خطاب مفتوح لأحمد نوفل

سورية والمقاومة والثورة

أبو سعيد فاروق مشوح

مقال الأخ الكريم أحمد نوفل في " السبيل " عدد __1512 الإثنين 25/4/2011م ؛ تحت عنوان " ليس خطابا مفتوحا لأحد .. " هذا العنوان ملفت للنظر ، غريب على مواضعات بني البشر ؛ فالكاتب يكتب للقارئ المطالع ، أو القراء المتابعين ، أو يخاطب جهة رسمية ما أو شعبية ؛ لكن الأخ أحمد _ حفظه الله _ كتب إلى غير أحد ، وخاطب فراغا لا يوجد فيه أحد .. وهذا من العجب !! فهل يكتب كاتبنا للفضاء المفتوح ، يطلق فيه حروفه حتى لا يراه أحد ، .. أو يقرأه أحد .. أو يسمع به أحد .. ونحن نعلم أن الأخ أحمد على ذكاء وفطنة لا يشك فيهما أحد .. ما يجعلنا نفهم أنه يضمر شيئا ما في نفسه ، لا يريد أن يطلع عليه أحد ، أو يكتشف خبيئته أحد ، ولعلنا نشير إلى هذا السر فيما بعد ..!!

في كل حال ، الخطاب بطوله وتفصيلاته ، وأيضا بإيحاءاته وإشاراته ؛ ينقسم إلى قسمين رئيسين ؛ الأول ؛ هو دفاع مجيد عن النظام السوري باسم المقاومة ، وهذا النظام برأي الكاتب هو ؛ "حصن المقاومة ، وحضن المقاومة ، ودرع المقاومة " ، وعندي وعند الكثيرين ممن عرفوا الحقيقة ، وابتلوا بآثارها ، وخبروا خفاياها أقول ؛ وبسرعة ومباشرة ؛ هو مأوى المقاومة ، ولها كل العذر في ذلك ، ومن حقها ذلك ، وأيضا لن يعذلها أحد في ذلك .. ولكن النظام يستخدمها ورقة رابحة ، وعملة مساومة هابطة ؛ لتسويق حكمه لشعب سورية ، بما عرف عنه من قسوة وفساد وظلم واستبداد ، ثم هو يسوغ بواسطتها كل أنواع الإجرام التي يمارسها على الشعب السوري ولدهور طويلة من الزمن .. هذا هو العنصر الرئيس من موضوع د.نوفل ، وهو المهم عندنا في الحديث ، والذي سوف ندير الكلام عليه أساسا وفيما بعد .. والقسم الثاني ؛ مناشدة حانية للنظام راجية مستعطفة، لعله يستجيب ، آملة منه أن يعطي شعبنا السوري المقهور شيئا من حقوقه ، مع اعتراف خجول ، وقول لين ، وكلام سهل هين ؛ بأن للشعب السوري الحق في مطالبه، والمشروعيةَ فيما يرفعه بوجه النظام ، وهذه لفتة كريمة من الأخ الكاتب ؛ لا بدّ أن نشكره عليها نحن السوريين المقهورين من نظام جثم على صدرنا قريبا من خمسين سنة ، وذقنا من ويلاته ما يعرفه أحمد نوفل وما لا يعرفه ؛ ولعل الأخ المذكور يتمنى للنظام _ في قرارة نفسه _ طول العمر ، وراحة التربع على مقدرات هذا الشعب إلى زمن غير محدود .. لا لشيء إلا لأن النظام يحتوي المنظمات ويؤويها ، وأيضا يحمل شعار المقاومة _ طبعا _ بلا مقاومة ، والممانعة بتمنع وبلا رغبة .. إذن فهذا الموضوع الثاني من المقال جاء بعد الأول الذي هو الأساس وهو الذي يثير الأشجان ، ويهيج الأحزان ، ويبعث على الأسف والحسرة ، وهو الذي جعلنا نفهم لين القول في الموضوع الثاني ، ونحن الآن نحاول الكلام في الموضوع الأساس ، والذي بدأ به الأستاذ الكريم ...

