ملاحظات على بيان "كبار علماء سوريا"

ملاحظات على بيان

"كبار علماء سوريا"!

محمد العلي – دمشق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

وجه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة للأسد ، تحت عنوان : " الحلول الجزئية لم تعد ترضي ولن تنهي المظاهرات " ، وندد بالعنف ضد المتظاهرين ، وأعرب عن " فزعه من قتل وتعذيب وإهانة الإنسان في سوريا " وجدَّد الإعلان عن " وقوفه الكامل مع مطالب الشعب السوري " ، ورأى الاتحاد في البيان الذي ذُُيِّلَ بتوقيع الشيخ القرضاوي ، إلى جانب أمين عام الاتحاد ، الشيخ علي القره داغي ، أن خطاب الأسد الثاني " لم يكن في مستوى تطلعات الشعب السوري " ، وحضُّوه على " الإسراع بالبدء فوراً بتغيير الدستور، وإطلاق الحريات " والقيام بالإصلاحات الجذرية لا الشكلية ، وأضاف البيان أنه : "على القيادة السورية أن تعلم أن عصر الحزب الواحد، والزعيم الأوحد، قد انتهى وتجاوزه الزمن، وأن الشباب اليوم يريدون الحرية الكاملة، والكرامة الشاملة " ، وندد البيان بـ "حجم الاعتداءات على المتظاهرين من قتل وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان " ، وناشد " الجيش السوري البطل " حماية المحتجين .

ومن جهة أخرى ، أكَّد الاتحاد على الطابع الشعبيِّ والسلميّ للتظاهرات والتجمعات ، وعلى مشروعية الحقوق المدنية للشعب السوري التي تكفلها له جميع المواثيق والمعاهدات الدولية ، داعيًا في الوقت ذاته المتظاهرين إلى الحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة وعدم الاعتداء عليها .

كما قدَّم الاتحاد التعازي إلى الشعب السوري وذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين في جميع مدن ومحافظات وقرى سوريا ، داعياً علماءَ المسلمين في سوريا خاصة وعلماء وشعوب الدول الإسلامية والعربية عمومًا للوقوف مع الحق وعدم الانجرار وراء الدفاع عن الظلم مهما كان الثمن ؛ لأنهم ورثة الأنبياء ، وقد فرض الله عليهم أن يُبَيّنوا الحق ولا يكتموه ، قال تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39] .

وجاء الرد من " كبار علماء سوريا !" سريعاً !.

رد " كبار علماء سوريا " على بيان اتحاد علماء المسلمين

أصدر تجمعٌ أطلق على نفسه : " كبار علماء سوريا " بياناً ، اعتبروا فيه أن بيان الاتحاد العالمي : " تدخل بالشؤون الداخلية " وتساءلوا عن " الجهة التي خوَّلتهم التدخل في قضايا الشعوب وشؤون الدول الداخلية تحت شعار حقوق الإنسان والحريات والإصلاح " ، وشكَّكوا في منطلقاته وخلفياته ، زاعمين أنه صدر عن : " خلفيات حزبية مرتبطة بمخططات واضحة المعالم والأبعاد والأهداف والذي يستهدف النيل من أمن واستقرار سوريا " ، وأنه يهدف لإثارة الفتنة والنعرات الطائفية .

واتهم البيان السوري الجهات التي أصدرت موقف اتحاد علماء المسلمين بأنها " مرتبطة بمخطط خارجي يستهدف زعزعة أمن واستقرار سوريا " ، كما أعادوا الأحداث التي تشهدها البلاد إلى " مؤامرات خارجية " ، سببها : " المواقف الثابتة لسوريا في وجه المؤامرات التي تحيكها الولايات المتحدة وإسرائيل " .

ملاحظات على بيان " كبار علماء سوريا " !.

ولي على بيان " كبار علماء سوريا " أو ردهم ، ملاحظات ، هي :

أولاً - خلا بيان " كبار علماء سوريا ( الحسون ) " من تعزية أهالي ضحايا هذه الانتفاضة المباركة وشهدائها البررة ، بينما عزَّى اتحاد علماء المسلمين ( القرضاوي ) ، الشعب السوري وذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين في جميع مدن ومحافظات وقرى سوريا .

ثانياً - خلا من التنويه ببطولة السوريين الذي خرجوا من بيوتهم ، منادين بالحرية والعدالة والكرامة وحقوق الإنسان وبناء سورية الجديدة .

ثالثاً - لم يستنكر " كبار علماء سوريا ( الحسون ) " أو يندد بعصابات أمن النظام والشبيحة الذين سفكوا الدماء الزكية ، بينما ندد بيان القرضاوي بـ " الاعتداءات على المتظاهرين من قتل وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان " .

رابعاً - كان من واجب " كبار علماء سوريا " الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مطالبه المشروعة واسترداد حقوقه السليبة وكرامته التي تداس يومياً كما وقع في بلدة " البيضا " قرب بانياس ، والعلماء أولى الناس بنصرة المظلومين والمستضعفين ، الذين يطالبون بالكرامة والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص والتعددية ، أليست مطالبهم متواضعة وممكنة ، وهي حق لهم!؟ .

خامساً - ومن واجب " كبار علماء سوريا " أيضاً بيان الحق وعدم كتمان الشهادة ، وهم يعلمون علم اليقين أن هؤلاء المتظاهرين الشرفاء الذين يعرِّضون حياتهم للخطر، من أجل مصلحة بلادهم بعيدون كل البعد عن كل شكل من أشكال التخريب والطائفية والحزبية وشعاراتهم وأهازيجهم وهتافاتهم تؤكد على رقيهم ووطنيتهم ، أما العنف والإرهاب والإرعاب والقتل والخطف ومنع إسعاف الجرحى وإهانة الإنسان ، كل ذلك يجري بفعل النظام مباشرة أو تحت رعايته وتوجيهه أو بالتغافل والتغاضي عنه ، فكان من الواجب الجهر بذلك ، دون أن يخافوا في الحق لومة لائم ، ومناصحة الرئيس !.

سادساً - أليس من واجب " كبار علماء سوريا "  دعوة رجال الشرطة والأمن والجيش إلى القيام بواجبهم في حماية المتظاهرين ومعاملتهم بطريقة لائقة ، مادام التظاهر حقاً من حقوق المواطن بإقرار الجميع ، وأخطر منه أن يبينوا لهم حرمة الدماء وأنه لا يخلصهم من المسؤولية طاعتهم لكبرائهم ورؤسائهم .

سابعاً -  اتهم بيان كبار العلماء الشعب السوري بالتآمر والخيانة ، وأعادوا الأحداث التي تشهدها البلاد إلى " مؤامرات خارجية " ، مستخدمين اللغة نفسها والتعبيرات التي يرددها النظام بالحرف ، دون زيادة ولا نقصان ، وكان أولى بهم أن يرتقوا في الخطاب وألا يسقطوا من حيث سقط النظام ، وإن الإصرار على تفسير الثورة السورية بنظرية المؤامرة ينطوي على اتهام ضمني للناس بأنهم بله سُذَّج تحركهم الأيادي الخفية أو الصهيونية والأمريكية ، وفي هذا إهانة لشعب عريق ذكي متحضر . وإذا افترضنا أن هناك مؤامرة خارجية ، فالمؤامرات الخارجية لا تقاوَم بسلب الناس حقوقهم وخنق حرياتهم وكتم أنفاسهم وإهانتهم . وليعلموا أن لدى كل السوريين بكل طوائفهم وأعراقهم وانتماءاتهم اتفاق تام على رفض كل أشكال التدخل الخارجي في شؤونهم وعلى أي مستوى ، ولأي هدف ، ومن أي جهة !.

ثامناً - كنا ننتظر من كبار العلماء أن يقوموا في هذه الأيام المباركات مقاماً محموداً مشهوداً ، فيصدعوا بالحق ، و يحرضوا كل أبناء الشعب السوري على المشاركة في هذه الثورة المباركة ، لا أن يخذلوها ويتقاعسوا عن نصرتها بزعم أنها فتنة ، ألا في الفتنة سقطوا !. وهل هناك فتنة أشد وأكبر من استمرار هذا النظام الذي يقتل شعبه ، ويسومهم سوء العذاب ؟!. لقد وصلت الثورة الآن إلى نقطة ( اللاعودة ) ، بعد أن ارتفع أكثر من ستمئة شهيد ، في جميع المحافظات السورية ، والموقف الآن كما قال الاستاذ هيثم المالح : " إما أن يسقط النظام ، أو أن يسقط الشعب !." والشعب لا يسقط ، خاصة في عصر الشعوب !. نحن في عصر الشعوب لا عصر الحكام !.

تاسعاً - هل نسيتم الخطة المرسومة في وزارة التربية ، والتي تهدف إلى تجفيف المنابع وهدم الأصول ، وتمييع الأخلاق والقيم ، و زج أولادنا في بؤر الفساد الأخلاقي والجنوح إلى الموبقات والمخدرات ؟. هل نسيتم ما قامت به  وزارة التربية من رسم خطة تآمرية مقصودة للإطاحة بدين هذه الأمة وثقافتها الإسلامية وتراثها الشرعي ( وأنا هنا أستعير كلماتكم نفسها التي خاطبتم بها الرئيس ، أخذتها من بيان العلماء بخصوص حملة تستهدف التعليم الشرعي ) !؟ ألم تحارب الوزارة المنكورة المنقبات العفيفات ، وقامت بنقلهن نقلاً تعسفياً من وزارة التربية إلى وزارات الخدمات الأخرى ؟. أنسيتم ؟!.

وفي الختام - إخواني كبار العلماء :

إن التاريخ لا يرحم ، وذاكرته لا تنسى ، ولا تمحى ، وسيكتب في صفحاته هذه الأحداث والوقائع والمواقف والرجال وأشباه الرجال والصادقين والكاذبين ، كل ذلك سيكتبه ، واعتبروا بثورة مصر ، وكيف ركب كثيرٌ من العلماء والمشايخ موجتها بعد أن انتصرت لكن الناس مقتوهم والثورة لفظتهم ونبذتهم نبذ النواة ، فاعتبروا يا أولي الألباب !؟.

يا علماءنا ومشايخنا ! فكروا وقدروا ودبروا ، كيف تُخرجون سورية من وضعها الراهن ، وبادروا بالحل الذي يحفظ للأمة كرامتها وحريتها ودينها ، قبل فوات الأوان !.

لن تنسى الأمة ولا التاريخ ، مواقفكم وكلماتكم وبياناتكم وخطبكم ، ونحن فانون ميتون ، وإننا لموقوفون بين يدي الحق سبحانه ، وإننا لمدينون !.

والله ولي التوفيق

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته