فرق الموت السورية

زهير سالم*

[email protected]

ما أن أطلت التظاهرات الوطنية السلمية المطالبة بالحرية والعدل في سورية حتى سارع المسئولون السوريون إلى فبركة نظرية دفاعية تضمن لهم حماية مكتسباتهم من السلطة والثروة. ولقد قامت هذه النظرية على اعتماد الصدمة المرتدة بأسلوب السحق والقمع، الذي يقطع الطريق على كل من يفكر في الاسترسال في عمليات التظاهر السلمي، التي يُنظر إليها في سورية على أنها عملية تمرد. قامت هذه النظرية على التصدي بردة الفعل العنيفة القاصمة التي تضرب الشجعان ضربة تنخلع لها قلوب الشجعان!! ورجع المقررون على أنفسهم: ولكن كيف سنتعامل مع الرأي العام الوطني والعربي والدولي؟ بل كيف سنعطي الأوامر لوحدات الجيش السوري بفتح النار على المتظاهرين ؟ وكيف يمكن أن يتدبروا الأمر على المستويين الحقوقي والأمني؟! تذكر المخططون والمقررون أيام ( سرايا الدفاع عن الوطن وحماية الثورة ) (تذكروا الوحدات الخاصة ). شعروا أن الحرس الجمهوري لن يسعفهم في السياق الذي يريدون. أقلقتهم حالة الجندي خالد المصري من تلكلخ الذي رفض أن يفتح النار على مواطنيه. فاتفقوا على اختراع مصطلح المدسوسين الذين يمكن أن يحملوهم ما شاءوا من أوزار. ثم جملوا النظرية بأن أصدروا الأوامر المائعة بمنع إطلاق النار على المتظاهرين. وكان تمام الخطة أن يبادر كل مسئول ( مسئول حقيقي ) إلى تشكيل فرقة للموت تأتمر بأمره مباشرة في تنفيذ العمليات القذرة في قتل المدنيين. وتفعل في درعا وفي دوما وفي اللاذقية ما فعلته سرايا رفعت الأسد ووحدات علي حيدر وشفيق فياض من قبل في حماة وأخواتها. وبهذه الفرق ستحقق السلطة أهدافها من سحق الحراك الوطني المطالب بالإصلاح والتغيير، وفي التخلص كما تظن من تبعات الجريمة.

وهكذا راحت الساحات السورية في درعا ودوما وحمص واللاذقية حيث بدا أن الحراك الوطني بدأ يتصلب تشهد عمليات قنص من محترفين يحتلون مواقعهم جهارا نهارا، بحيث يستطيع أن يلتقطهم مصور التلفزيون المحلي أو يُطلب إليه أن يفعل ذلك لتكون صورهم الملتقطة نوعا من الدفع الحقوقي عن النفس بإلقاء عبء التهمة على مجهولين!!

وهكذا أوجدت النظرية الأمنية المفبركة هذه الفرق (الأداة والذريعة) في الوقت نفسه. ففرق القتل هذه هي الأداة المباشرة لقتل المتظاهرين وقمعهم وإخضاع أبناء المجتمع السوري، نصف قرن آخر يحني الناس رؤوسهم وهم يرددون بالروح بالدم نفديكم. وفرق الموت هذه ستكون في الوقت نفسه المشجب الذي تعلق عليه عباءة الإثم الحمراء. وفرق القتل هذه ستشكل في الوقت نفسه البعد الثالث الذي سيضطر النظام لملاحقته وتصفيته إلى استعمال المزيد والمزيد من التضييق والقسوة. سيقول النظام نحن نقر بحق المواطن في التظاهر والتعبير ولكن أمن المواطن أولى. ولولا هؤلاء المندسين لكان لنا مع الحريات شأن آخر..

ينسى مهندسو الكذبة هذه أو قادة فرق الموت هؤلاء الذين تكاد الأحداث تؤشر على أسمائهم وأسماء أتباعهم ووحداتهم بدأ من الوحدات المشتقة من الحرس الجمهوري أن الحفاظ على أمن الوطن والمواطن من المخلوقات الأرضية والمخلوقات ( الفضائية الخرافية ) هو واجب السلطة الأول. وأن على السلطة أن تحفظ أمن المواطن من هؤلاء وأولئك في إطار توفير حقوقه الشخصية والعامة. وإن نظرية سلب الحقوق مقابل توفير الحماية هي نظرية القبضايات وأصحاب الخوات. ولا يمكن أن تكون أسلوبا من أساليب الدولة الحديثة.

إن الحديث عن نظرية ( المؤامرة والمندسين ) يتطلب الإجابة على ثلاثة أسئلة: الأول ما يلحظه المتابع للمشهد السوري في فعل هؤلاء القتلة من انضباط واحتراف: أين يقتلون ؟ ومتى يقتلون؟ وكيف يقتلون؟ وأحيانا من يقتلون؟ وكيف تدبر له ظروف القتل والترويع كأن تقوم شركة الكهرباء بتعميم الظلام. أو يغلق مدير مستشفى أبواب ( مستشفاه !!).

لا بد للمتابع أن يتساءل أين ومتى تدربت هذه القوى؟ ومن أين جاءت هذه القوى؟ لعله مما يثير الاستغراب أن تصبح جريدة السياسة الكويتية أو البرافدا الروسية مصدرا للكشف عن مصدر المندسين ومصدر الأسلحة المهربة من تركية!! أو من غير تركية من دول الجوار غير البريء.!! الغريب أن تذكر تركية ولا يذكر العراق المحتل في هذا السياق المريب!!

والسؤال الثاني لماذا لم تظهر هذه القوى إلا بعيد الحراك الوطني أو مقترنة به؟ لماذا لم تحاول هذه القوى أن تتحرك قبل هذا الحراك الوطني الحر الشريف. ألم يكن بإمكان هذه القوى أن تقنص المرتبات الأمنية مباشرة دون استهداف المتظاهرين الذين يساعدون بحراكهم المندسين ظاهرا على إحداث القلاقل المنشود..؟

والسؤال الثالث لماذا لم يتحرك هؤلاء المندسون يوم كان الذين قيل عنهم إنهم مؤيدون للنظام – ونحن نعلم أنهم ليسوا كذلك – يملئون الشارع؟ لماذا لم تطلق طلقة واحدة ضد هؤلاء؟ أليس هؤلاء المندسون هم من أهل النظام، ومن عظام الرقبة من أعلى المستويات.

حين تعجز السلطة عن تأمين الحماية وتوفير الحقوق في وقت واحد فإن عليها بدون شك أن تنزاح عن طريق المواطنين..

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية