رسالة إلى من يريد الانتحار

رسالة إلى من يريد الانتحار

علام الهم يا صديقي؟؟

مريم سيد علي مبارك/الجزائر

[email protected]

 كثر المنتحرون حتى أبدع الناس في الطرائف والتنكيت وصار منهم من يعبر عن نواياه الحسنة حريصا على مشاعر الناس قائلا : إذا أردت الانتحار فاختر مكانا معزولا نائيا بعيدا عن الأنظار، وصار البعض يدعو إلى الانتحار بطرق عصرية وبطريقة الساموراي والبعض الآخر يقترح "أفضل الطرق للتخلص السريع من الحياة وبدون ألم"، وبات ليس غريبا أن تقرأ موضوعا كتب عنوانه بالبنط العريض : "لليائسين من الحياة طرق الانتحار بكل شرف! "،..حقا إن شر البلية ما يضحك !!

صحيح أننا نضحك من هذه الطرائف ومن راويها لكنها في الحقيقة تكشف عن جبن وقنوط ويأس مريع من الحياة !؟؟ فلماذا اليأس يا صديقي وعلام الهم؟؟..

أنت تجزم أن فشلك في تجارب الحياة وقلة ذات اليد يحول دون تحقيق آمالك وكثيرا ما تتحسر على فقرك وتردد لو أن عندي كذا لفعلت كذا وكذا، أنت غني ولكن فقرك في تفكيرك، لأنك تملك الروح وهي لعمري أهم من المادة التي تندب حظك على فقدانها..وإن الله تعالى لم يسجد ملائكته لآدم عندما كان مجرد هيكل من طين، بل أسجد ملائكته لهذا المخلوق عندما نفخ فيه الروح لأنه يعلم بأن الروح هي وقود الجسد والمعنوي أهم من المادي..

كم صنعت المحن من الأطفال رجالا ومن الرجال أبطالا وكم سخر الناس من علماء كبار أخفقوا في تجاربهم ليس مرة أو اثنين بل آلاف المرات لكنهم لم يستسلموا للفشل لأنهم آمنوا بقدراتهم، فقد أجرى توماس إديسون أكثر من ألف تجربة قبل نجاحه في اختراع المصباح الكهربائي إلى أن ضحك عليه الناس، لكنه لم يتوقف عن محاولاته الفاشلة، لم ييأس لأنه كان يتعلم من كل خطوة فاشلة ويتفادها في المستقبل، لقد فشل 9999 مرة وعندما قال له الناس إنك فاشل كبير، قال لهم بل اكتشفت 9999 طريقة غير ناجحة لاختراع المصباح الكهربائي، فلم ييأس وكانت نظرته إيجابية وتوقع النجاح فنجح بعد كد وتعب وكل خطوة كان يقوم بإلغائها هي خطوة للأمام..

هل تعتقد بأن الناجحين ولدوا ناجحين؟؟، هل تعتقد أن النجاح أهدي لهم على طبق من ذهب؟؟، كلا، بل فشلوا مرة ومرتين وألف، فانظر إلى والت ديزني الذي رسم رسما كاريكاتيريا لفأر صغير وقال لزوجته : سنجني ثروة كبيرة من وراء هذا الفأر لكنها لم تعر الأمر أهمية، وفي طريقه لتحقيق أحلامه واجه العديد من العقبات وأفلس 7 مرات وتلقى صدا من 300 بنك رفض تمويل مشروعه إلى أن وجد بنكا واحدا قبل بإقراضه، لكنه بقوة عزمه واعتقاده وإرادته نجح في تحقيق ما كان يبدو مستحيلا !!

هل تعتقد أن نجاحه كان سهلا ؟؟ هل تعتقد أنه لم يتعرض لضغوط ولانهيار عصبي؟؟ لقد أصيب والت ديزني بانهيار عصبي مرتين وسخر منه الناس، لكنه لم يفكر أبدا في الانتحار لأن إيمانه بقدراته كان أقوى وقد قال هو نفسه : "ما تستطيع أن تحلم به تستطيع تحقيقه".

آن لك أن تحارب اليأس والأفكار السوداوية السلبية التي تقضي على حياتك، سعادتك قرارك ونجاحك قرارك، فتأهب للقرار وتأهب للسعادة..

إن الإصرار والمواظبة على تحقيق أهدافك هو سر النجاح، ألا ترى أن الله يحب الملحين حتى في الدعاء، وفي الحديث لا يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت ودعوت ودعوت فلم يستجب لي ؟ إن في الإلحاح سرّ عظيم..لا يوجد حياة دون ألم وتحديات، قابل هذه التحديات بقوة وعزم وصبر و"اعقلها وتوكّل"..

لقد درس العلماء تاريخ معظم الأشخاص الذين حققوا نجاحا كبيرا في الحياة، فوجدوا أن العامل المشترك بينهم هو أن نظرتهم تجاه الأشياء كانت ممتازة، ولم يركزوا على الفشل، بل كان تركيزهم على النجاح، هذه هي الوصفة السحرية وراء نجاح العظماء، وعلى سبيل المثال فقد سئل بطل الملاكمة "محمد علي كلاي" مرة في حديث تلفزيوني عن الشيء الذي يمكنه أن يصنع بطلا عظيما، فقال : "لكي تكون بطلا يجب أولا أن تؤمن وتعتقد أنك الأحسن وإذا لم تكن الأحسن، تظاهر وتصرّف كأنك الأحسن"، فقد أراد محمد علي أن يشير إلى أن اعتقادك القوي وإيمانك بقدراتك هو سر نجاحك..

فلماذا اليأس يا صديقي وعلام الهم؟؟.. أنت تدعي الضعف فإن كنت ضعيفا حقا فتعلّم كيف تقوى، إن كنت مضطربا فتعلم كيف تثبت وإن كنت يائسا فتعلم كيف تحيي الأمل، وإن كنت حزينا فتعلم كيف تسعد وتيقن أن السعادة موجودة لكنك تأبى أن تراها، وإن كنت ترى أنك عاجز فتعلم كيف تثق بنفسك، فإن كنت نتيجة كل ذلك ترى نفسك منهزما فقد آن لك أن تنتصر..

إلى متى ستظل تشكو قلة حيلتك وظلم المجتمع لك؟؟، أما آن لك أن تغير تاريخك بيدك وتصنع مستقبلا أفضل؟؟ لابد لك من ثورة على أفكارك، يقول غاندي : "يجب أن تكون أنت التغيير الذي تحب أن تراه" لذلك فلا داعي للتفكير في تغيير الآخرين قبل التفكير في تغيير نفسك..

يقول ابراهام لينكولن : "يكون المرء سعيدا بمقدار الدرجة التي يقرر أن يكون عليها سعيدا"، فالحياة أقصر بكثير من أن نضيعها في الهم والتعاسة..

يمكنك القيام بتغييرات مذهلة في حياتك بشرط أن تغير اعتقادك السلبي الذي يعيقك ويحد من تصرفاتك إلى اعتقاد إيجابي، وصدق إيليا أبو ماضي إذ قال :

أيها الشاكي وما بك داء        كن جميلا ترى الوجود جميلا...

يقول جوته : "المعرفة وحدها لا تكفي، لابد أن يصاحبها التطبيق والاستعداد وحده لا يكفي فلابد من العمل"، وهناك حكمة يابانية تقول : "إذا وقعت سبع مرات فقف ثمانية"، وقد أجرى أحد الصحفيين مقابلة مع رجل أعمال ناجح وسأله عن سر نجاحه فأجاب : قرارات سليمة، فسأله الصحفي مرة ثانية : وكيف يمكننا أن نأخذ قرارات سليمة؟، فرد عليه : بالخبرة، فعاد ليسأله مرة ثانية : وكيف يمكننا أن نكتسب الخبرة؟، فقال عكس ما قال في الأولى أي باتخاذ قرارات سيئة.

وهناك حكمة صينية تقول : "القرار السليم يأتي بعد الخبرة التي تأتي من القرار السيئ"، فليس مُهمّا كم مرة سقطت وكم مرة فشلت، ولكن المهم هل استفدت من فشلك الماضي؟؟.لابد من مواصلة العمل مهما كان حجم الفشل، يقول إديسون : "إن الإلهام يمثل 1 % فقط من النبوغ أما 99 % الباقية فهي كد وعرق". وذات مرة علق مايكل أنجلو أحد أشهر الرّسّامين والنحاتين في العالم قائلا : " لو عرف الناس كم بذلته من جهد وعمل لكي أصبح بارعا وأتمكن من فني هذا لما بدا لهم الأمر رائعا على الإطلاق"

وقد علق أندرو ماثيوز -وهو مفكر وأحد أشهر رسامي الكاريكاتور في العالم- على أهمية العمل فقال : "إن السفن تحتفظ بصلابتها لمدة أطول عندما تتجه بها نحو البحار وليس عندما تتركها مهملة في الميناء، ونفس الشيء ينطبق على الطائرات، فإنك لا تحافظ على الطائرة عندما تتركها على الأرض بلا طيران، بل بإبقائها في الخدمة : يجب أن نظل نحن أيضا في الخدمة"

خلقنا الله تعالى لكي نكون في حركة وسعي، لقد خلقنا جميعا ومنحنا مواهب فطرية تمكننا من تحقيق أحلامنا...ألا ترى أن العضلات تزداد قوة بالاستخدام؟؟، فلماذا لا تريد المزيد من البحث، المزيد من العمل، المزيد من الكد والتعب لتنال المراد، سيصيبك الإحباط مرة واثنين وثلاثة لكن لا تتركه يتغلب عليك، لماذا تترك شيئا بسيطا يهزمك؟؟ لماذا تستصغر نفسك وتترك وهما اسمه الانتحار يصيرك رمادا تذروه الرياح ؟؟

حتى وإن أحبطك الناس وقللوا من شأن ما تقوم به فأعط اهتماما أقل لازدرائهم وسخريتهم واستصغارهم لعملك، واعط ثقة أكبر واهتماما أكثر بما تقوم به، وتذكر أن مُدرس توماس إديسون كان يقول عنه إنه تلميذ غبي ولن يتعلم شيئا أبدا، وألبرت أنشتاين لم يبدأ في الكلام حتى 4 سنوات، وقال عنه مدرسوه أن تقدمه بطيء وأنه غير اجتماعي وعنده أحلام ساذجة..

إن بعض الناس متشائمين ولأنهم يتشاءمون غالبا فلن يتوقعوا النجاح لأنفسهم ولا لغيرهم، يقول ستيف شاندلر : المتشائم لن يخبرك أبدا بأنه متشائم بل يقول لك إنه واقعي لأنه دائما ما يستخدم خياله في تصور أسوأ السيناريوهات وهو ما يقوده دائما إلى التفكير السلبي، أما المتفائل فقد اختار أن يستخدم الخيال البشري استخداما آخر"، والآن فقط فهمت سر قول انشتاين "الخيال أهم من المعرفة"

وقد أثبتت الدراسات العلمية أن المتفائل يتفوق على المتشائم في مجالات الحياة..

كن متفائلا وستجني فوائد مذهلة من تفكيرك الايجابي..وتذكر أن كل الناجحين واجهوا عراقيل وعقبات كثيرة وشعروا بالإحباط والانهيار العصبي تماما مثلما شعرت به أو أشد، لكنهم لم يستسلموا لأن تجربة واحدة أو اثنين أو ثلاثة في الحياة لا تكفي..يقول روبرت شولدر : "توقع العقبات لكن لا تسمح لها بمنعك من التقدم"، مفتاح نجاحك باختصار لا تستسلم...

لا ترهق نفسك بالتفكير في الأمور المزعجة وركز على الجوانب الإيجابية فيك، في يدك ليمونة ترى أنها حامضة وهي فعلا حامضة، لكنك تستطيع أن تصنع منها شرابا حلوا..كل ما عليك فعله أن تعتبر المحن والشدائد التي تمر بها عبارة عن دروس تتعلمها من مدرسة الحياة ولا تنس أنها تخلق أشخاصا، وتذكر أنك تتعلم أشياء جديدة من التجارب القاسية التي تمر بها.

قال أحد المعلمين : "إذا أردت أن تكون طبيبا، فقم بدراسة الطب وإذا أردت أن تكون مهندسا، فقم بدراسة الهندسة وإذا أردت أن تكون ناجحا، فقم بدراسة النجاح".  إن الناجحين في حياتهم أيا كان عملهم في النجارة أو التجارة أو أي مهنة نبيلة سيقولوا لك بصوت رجل واحد : "درب مخك على المشكلات".

