الكتيبات والفتاوى التي توزعها على نطاق واسع تأييدا للسلطة الفاسدة المستبدة المعادية للإسلام ، ثم انطلقت دعوات غريبة تتنافي مع المفاهيم الإسلامية مثل الدعوة لزيارة القدس المحتلة تحت العلم الصهيوني وبتأشيرة صهيونية ، دون أن يتذكر من أطلقوا هذه الدعوة الغريبة أن هناك شيئا اسمه الجهاد لاسترداد المقدسات وردع الأعداء !

إن الوزير الجديد أمامه مجموعة من المهام العاجلة ، والمهام الدائمة ، ومن أول المهام العاجلة : مسألة مسجد النور ..

وهذا المسجد يمثل حالة فريدة للعسف الأمني والوحشية السياسية التي آثرت أن ترضي جهات داخلية وأجنبية معادية للإسلام ، فمؤسس هذا المسجد هو الشيخ حافظ سلامة ، قائد المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب رمضان المجيدة 1393هـ = أكتوبر 1973م ، وهو الرجل الذي قام على شئون المسجد وتوسيعه من خلال التبرعات حتى غدا صرحا للعبادة والدراسة وخدمة المجتمع ، وأبي الوزير الموالي للأمن الفاسد إلا أن يؤمم المسجد ويمنع مؤسسه ومن معه من المسجد ، ويحرم عليهم إقامة أي نشاط فيه ، فلجأوا إلى القضاء الذي أنصفهم في كل درجاته حتى الدرجة النهائية وحصلوا على أحكام قاطعة لا يمكن الطعن عليها بالحصول على المسجد ، ومع ذلك رفض الوزير السابق أن ينفذ القانون ، وخالف الاتفاق الذي حضرته وضمنته القوات المسلحة ، ونشرت الصحف والمواقع  أن رفض الوزير السابق لتسليم المسجد إلى جمعية الهداية الإسلامية مؤسسة المسجد وصاحبته ؛ جاء بناء على تدخل أميركي من جانب السفيرة الأميركية سكوبي التي قابلت الوزير ، وحدثته في فجاجة في أمور لا تخصها وتتعلق بالإسلام والمسلمين ، ثم رغبة شريرة من بعض الجهات المعادية للإسلام في الداخل باستمرار تأميم المسجد، ولم يتمعر وجه الوزير السابق خجلا من فعلته التي تتنافي مع عزة الإسلام وحمية الاستقلال الوطني ، وذهب غير مأسوف عليه تاركا الوضع بالنسبة لمسجد النور معلقا ..

وأعتقد أن حل مشكلة مسجد النور بالتفاهم مع الشيخ حافظ سلامة ، ومراعاة البعد الدعوي للمسألة والبعد الوطني في التعبير عن استقلال مصر تجاه أبنائها وقضاياهم ، ورفض الانصياع لإرادة أعداء الإسلام في الداخل والخارج ، سيجعل من مسجد النور نبراسا مضيئا للمصريين جميعا ، وللإنسانية كلها .

وتأتي في السياق العاجل مشكلة الأئمة الذين استبعدهم الأمن ، ورفض الوزير السابق تعيينهم ، مما اضطرهم للاعتصام أمام الوزارة ، وتعامل الوزير معهم بفظاظة وغلظة ، ومن الضروري رد الاعتبار إلى هؤلاء الأئمة المتفوقين ، وذلك بتعيينهم أولا ، وتكريمهم ثانيا ، واحتضانهم ليكونوا جندا للدعوة الإسلامية وفق منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة .

من المعيب على مصر أن تترك أبناءها من دعاة المستقبل في الخلاء يعتصمون ويتظاهرون ، وتتداول قصتهم أجهزة الإعلام بما لا يليق بأئمة الدعوة ورموز الإسلام ، لا لسبب إلا لأن الأمن الفاجر الذي كان رأى عدم تعيينهم بسبب عدم ولائهم للنظام الفاسد المجرم !

ثمة مشكلة أخرى عاجلة تفرض تطهير الوزارة من أفراد الأمن الذين كانوا أو مازال لهم مكتب يفوق مكتب الوزير في تأثيره ووجوده في الوزارة . ويروى أن أحد رؤساء هذا المكتب وكان برتبة مقدم لم يقابل الدعاة والمشايخ إلا وهو يضع قدميه بحذائه البوليسي فوق المكتب ، ليكون حذاؤه في مواجهة المشايخ والدعاة احتقارا لهم وامتهانا وإذلالا .. إلى هذا الحد وصل فجور من كانوا ينتسبون إلى أجهزة الأمن في وزارة الأوقاف ! فهل يجوز بقاء هذا المكتب في الوزارة ؟ يجب خلع هذا المكتب ، وإسقاطه ، وإلقاؤه في مهملات التاريخ ..

ويرتبط بهذا الأمر الضباط المتقاعدون الذين تعاقدت معهم الوزارة ليكونوا وكلاء وزارة ورؤساء أقسام ، وفقا لرغبة الوزير الأسبق الذي أراد عسكرة الوزارة إرضاء لأجهزة الأمن الفاجرة ، وكي يبقى في منصبه إلى مالا نهاية ، وذلك على حساب العلماء والمشايخ الذين هم أدرى بطبيعة العمل الدعوي ومشكلاته . . إن خلع هؤلاء العسكر أسهل من خلع الملازم الذي خلعه الشيخ شعراوي رحمه الله ، وكان يضع نفسه فوق الوزير وشيخ الأزهر جميعا.

أما ما ينبغي أن يؤكد عليه الوزير الجديد بصورة دائمة فيتمثل فيما يلي :

أولا : إعادة حلقات تحفيظ القرآن في المساجد والزوايا ، ومكافأة المحفظين والطلاب بصورة مجزية ، وإقامة المسابقات بصورة دورية متقاربة ، لأن هؤلاء الحفاظ يمثلون القاعدة التي يتخرج منها أئمة المستقبل ودعاته ، وحافظ القرآن خير من يكون مهيئا للدعوة السليمة الصحيحة .

ثانيا : مكافحة الفساد الذي طال معظم إدارات الوزارة في العاصمة والأقاليم ، وقد نشرت الصحف في السنوات الماضية كثيرا من وقائع الفساد المالي والإداري ، من تعيينات وهمية ، وضم مساجد لا وجود لها ، ونهب أموال الأوقاف واستباحتها ، وغير ذلك مما يعرفه الوزير ومن يعنيهم أمر الوزارة .

ثالثا : رفع مستوى الأئمة ماديا ومعنويا ، مقابل تخليهم عن أي عمل لا يليق بصورة الإمام والداعية ، ولتكن مكافأة الأئمة الممتازين طريقا إلى رفع المستوى ، ومحاسبة المقصرين وحرمانهم من الحوافز طريقا لتطهير الدعوة من السلبيات والسلبيين .

رابعا : تفعيل الكيان الهلامي المسمى بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، ليكون مصدا يحمى الإسلام ضد غارات الخصوم والأعداء ، وتحرير موقف المسلمين من القضايا التي يتم تشويههم من خلالها ، وإعادة النظر في إصدارات المجلس المذكور ومجلته لتكون أكثر اتصالا بالواقع وقضاياه ، وليس بشئون الحكومة وأحوالها ..

هذا بعض من كل ونأمل أن يعين الله الوزير في مهمته ، ويجعل منه وزيرا مستقلا ، وليس وزيرا مثل وزراء أمن الدولة الذي كان !