يا سوريا الجريحة

د . عوض بن محمد القرني

داعية ومفكر إسلامي

و للحرية الحمراء باب ٌ **   بكل يد ٍ مضرجة ٍ يدق ّ

إن بلاد الشام وفي القلب منها سوريا كانت وما زالت عنوان العروبة وقلعة الإسلام وميدان الأصالة وبوابة المجد وعمق التاريخ  ، على ثراها حسمت مواجهات أمتنا الكبرى وفي مهدها سجلت انتصاراتنا .

إلى أن جاء الاستعمار البغيض في العصر الحديث فقسم بلاد الشام وفق اتفاقية ( سايكس بيكو) إلى كانتونات : (سوريا ـ لبنان ـ فلسطين ـ الأردن ) كل منها يعيش محنته ويعاني مصيبته ، وكان مما ابتليت به سوريا منذ خمسين عام أن تسلط عليها حزب ٌ علماني مشبوه اختطفته طائفة باطنية غامضة استغلتها أسرة مستبدة واحدة حولت سوريا إلى إقطاعية لتلك الأسرة تعبث بها فسادا وتعيث فيها إفسادا ، وحولت الشعب السوري العظيم إلى التشرد والمنافي أو السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية .

وحين هبت رياح الحرية في المنطقة وترددت أشواقها في حنايا أطفال سوريا وجرت أحلامها في شرايين رجالها ونسائها بعد عقود من الكبت والاستبداد و إذا بالنظام الحزبي الطائفي الأسري يقابل هذه التطلعات السلمية المشروعة بالرصاص والقتل وسفك الدماء في المساجد والشوارع والأحياء والأسواق و تنبري أبواق النفاق وجوقات الزور والبهتان لإخفاء الحقائق وتدليس الوقائع كل ٌ من موقعه وحسب تخصصه  أعلنوا فيما زوروا  ودلسوا أن الرئيس الشاب (الابن الوريث) ؛ سيلقي خطابا ً هاما ً يضع النقاط على الحروف ويحمل البشائر والإصلاحات ويعتذر للشعب عما وقع من غير رضا ً منه ، وانتظر الناس وترقب الإعلام وكثرت التحليلات وتعلق الشعب المسحوق المظلوم بأمل  ٍ حالم ٍ وخيال ٍ واهم ٍ ؛ وجاءت ساعة الحقيقة ودخل (الابن الوريث) قاعة المصفقين من الحاشية الذين لا يجرؤون على التصفيق وهم جالسون وصعق الناس في العالم كله مما سمعوا ، فماذا سمعوا ؟

إنها الأكاذيب نفسها التي رُددت في تونس ومصر وما زالت تردد في ليبيا ؛ إنها التخلص من أي مسؤولية والتبرؤ من أي تهمة ٍ حيال ما يجري ورمي ذلك كله على المؤامرات الخارجية والعملاء في الداخل و التنصل مما وعد به المريدون قبل ذلك من إصلاحات هامشية شكلية والزعم أن الإصلاح قائم ٌ منذ سنوات ، والتهديد والوعيد حتى لمن وقف على الحياد وأغلق عليه بابه وحتى لمن شارك سلميا ً بحسن نية ٍ ، فهم والعملاء ودعاة الفتنة ـ حسب مصطلح الخطاب ـ سواء (( أتواصوا به بل هم قوم ٌ طاغون )) .

إن موقع سوريا الخطير على تخوم الكيان الصهيوني الغاصب وتاريخها المجيد العريق في مسيرة أمتنا قبل هذا النظام والأثر العميق لما يجري فيها على منطقتنا يجعلنا نستصرخ كل ذرة عقل ـ إن وجدت ـ في قمة هرم السلطة في سوريا ، وننادي كل أصيل ٍ أو حر يستطيع أن يؤثر على القرار ؛ أن يقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر أعمته حجب السلطة وأسكرته سنين الاستبداد .

إننا باسم كل حريص على مستقبل سوريا و المنطقة كلها نرجو ونتمنى من النظام السوري أن يعي خطورة الأمر ويستجيب لتطلعات الشعب ويحدث إصلاحا حقيقيا ً جذريا ً فوريا ً قبل أن يعم الطوفان فإن شعب سوريا لم يعد لديه ما يخسره ومطالبه المشروعة تتمثل في الحرية والعدالة ومنع الفساد والظلم والاستبداد وتخفيف القبضة الحديدية البوليسية الدموية عن الناس .

إن مالك الملك سبحانه يمهل ولا يهمل وإن ساعة الحساب قد حانت ، ودعوات المظلومين بإذن الله قد استجيبت وقهر الشعب قد ولى ، قال تعالى :(و لا تحسبن الله غافلا ً عما يعمل الظالمون).