خلقنا الله في هذه الحياة لنكافح ونحل مشاكلنا، فلا تقل ظروفي لا تسمح لي بكذا، بل قل أنا لن أسمح للظروف أن تجعل مني إنسان بائس، حزين، متشائم، وذلك المفتاح الأول لمشكلتك..

يقول ستيف شاندلر : "المشاكل ليست شيئا مخيفا ولا هي لعنات، فما هي إلا مباريات صعبة لرياضة العقل والرياضي الحقيقي يتوق إلى استمرار المباراة".

لا تنتظر أن يثور العالم كي تثور بل ابدأ بثورتك الذهنية من اللحظة وتمرّد على يأسك لأنك إذا قررت أن تكون سعيدا فستكون.، راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال فإذا أردت أن يتغير حالك فابدأ بتغيير أفكارك..

يقول العالم الألماني جوته : "إن أشر الأضرار التي يمكن أن تصيب الإنسان هو ظنه السيئ بنفسه"، فلا تجعل الفشل والأخطاء تحطمك لأنك من أخطائك تتعلم، بارتكابك للخطأ الأول تتفاداه في تجارب أخرى وهكذا..

"الفائزين في الحياة يرتكبون أخطاء أكثر من الخاسرين، لهذا السبب يفوزون في النهاية لأنهم يتعلمون من خسارتهم أكثر مما يتعلمونه من انتصاراتهم"

إن الحياة تتغير عندما نتغير نحن وتذكر "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، تذكر أنه يجب عليك أن تكافح من أجل الدنيا ومن أجل الآخرة كذلك فالجنة لابد لها من عمل صلاة فصيام فإحسان وحسن استقامة..الخ

لو أمعنت النظر في الحياة ستجد أن لا شيء مستحيل ما دمت تفكر، فعقليتك وتصوراتك وتوقعاتك السلبية هي أكبر مشكلة تواجهك وأكبر عقبة عليك إزالتها، لديك ثروة لا تستهن بها أطلق لها العنان أسرع و"اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبلفقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك "

انتصر على الأوهام التي تخالجك فقد جعلك الله أكبر مبدع وأكبر فنان وأكبر خلق من خلقه  وإنك بروحك ترقى وبتغيير تفكيرك السلبي تصل إلى مبتغاك..

وإذا انغلقت كل الأبواب في وجهك فتذكر أن لك ربا عادلا لا يظلمك وهو يخاطبك بحرف التوكيد "إن" ليؤكد لك بأنه بك رحيم :  "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" لقد استخدم تعالى أسلوب التثبيت ليثبتك على اليقين برحمته وكلامه سبحانه كله قوة، فلماذا لا تدرك من أين تستمد القوة؟؟

وتذكر أن أحب الخلق إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم ابتلي بأعظم ما يبتلى به إنسان فقد فلق الحزن قلبه بموت بناته في حياته الواحدة تلو الأخرى ..وعانى من الفقر الذي تشكو منه وشتم وضرب وأهين وطلقت ابنتاه وتعرض لمحن شديدة.. لا تقل انه استثناء لأنه بشر يحس مثلما نحس ويشعر مثلما نشعر ويتألم مثلما نتألم وكل مؤمن مصاب..

علام اليأس يا صديقي وعلام الهم؟؟؟ لا تقل يا رب عندي هم كبير ولكن قل يا هم عندي رب كبير، غير نظرتك للحياة وستتغير أحوالك..

كم من الناس الذين حولوا نقاط ضعفهم إلى قوة، فكم من بترت يداه فرسم برجليه وكم من بترت رجلاه فمشى بيديه، لماذا ؟؟ إنه التحدي والإصرار، والموهبة وحدها لا تكفي وأنت تملك أطرافك كلها لكنك لا تملك روح التحدي !؟

يمكنك أن تنجح وتبدع وتبعث الحياة حتى في عرائس القاراقوز، فلماذا تختار الموت ولست دمية؟؟

لن أضع في خاتمة مقالتي نقطة، بل سأضع فواصل لأن الحياة لابد لها أن تستمر ولابد لك أن تواصل،،،،