تكلَّم بشار ولم يقل شيئا

حسام مقلد *

[email protected]

خطب الرئيس بشار الأسد وظل يتكلم... ويتكلم... لكنه في الحقيقة لم يقل شيئا!! بل وكثيرون مثلي شعروا بالضيق والضجر من كلامه المعاد المكرور؛ لأنه كلام ممل لا طائل تحته، ولا جدوى من ورائه، وكأني بالرجل ظن نفسه يخاطب مجموعة من الغوريلات أو قردة الشمبانزي لا يعقلون ما يقال، فظل يرغي ويزبد ويعيد ويزيد ويكرر هذه الخرافات والأوهام التي لا وجود لها إلا في أذهان نظامه الظالم المتغطرس، ولم يكن غريبا مشهد الهتيفة (أو الشبيحة...!!) وهم يهتفون له: (الله... بشار... سوريا وبس) فهذه هي جوقة المزمرين والمطبلين من المنتفعين والمقربين، ولكن الغريب حقا أن تفيض شاعرية الرجل ورقته وحنوه على شعبه بهذه الطريقة المفاجئة والمؤثرة (التي تقطع القلب...) حيث راح يتكلم عن الورد والأقحوان، وزيَّن عباراته الموجهة لهم بأكاليل الغار، لكنه مع كل هذه الرقة لم يتكلم عن شيء مفيد البتة!! فلم ينبس ببنت شفة عن وقف حمامات الدماء النازفة  في سوريا!! ولم يتحدث عن الإصلاح المنشود بشكل جدي مسؤول كرؤساء الدول!!

لقد حاول بشار الأسد إيهام العالم بأن لا شيء ذي بال يحدث في سوريا، وأن نظامه مستقر ويُحْكِم سيطرته على مختلف الأوضاع فيها، وأن ما يجري مجرد أعمال شغب يرتكبها بعض المندسين والمخربين والمتآمرين، وبشكل مضحك كرر الأسد كلام نظامه المهترئ عن: المؤامرة ضد سوريا المقاومة، واتهم فضائيات العالم كله بالفبركة والتزوير، واستعمال الهواتف المتطورة(هاتف الثريا) وتلفيق مشاهد تعذيب أبناء الشعب السوري الأعزل للإساءة إلى النظام!! ولم يفُتْهُ كذلك أن يدندن بكلامه الباهت حول: الوحدة الوطنية، ومسؤولية المواطن السوري تجاه وطنه، وحرصه الشخصي وحرص نظامه على تحقيق العدالة في المجتمع بكل نزاهة وأمانة وحيدة وموضوعية، ولكنه رغم كل هذه الشعارات الجوفاء والعبارات الرنانة لم يستطع أن يقنع أحدا، وأجزم أنه شخصيا أول من لا يصدق هذا الهراء، والأهم أنه لم يستطع إخفاء الصورة البشعة لأجهزته القمعية الدموية الإجرامية التي تنتهك حرمات الشعب السوري كل يوم، بل كل لحظة!!

والملمح الأبرز أن خطاب الأسد الأخير كان مليئاً بالتسويف والمماطلة لكل الإصلاحات التي أعلن أنه ينوي تنفيذها في البلاد، فلم يتكلم عن جدول زمني محدد، ولم يطرح رؤية واضحة، ولا أعرف كيف تخيل أن الناس في سوريا سوف يصدقونه؟! كما كان خطابه مليئا بالارتباك والتناقضات!! ولم يشتمل على أي وعد بعمل حقيقي يفيد الشعب السوري بأي شكل من الأشكال، فلم نسمعه مثلا يتكلم عن:

محاسبة المجرمين القتلة الذين قتلوا حتى الآن نحو 1500 شهيد من المدنيين السوريين الأبرياء العزل، ولا حتى عن إجراء تحقيقات فعلية لمعرفة ملابسات ومرتكبي هذه الجرائم.

إطلاق سراح آلاف المعتقلين ظلما وعدوانا، الذين تم اعتقالهم أثناء أحداث الثورة أو طيلة السنوات التي قبلها.

العمل على عودة آلاف المشرّدين السوريين الذين تركوا ديارهم وغادروا وطنهم ومدنهم وقراهم؛ نجاةً بأنفسهم، وفراراً من نيران دبابات ومدافع الجيش السوري التي تحاصرهم وتُمْطِرُهم يوميا بوابل من قصفها العنيف والمكثف وكأنهم محتلون صهاينة وليسوا مواطنين سوريين من حقهم التعبير عن إرادتهم السياسية بكل حرية واطمئنان كبقية شعوب الأرض!!

المسارعة إلى إلغاء القوانين سيئة السمعة وتوفير الضمانات الكافية قبل الدخول في حوار وطني شامل ومخلص ومفتوح دون إقصاء لأحد أيا كان؛ فرغم أن الحوار الوطني الحقيقي الشامل هو مطلب لكل القوى الوطنية المخلصة، إلا أنه الآن وفي ظل فقدان ثقة الشعب السوري في نظامه ليس المدخل الصحيح الذي يصلح لأن يكون بداية عملية تضع نهاية جيدة لاستبداد النظام السوري الحاكم منذ عقود، وبحث سبل نقل وتداول السلطة سلميا!!

 لقد ركز بشار الأسد طوال كلمته على تقسيم الشعب السوري إلى فريقين: فريق المندسين وهؤلاء هم المخربون، وفريق المتظاهرين المطالبين بالإصلاح وهؤلاء مغرَّرٌ بهم من قِبَل الفريق الأول ومستغَلُّون من قِبَل المتآمرين على سوريا في الداخل والخارج، ورغم هذا الخلط المتعمد لتمييع القضية وتشويه صورة الثورة السورية فلم ينخدع السوريون بهذا الدجل السياسي، ولم تتأثر إرادتهم الشعبية الثائرة.

وبقدر ما كانت كلمة بشار الأسد مخيبة للآمال بقدر ما كان صداها على الصعيد العالمي وردود أفعال المجتمع الدولي الرسمية عليها مخيبة هي الأخرى لتطلعات الشعب السوري ورغباته في اتخاذ دول العالم مواقف حازمة ضد النظام السوري الذي يقتل شعبه الأعزل بالدبابات والمدفعية الثقيلة ويعاقبه كل يوم بل كل ساعة لمجرد أنه تظاهر معلنا رأيه ومطالبا بالحرية!!

والآن أصبح على ثوار سوريا الأحرار أخذ زمام المبادرة بأيديهم، وإكمال الطريق التي بدؤوها للوصول إلى مستقبل سوريا الحرة بعد إسقاط هذا النظام الفاسد المستبد، نعم على شباب سوريا الشجعان مواصلة الطريق البطولية التي سلكوها... حتى يسقطوا استبداد وفساد حزب البعث، الذي جثم على صدورهم طيلة هذه العقود من الزمن، وعلى كل ألوان الطيف السياسي في داخل سوريا وخارجها أن يوحدوا صفوفهم، ويجمعوا كلمتهم  وينهوا تشتتهم بأسرع وقت ممكن، وأن يدركوا أن قيامهم بدور ما في بناء مستقبل سوريا، رهن بحرصهم على المصلحة السورية العليا وتحقيقهم لإرادة الشعب السوري الثائر، ونصيحة كل الحكماء والعقلاء وأنصار حقوق الإنسان حول العالم للشعب السوري أن يصمدوا ويصبروا ويواصلوا طريق ثورتهم السلمية مهما بلغ حجم التضحيات.

                

 * كاتب إسلامي مصري