يفتتح الأخ أحمد حديثه في هذا الموضوع العام ؛ بمقولة عاطفية ، طافحة بالمشاعر ، جياشة بالتطلعات المكبوتة " المقاومة هي حشاشة الروح المتبقية في جسد الأمة " ، وهي حقيقة لا يماري فيها أحد ، كما أنها ليست جديدة على أبناء أمتنا ، بل نحسب أن شعوبنا في كل العالم العربي ، ومعظم الإسلامي تشارك الكاتب هذا الشعور ، وتتحرق لنصرة المقاومة ، والانفعال بها والتفاعل معها ، ضد عدو اغتصب الأرض ، وانتهك العرض ، وصادر مستقبل الأمة إلى أجل لا يعلم مداه إلا الله .. إذن ليس الخلاف هنا ؛ بل الخلاف مع الكاتب الفاضل أن النظام السوري هو صاحب هذه المقاومة ، وهو رأس حربتها في رأيه ، وأن هذه الورقة التي يتاجر بها النظام جازت عليه وعلى وإخوان له كثيرين ؛ وهذا ما يؤلمنا ويحز في نفوسنا ، ويجعلنا نعود إلى تراثنا الباذخ ؛ فننشد مع المتنبي :       

أعيذها نظرات منك صادقة       أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم  

وما انتفاع أخو الدنيا بناظره!      إذا استوت عنده الأنوار والظلم   

يكاد الرجل لكثرة ما رأى من الورم هو وإخوانه ، وما تخلف عنده _ وعندنا جميعا _ من الخيبات في هذه الأنظمة ، ومن البلايا في هؤلاء الحكام ؛ أن يحسب هذا الزبد لبنا صريحا ، وهذا الغثاء قولا فصيحا ...

لا أريد أن أدخل مع _ أخي أحمد _ في مماحكات وحكحكات وجاهليات ؛ على حد تعبيره؛ فهذا الموضوع أصبح من الوضوح أجلى من عين الشمس ، وأن الذي يحرر أرض الأمة من مغتصبيها لا يفسد عقيدتها ، ولا يعتدي على حرماتها ، ولا يجرح كرامة رموزها ، ونحن أبناء أمةٍ يقول كتابها:"إنما المؤمنون إخوة " = نجمع إن شاء الله ولا نفرق ، ونقوي ولا نضعف ، وننصف ولا نجور ...

 ثم نأتي إلى مقولة إخواننا الجامعة المانعة ، القائمة القاعدة ؛ وهي احتضان النظام في سورية لحركة حماس وسائر المنظمات ؛ فنقول بصدق: إن هذه حقيقة لا مراء فيها ، وقضية نسلم بها دون جدل ؛ ولكن ما سبب ذلك؟ إننا نعترف أن النظام السوري هو الأذكى بين الأنظمة العربية ؛ فقد سحب هذه الورقة من الجميع ، واستعملها لأغراضه ، وتاجر بها في دعاياته ، واستغلها أبشع استغلال في ممارساته ؛ وهو يفاوض إسرائيل ، ويداعب أمريكا ، ويهدئ الحدود مع العدو ، ويكاد يتخلى عن أرض الجولان السورية لإسرائيل ، وهنا وفي هذا الموضوع الحساس لا نجامل أحدا ولا نتجنى على أحد ، كما لا نجازف بالقول _ بحال من الأحوال _ لأن الأخ الكاتب أحمد نوفل لم يصادفه التوفيق فيما ذهب إليه من الإشادة بالنظام السوري ، حيث نقدم له في هذه المناسبة مصادفتين عارضتين ؛ جاءتا بقدر الله ، وليس بتدبير أحد ؛ أما الأولى فهي أن المقال المنشور تحت مقاله مباشرة ، على صفحة جريدة السبيل نفسها " إسرائيل تحبس أنفاسها مما يجري في سورية " للكاتب صالح النعامي، يرد على ادعاءات المقاومة للنظام السوري ، والوقوف بوجه إسرائيل أو إرادة تحرير الأرض والعرض والمقدسات ، فها هي وثائق دامغة يتقدم بها رموز العدو الصهيوني من جنرالات واستراتيجيين ، ورموز إسرائيليين ، وكتاب ومفكرين؛ كلهم تعتريهم الخشية ، ويتملكهم القلق ، ويزلزل كيانهم الخوف ؛ لأن النظام السوري _ الخادم لدولتهم المغتصبة _ يهتز هذه الأيام فرقا ، تحت ضغط المحتجين الأبطال من ثوار سورية وشعبها ، وهم يؤكدون بكل صراحة ؛ أن النظام السوري هو " أفضل صيغة حكم بالنسبة لإسرائيل " ، وكل الشهادات التي وردت في المقال المشار إليه بهذا المعنى ولا أستطيع بكل أسف أن أقدمها جميعا أو أقتطع شيئا منها ؛ لأنها كاملة تعني الأستاذ الكريم أحمد ، وتجيب على قناعاته الثابتة الراسخة ؛ أتمنى عليه قراءتها والتفكر بها ، والإمعان في مدلولاتها ، عسى ولعلّ .. ألا يبقى لأحد حجة علينا في " مقاومة هذا النظام أو ممانعته بوجه العدو ..!!". أما المصادفة الثانية وهي بالغة الأهمية ، بل فيها من العبرة ، ما يجعلنا نعيد النظر بكل مواقفنا ، ونتحلى بشجاعة الأحرار ، وصدق المؤمنين ؛ فنعتبر أن ما خدعنا به هذا النظام السوري المجرم هو باطل وقبض ريح ، انطلى على الكثيرين ، ولفترة غير قصيرة من الزمن ؛ تلك المصادفة هي اقتحام دبابات جيش النظام ، وآلياته الثقيلة ، وميليشياته المحترفة ، وشبيحته المأجورين = المدنَ السورية في هذا اليوم الذي ظهر فيه مقال الأخ الدكتور ، وظهر للعيان أن الوالد وما ولد من مدرسة واحدة، برنامجها القتل والنهب والفساد، وأن الابن لا يختلف عن أبيه في ممارسة البطش والظلم والطغيان الذي رآها الشعب السوري مطالع عشر الثمانين من القرن الماضي عندما دمر حماة ، وبعض المدن السورية الأخرى وقتل شعبها ..

الأستاذ الكريم؛ مقالكم الذي جعلته خطابا مفتوحا غير موجه لأحد يشير كما تبيّنتُ منه = إلى حرج كبير ، يعيشه بعض إخواننا في العمل الإسلامي أو في الإعلام الإسلامي إذا صح الوصف .. ولقد شعرنا _ نحن إخوانكم السوريين _ بالكثير من الألم ، وبما لا يوصف من الأذى لعدم مراعاة الشعور فيما نحن فيه ؛ إزاء هذا النظام القاتل الذي خُدعتم به ، وغررتم بأمانيه ، وحتى قبل أيام؛ انفردت جريدة السبيل بنشر صورة وزارة أسد المحنّطة على صدر صفحتها ، وكانت عارا جلل صحيفتنا التي تنطق _ أو هكذا تزعم _ باسم دعاة الإسلام ، وتعبر عن مشاعر غيرهم معادين لديننا وعقيدتنا وقضيتنا ؛ وقد أرسلتُ ردا على الصحيفة في هذا الشان سوف أرفق لكم صورة عنه لترى كم نحن مستائين من هذه الأمور التي تجري في ساحتنا بلا مراجعة ، وتمارس على أوساطنا بلا تمحيص ولا تدقيق .. أعيذ نظرات إخواننا مرة ثانية ؛ أن يجوز عليها خداع الخادعين، أو يمر في ساحتها كيد المجرمين ، ولن أطيل أكثر ، فأرجو أن يكون في هذا الرد كفاية وخير ؛ والعودة إلى الحق شأن المسلم، وهو _ إن شاء الله _ لن يقبل التمادي في الباطل ، والحمد لله على كل حال " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " ...