استقالة شيخ قراء بلاد الشام

محمد فاروق الإمام

رسالة إلى علماء سورية!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لم يستطع الشيخ الجليل كريم راجح شيخ قراء بلاد الشام أن يحتمل قمع النظام السوري الوحشي للمتظاهرين السلميين، ولم تعد عيناه تحتمل مشاهدة الدم النازف يُسفح في جنبات كل مدينة وقرية من شمال البلاد إلى جنوبها، ولم تعد مشاعره تحتمل سماع أنين الأرامل ونحيب الثكالى وبكاء الأيتام وتوجعات الناس على أحبائهم تتصاعد من كل دار وحي وزنكة، ولم يعد يستطيع أن يدير ظهره لكل ما تعرضه الفضائيات العربية والأجنبية من مشاهد لمقابر جماعية ضمت بعضها أسراً كاملة، ومشاهد النساء وهن يقتلن بدم بارد، ومشاهد فرار الآلف من الأطفال والنساء والشيوخ إلى البلدان المجاورة هرباً من بطش هذا النظام الذي لا يستثني طفلاً مرعوباً ولا امرأة خائفة ولا شيخاً عاجزاً ولا مقعداً معوقاً.

لم يعد هذا الشيخ الجليل يحتمل كل هذه المشاهد الفظيعة التي تقطع نياط القلب وتدمي الفؤاد وتحرق الكبد.. فأقدم بكل شجاعة، افتقدها غيره من علماء سورية، على تقديم استقالته من منصبه كخطيب وإمام لأحد أهم مساجد حي الميدان بدمشق احتجاجاً، كما جاء في كلمته المسجلة والتي بثت على القنوات الفضائية العربية والأجنبية، احتجاجاً على التعامل الأمني مع رواد الجوامع (أرسل من هنا إلى وزير الأوقاف وإلى مدير الأوقاف أنني لا أخطب بعد اليوم حتى تنتهي هذه الأمور).

وقد بث موقع الفيديو (يوتيوب) شريط فيديو يبين الخطبة القصيرة التي أعلن خلالها الشيخ راجح استقالته، وأشار فيها إلى أن (المساجد لكل الناس ولا لفئة دون فئة، وإذا كان الأمن يخاف من أن تخرج هذه الجموع من المساجد فليتخذ طريقة أخرى، لا أن ينتقم من المساجد فيمنع المصلين من دخول بيوت الله من أجل ألا يكون هناك تظاهر).

ومع خالص تقديرنا لموقف هذا الشيخ الجليل كنا نتمنى على علماء سورية كافة أن يقفوا نفس هذا الموقف الشجاع، وذلك أضعف الإيمان، وهم نبض الأمة وبوصلتها وصدى خفقان قلوبها، وأن يكونوا على قدر المسؤولية التي أناطها الله بهم والأمانة التي حملها لهم ليكونوا المرآة الصادقة والشجاعة للتفاعل مع أماني الأمة وتطلعاتها والشعور بأوجاعها، في مواجهة سلطان باغ سفك الدماء واستحل المحرمات ودنس المقدسات وخرب دور العبادة وداس ومزق مصاحفها وحول مساجدها إلى مقرات للتعذيب والاعتقال كما حدث في درعا وبانياس وتل كلخ وغيرها من المدن السورية، وقد شاهدنا وشاهد العالم هذه المناظر المؤلمة على شاشات الفضائية العربية والأجنبية، وهم الأحق والأجدر بالتصدي لمثل هذه الجرائم البشعة لما عرفوه من علم وحفظوه من قول الله تعالي وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ولسنا نحن هنا في مقام إعطاء الدروس لهم وهم الأساتذة والمعلمون، وأقل ما حفظناه عنهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... كلمة حق أمام سلطان جائر).

لقد سبق وشاهد الملايين على القنوات الفضائية العربية والأجنبية خطيب المسجد العمري بدرعا الشيخ أحمد الصياصنة، وخطيب مسجد بانياس الشيخ أنس عبد الرحمن عيروط وهما يتقدمان صفوف الجماهير في انتفاضتهم ويقودون ثورتهم المباركة، وهو المكان الطبيعي لعلماء الأمة كحالهم على مر التاريخ عند وقوع المدلهمات والخطوب والإحن وتجبر الحكام وطغيان السلطان، فموقف الإمام أحمد بن حنبل وموقف الإمام ابن تيمية والعز بن عبد السلام تمثل الصفحات المشرقة لتاريخ هذه الأمة، التي على العلماء في شامنا الذبيحة أن يقتدوا بها ويتمثلوها ويكونوا في مقدمة الصفوف التي تقارع البغاة والحكام الظلمة، وهذا ما لم نشهده إلا في هذه الثلة القليلة المباركة.. فهل سنشهد في قابل الأيام لشيوخ سورية وعلمائها وخطبائها ومحدثيها مواقف شجاعة كتلك المواقف التي شهدناها من شيخ قراء الشام وشيخ درعا وخطيب بانياس، وعندها سيكون الموقف الفصل الذي ينزع عن هؤلاء الحكام البغاة ما يسوغ لهم أعمالهم ويسوق لهم جرائمهم، ونصل إلى ساعة الحسم ووقف شلالات الدماء وإزهاق الأرواح وسقوط هذا النظام وإزاحته عن كاهل سورية التي ناءت بحمله لأكثر من أربعة عقود ثقيلة كثقل الجبال الراسيات على الأرض!!