ترهلات.. عجائز بالجينز.. ومرايا

ترهلات.. عجائز بالجينز.. ومرايا!!

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

يقال بأن الزمن جزء من الحل أو العلاج؛ ولكن الزمن يسير بهدوء وصمت، يقضم الثواني والساعات والسنين، وعوامل التعرية تعمل معه بصمت وبإخلاص منقطع النظير !!!

كيف يصلح العطار ما أفسده الدهر؟

كثيرٌ من الناس لا يؤمنون بالحقيقة التي تصدح بها المرايا، يقنعون أنفسهم أنهم لا زالوا في ربيعهم الأول، وما التغييرات التي طرأت على وجوههم وأجسادهم  ما هي إلا وليدة حدث عارض وسيزول حين يعالج بقليل من المساحيق أو بعض التمارين  الرياضية.

وقليلٌ من المعالجين يخبرون مرضاهم بحقيقة الأمر وأن لكل داء دواء .... إلا الهرم !!

ولو أنهم صدحوا بالحقيقة المُرة ، لخسر كثير من أطباء التجميل والصيادلة ومصانع المساحيق والأكاسير .... الكثير الكثير من معدل مدخولاتهم اليومية التي تأتي من جيوب أولئك الباحثين عن إكسير الحياة ليعيد لهم مجد القد والنهد الذي هجرته فساتين الصبا ... وجفون صارت تسرق الكحل بين تجاعيدها .... وكواعب صارت خرائب  وفعل بها الزمان الأفاعيل .... !!!

والأفراد والدول في الحياة دوما يخضعون  لناموس إلهي مستمر منذ الأزل.... قوة من بعد ضعف ....ثم ضعف من بعد قوة وترهل ووهن ...ثم اندثار .... وهكذا تعيد الحياة دورتها من بذور الراحلين ... المندثرين.

لكن الإنسان مجبولٌ على حب الحياة، لا يحب النزول من بعد الصعود، ويكره الضعف من بعد القوة ... وينكر فعل الزمان به وواقع الهوان الذي صار إليه. فيجحد ما تخبره به المرايا ... ويلجأ لشفط الدهون وشد الجلد وضخ السيلكون في المواضع التي أبلاها الزمان ... حتى يبدو كدمية بلهاء ...حمقاء..!!

كثير من  هؤلاء الباحثون عن إكسير الحياة والخلود ويتشبثون بمناصبهم فوق رقاب الناس لا يؤمنون بأن الدنيا مراحل متآكلة .... و يغترون بأكاسير الحياة  الكاذبة التي ينهبهم بها لصوص الدهانات وبويات التجميل ، ويصرون على  اغتصاب شباب أحفادهم بصبغة شعرهم والجينز الذي أُكـْرِه على حمل أجسادهم المترهلة وعظمهم الواهن.!

مشكلتنا  أننا لا نستطيع أن ننزع الشعر المستعار عن صلعة رؤوسهم ، أو نرى شيبهم سوى عندما يغزونا العلوج ... كما رأينا شيب " الصحاف" معدوما من سواد السنين الغابرة ، بعدما سقطت بغداد في قبضة العلوج ... فسقطت الشعارات وسقط الشعر المستعار  ... !!؟؟

كثير من  الأحزاب و الحركات وزعمائها، استنفذت طاقاتها وأخذت وقتها وزيادة ، ودخلت مرحلة الشيخوخة المبكرة أو المتقدمة  جدا ... وتجعد وجهها ألاف المرات وصار الجسد كتلٌ متبعثرة من كثرة الترهلات ....واختفت معالمها من كثرة المساحيق والدهانات.... وما زالت تطمع أن تبقى الأميرة في العيون وتتصدر الواجهة والشاشات .... ولذا  تخضع نفسها لعمليات التجميل المختلفة  من الشفط والشد والنفخ بالسيلكون الوطني الفاخر ... ومن أجود الماركات... ولا يريدون أن يقتنعوا أن القوة والجمال مقهوران لقوة الزمان ولا تخدعه الفبركات..!!!؟؟

فلو دامت القوة لفرعون لما رأيناه في متاحف مصر المحروسة !!  ولو دامت لكسرى لما وصلت لنجاد !!  وهكذا التاريخ يأخذ من  الأجداد ليعطي الأحفاد.!!؟

وهكذا الترهلات تغزو أجساد لتسرق منها خلعة الجمال وتكسوها لآخرين... فتزل من بعد عزها ، ولا تجد في سوق العيون من يرجع لها سعرها السالف في غابر السنين... ومن أراد العبرة والمزيد ، فمن تاريخ الفنانين والفنانات فليستزيد.

ألم يئن لهؤلاء العجائز بالجينز أن يعرفوا أن زمانهم ولى ، وأنهم بصبغاتهم وشعرهم المستعار يغتصبون شباب أحفادهم وتاريخهم ومستقبلهم  ... وأنهم حتى لو أن أرحامهم مازالت تنجب ... فإنهم وما ينجبون فائضين عن حاجة زماننا... كما يقول المثل الشعبي جدا  "ابن الشيبة للخيبة".

لماذا لا يكتفون بما أخذوا من زمانهم وسرقوا من زماننا .... أم أنهم ينتظرون العلوج لينزعوا عنهم زينتهم ويفضحوا شيبهم  !؟