رسالة إلى جهاد الخازن

العقوبات في الإسلام لا تخلِّف ألوفاً من المعاقين!!

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

يعتاد الأستاذ جهاد الخازن أن يتطرق إلى كثير من القضايا الإشكالية في مقالاته التي ينشرها في جريدة الحياة اللندنية تحت زاوية "عيون وآذان"، ويشترك الخازن مع غيره من الصحافيين والمثقفين في أنه يرمي الإسلاميين بالكثير من التهم التي تُلقى جزافا دون تمحيص أو تحرير، تقتضيانها الأسس العلمية، وقواعد العمل الصحفي من مهنية وحيادية وموضوعية، وكأن الإسلاميين خارجون عن قانون المنطق والعقل والإنسانية، فلا داعيَ لأن يُطبق عليهم المنهج الصحفي الصحيح، فهم مؤهلون لإلصاق ما لذّ وطاب من التهم بهم، وكل شيء من هذا القبيل يناسبهم، فمهما قلت عنهم، فأنت تقول الصواب، فلماذا تتعب نفسك وتمحص إذن!!

ولست هنا بصدد أن أناقش مسائل أكبر من الخازن ومن غيره من الكتّاب، ولكنه بوصفه متمرسا في العمل الصحفي ومشهودا له بذلك، فلقد كان من الأجدر به وهو من هو، ذو قدم راسخ في الصحافة المكتوبة، أن يُسائل معلوماته، ولو مرة واحدة، بخصوص ما يكال من تهم ضد الإسلاميين، وحتى لا أطيل في المقدمات، فإن الخازن في مقاله المنشور في جريدة الحياة اللندنية، بتاريخ: 3/5/2011، وكان بعنوان: (يتصرفون كأنهم أصحابها)، قد أوقع نفسه في العديد من المغالطات التي لا يجوز لصحفي مبتدئ أن يقع فيها، ناهيك عن قامة صحفية كجهاد الخازن.

وأقف أولا عند استعماله المصطلحات التي يوظفها في مقاله، فقد اعتمد الخازن على جملة من المصطلحات التي لا يُشك في أن توظيفها جاء انحيازيا، فقد أورد (المتطرفون، السلفية، الصوفية، الإسلام الوسطي)، وأدركُ تماما أن الخازن ليس له نصيب في نحتها أو وجودها، ولكنه يساهم مع غيره من الكتّاب في الترويج لها إمعانا في التضليل، فالمسلمون كلهم واحد في اتباع دين واحد، ولكنهم يختلفون في التفسير والتأويل، ومن نختلف معه في التفسير والتأويل لا نقول عنه إنه متطرف أو سلفي أو صوفي، بل علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم طريقة شرعية في الحكم على الآراء، فنقول عن تلك الآراء إما صحيحة وإما خاطئة دون تصنيف فكري ما، وقد امتدح الرسول الكريم المخطئ والمصيب كليهما، فللمصيب أجران في اجتهاده وصوابه، وللمخطئ أجر لاجتهاده وبذل الوسع في ذلك، ولم تعرف حركة الإسلام الفكرية التراثية المسطورة في المؤلفات هذا التصنيف الثقافي الفكري إلا حديثا عندما طغت الأفكار غير الإسلامية، وبدأ كتّابنا بتصنيف تلك الصفات وتزويق تلك المسميات، منهم من يجهل ومنهم من يعلم الحقيقة ويتابع، ولكن الله من وراء القصد!!

أما القضية الثانية التي أحب أن أقف عندها، وقرأتها في كتابات الكثيرين، وقد خصص البعض مؤلفات من أجلها، قضية الحدود في الفقه الإسلامي، وإشاعة صورة قاتمة لتطبيقها، ولم تكن صورة الخازن التي أوردها في مقاله بسيطة، بل هوّل الأمر كثيرا، فقد قال تعقيبا على فعل أحدهم بقطع أذن قبطي:

"هل من المنطقي إقامة الحد في مصر في القرن الحادي والعشرين؟ لو فعلت الحكومة المصرية، وقياساً على عدد الجرائم ذات العلاقة، لأصبح هناك ألوف المعاقين الذين يمثلون عبئاً إضافياً على الخدمات الصحية والاجتماعية في بلد محدود الموارد."، هذا ما قاله الخازن في مقاله، غير مدقق وغير ممحص، وقد اقتضت الموضوعية فعل شيء من هذا، لاسيما وأنه لا يوجد في التشريع الإسلامي عقوبة قطع الأذن على أي جريمة مهما كانت، والوارد من الأحكام في القطع حد السرقة، وحد الحرابة، وهما من العقوبات التي شدد الله فيهما؛ لما لهما من أثر في حفظ المجتمع وأمنه، وقد أحاط الله المال بعناية فائقة من الحرص حتى لا يصبح المال نهبا، وقد قرن المال والمحافظة عليه بالمحافظة على النفس، وهذا ما جاءت به الأحاديث ومنها: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، فها هو الحديث يفصح عن نفسه في أهمية هذه الأمور الثلاثة، فلا داعيَ للتعقيب.

عدا أن الخازن قد قاس الأمور قياسا خاطئا، ففعل شخص ارتجالا - إن حدث - لا يُحَمّل ذلك الفعل للأساس الذي قام عليه، هكذا تقتضي الموضوعية أيها الصحفي، فقطع أذن القبطي خطأ لا شك في ذلك، ولكن هل قطعت حدا أم مجرد شجار أو حتى صراع أدى فيما أدى إلى قطع أذنه؟ لتأتيَ وتقول: إنها قطعت حدا، وتأتي بهذا القياس، ولست أرى أن حديثك عن الحدود جاء متصلا بسياق موضوعي تقتضيه المقالة وموضوعها، بل وجدته مقحما للترويج للفكرة المستكنة في عقلك الباطن ضد الحدود وتطبيقها، فوجدت ذلك مدخلا طبيعيا، ولكنني أعتقد أن السهم لم يكن راميا، فقد طاش بعيدا، وبرزت الفكرة قلقة ودخيلة في المقال.

هذه واحدة، وأما الثانية أيها الخازن، لعلك تدرك إن أردت أن تدرك، أن العقوبات في الفقه الإسلامي لا تطبق في ظل الشبهة، "لا حد في مجاعة"، و"اتقوا الحدود بالشبهات"، و"لأن يخطئ القاضي في العفو مئة مرة، خير له من أن يخطئ في العقوبة مرة واحدة" و"تعافوا الحدود بينكم"، كل هذه النصوص مقررات شرعية تحد من تطبيق الحدود، فلا تطبق إلا وهي ساطعة كالشمس، مرفوعة إلى القاضي، ولو تدارك الناس الأمور بينهم قبل الذهاب إلى القاضي، لا حد في المسألة، فلا جاسوسية في الدولة الإسلامية، ولا تعاقب إلا إذا كان هناك دعوى مرفوعة، حتى الخليفة نفسه أو القاضي لا يحكم إن رأى انتهاكا بعينه، لعدم توفر شروط المحاكمة.

ولم يحدثنا التاريخ الإسلامي على كثرة مؤلفاته وكتّابه أن الحدود جلبت الدمار على المجتمع الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية التي بقيت تحكم بالشريعة الإسلامية مدة تزيد عن ثلاثة عشر قرنا، أو أن تطبيق تلك الحدود قد خلف جيوشا من المعاقين، على الرغم من أن الجرائم كان ممهدا لها وأسهل طريقا من اليوم، خصوصا السرقة، لطبيعة الحراسات والاحترازات قديما وحديثا.

وكثرة جرائم اليوم، لا يتحمل عبئها الإسلام وأفكاره، بل تتحملها الأنظمة الفاسدة التي خلقت وخلفت جيوشا من العاطلين عن العمل، وسدت في وجوه الشباب أبواب الخير، وفتحت لهم أبواب الشر والرذيلة، عدا أن الشبهات واردة في كل جريمة، ولذلك حتى تطبق الحدود أوجد مجتمعا إسلاميا، ووفر للناس أسباب معيشتهم واستقرارهم، وحقق لهم أمنياتهم، وأشبع حاجاتهم العضوية ، وأمن لهم مجالات واسعة لإشباع غرائزهم، فإن حادوا عن الطريق بعدها وثبت ذلك قاطعا طبق حدودك، هذه هي فلسفة الإسلام في الحدود أيها الخازن الكريم.

وأما الثالثة، فإنني سأجمل فيها القول، لعلي أتمكن في قابل الأيام أن أفصل فيها في مقال موسع، ألا وهي حقوق المواطنة والدولة المدنية، وأقول اختصارا في حقوق المواطنة: إن الإسلام كفل لكل رعاياه حقوقا واحدة، يحكمهم قانون واحد، وعندما يطبق القانون يلتزم به الجميع، المسلم وغير المسلم، وعندما يخالف أحدهم ذلك القانون تجري عليه العقوبات ذاتها، بوصفها قانونا، وليس بوصفها نصا دينيا اعتقاديا، والكل في نظر الشرع متساوون في الحقوق والواجبات، أليست هذه هي أسس المواطنة يا أستاذ جهاد الخازن، وأساس الدولة المدنية، لم تظلمون الإسلام ولا ترون فيه مجالا للعيش الإنساني، وما جاء الإسلام إلا رحمة للعالمين؟!

وأخيرا أقول: إن الكتاب والمثقفين أسمى من أن ينجروا وراء كلمات الشتائم والسباب، فلا مبرر أمام الحوار الفكري الثقافي أن نصف من نخالفهم بأنهم خفافيش ليل، فكان الأجدر بك أن تنأى بنفسك عن مثل هذا، فهذا من لغة السفهاء، جنبك الله منطقهم، وأذكرك بقول الشاعر:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِِ

أخي جهاد الخازن عذرا إن أطلت، ولكن لا بد من التوضيح والتصريح.

مقال أ. جهاد الخازن:

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/262249#new