أخطاؤنا بين الشيطان وإسرائيل

جعفر عبد الله الوردي

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

ثمة فكرة سارية بين كثير من العقول، وهي فكرة تبعث في النفس الطمأنينة؛ إذ إن النفس تحس بالفشل أمام الذات إن لم تبرر الخطأ التي ارتكبته.

فعند الكثير من الذوات شماعتان تعلَّق عليهما الأخطاء والتهم، ففي الأخطاء الدينية والمعاصي والذنوب يأتي دور شماعة إبليس وأعوانه فيُلصِق الشخص به من التهم ومن الأسباب ما لم يفعله إبليس نفسه، حتى لَكأنّ إبليس يقول له: اتق الله فيني فهمّتي أدنى مما تعتقد.!

أيَّ معصية يُقدم عليها يقول: هذا من الشيطان، وأيَّ غفلة يرتكبها يقول: هذه من الملعون، وأيَّ تقصير في أداء واجباته الدينية: يهدي حظها الأوفر إلى الشيطان.

وهو طبعا لا يعتبر أن لنفسه دورًا في المسألة ولا كسبا، مع العلم أن الله تعالى يقول: (ومَا أصابَك من سيئةٍ فمن نفسِك) ولم يقل فمن الشيطان ! ويقول أيضا: (إنَّ كيدَ الشيطانِ كان ضعيفًا)، أما نحن فنجعل كيده عظيما فعّالا...

إن هذه الشماعة الدينية هي من صُنع الشيطان نفسِه، فهو يطير فرحا إن عظمته وجعلته سببا في كل حدث وأمر تقوم به، فأنت تعطيه من السرور والقدْر أكثرَ مما يعمل ويجتهد، فما أصبحتَ إلا من مُدّاحه ومن مدخلي السرور إلى قلبه..!!

وأما شماعة إسرائيل، فكثيرا ما تستخدمها السياسات الفاشلة التي تعطي إسرائيل أيضا من التقديس والتعظيم ما لم تمنح إسرائيل نفسها إياه، فإن حصلت مشكلة في اليابان قالوا إن إسرائيل لها يد فيها، وإن قتل رجل في المريخ اتهموا الموساد بالوقوف وراء العملية، وهكذا...

وقد تنهج دولا هذا النهج، فما يأتيهم من سوء في السياسة والتدبير إلا أوكلوا سببه إلى إسرائيل واليهود، فهم يعطونهم من الحجم والمكانة التي تزيد من ثقتهم بأنفسهم وتعينهم على إرهاب الناس عن بُعد..

فعندما ظهرت بدايات موقع فيس بوك مثلا تَنَادى الكثير من العرب والسياسيين أنه من صنع إسرائيل ومن تدبيرها، مع أنه من صنع شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين، فكان الفضل ليس له طبعا بل لإسرائيل لأنها صاحبة الصيت، هذا على نظرية شماعة إسرائيل.

إن هذا التفكير العقيم البدائي لا يتأتَّى من ذي لب متوقّد متفتح، فيجب علينا أن نضع لكل شيء قدره وحقه، وأن نعطي كل شخص أو فكرة نصيبها الواقعي من الحقيقة، لا أن نعظّم أفعال شخص أو طائفة ونجعلها هي المتصرفة في الوجود..! انتهى عصر العقول الحجرية، وانبسق عصر الأذهان النورانية..