ونعم يا سيادة الرئيس 2

ونعم يا سيادة الرئيس ..

من وأد مسيرة هذا الوطن..؟!

(2 من 2)

زهير سالم*

[email protected]

لا بد من العود على البدء في الفتح والإغلاق الذي طرقنا في مقال الأمس بابه أو لمسناه لمسا خفيفا، ولكن لا بد للعبرة فيما قيل أن تبلغ مداها، لقد شكا الرئيس بشار الأسد من انغلاق في العقول على الصعيد المجتمعي السوري. واعتبر انغلاق العقول في المجتمع السوري، ووسط جيل الشباب على الخصوص، العقبةََ الحقيقية التي تواجه مشروعه للإصلاح. وأن العمل على (فتح العقول) شرط سابق ومتقدم على هذا المشروع، وقدّر سيادة الرئيس لمشروع الإصلاح في سورية حتى تتحقق مقدماته جيلا آخر من الناس غير الجيل الذي يعايشه ويرعاه. كما عبر الرئيس عن اعتقاده أن العقل المجتمعي العام في سورية سار وما زال يسير منذ العقود الثلاثة الأخيرة نحو المزيد والمزيد من التطرف والانغلاق!!.

أما الحديث عن انغلاقٍ وتطرفٍ يضربان العقل المجتمعي السوري، وعقول الشباب منذ 1980 على وجه الخصوص؛ فلا أرى نفسي المرشح للحوار حوله ، وإنما تناط مناقشة هذه القضية بجيل الشباب السوريين أنفسهم. جماهير الشباب السوري الذين نُسب الانغلاق والتطرف إليهم، والذين قيل فيهم إنهم يزدادون انغلاقا وتطرفا يوما بعد يوما ، وأن إخراجهم من هذا الكهف يحتاج إلى عمر جيل إضافي، أي ما يقدر بقرابة الأربعين عاما؛ يُناط بالشباب السوري أنفسهم التعامل مع هذا التوصيف إقرارا أو رفضا أو نقاشا وحوارا، بعد مراجعته في سياقه في كلام السيد الرئيس. أذكر أنه بالأمس فقط  كان عمر سليمان يقول عن الشعب المصري إنه غير مؤهل للديمقراطية. واليوم تأهل الشباب المصري بصدوره العارية، وسواعده الفتية لما يريد. الديمقراطية تؤخذ ولا تعطى.. والكرة عند كل صباح تعود إلى الشعب، وإلى أصحاب العقول المتفتحة مثل أزهار الربيع من بنيه..

ولكني سأضع علامة استفهام على معنى أن تزداد الحياة العقلية في سورية انغلاقا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مضى اثنان منها في رعاية والد السيد الرئيس، وكان الثالث في ظله!! وأذكر أيضا أن العقود الثلاثة مرت في ظل النصر الذي حققه حزب البعث على قوى الثورة المضادة، وانفراد الحزب بقيادة الدولة والمجتمع على المستويات السياسية والفكرية والثقافية والعلمية أيضا!! فأين كان الخلل إذن؟! ومن هو المسئول؟! وأرجو ألا أحال كما هي العادة على الاستعمار والصهيونية..

لقد تسببت سياسات الأرض المحروقة التي انتهجها الاستبداد على الصعد السياسية والثقافية والفكرية والعلمية بفقر حقيقي على الساحة السورية. أفتقد من سورية النصف الأول من القرن العشرين، يوم كانت سورية قرابة الأربعة الملايين، قاماتِ نخبة من السياسيين والمفكرين والعلماء والمثقفين .. أفتقدهم وأفتقد مدارسهم السياسية والفكرية والعلمية، وأفتقد تلاميذهم في القرن الحادي والعشرين، نعم أفتقدهم، ومع وجود العديد من الجامعات والعشرات من المعاهد والكليات، أتساءل  اليوم أمام جيل الشباب الذين اتُهموا بانغلاق العقول :

أين كنا ؟!

أين أصبحنا ؟!

وكيف.. ؟!

أرجو ألا يقال لي في فقرتي القادمة، أطلت وأمللت، سأعصف الذهن بجردة من أسماء رجال اتفقوا واختلفوا ولكنهم أسسوا سورية الحديثة على العقول والقلوب والسواعد. أسسوا سورية التي ما يزال لكل واحد منا الحق في الفخر بها..

هذه جردة ذهنية لرجال جيل أذكر بعضا وأنسى بعضا، أذكّر بهم لأنفي عن أبناء وطني القصور والانغلاق، ولأدفع جيل الشباب ليتعرفوا على الحقيقة ( أين كنا ؟ أين أصبحنا ؟ وكيف ؟ ). لقد كان في سورية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين جيل من الرجال الرجال ، قادة ميدان، و رواد رأي وفكر، ورجال سياسة ومراس، وحملة قلم وعشاق قافية سمراء...

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

من حق الشاب السوري أن يقولها، وأن يرفع بها رأسه، ويفتح بها فاه.  وهذه كوكبة ولن يقلل من قيمة من أنسى النسيان..

عبد الرحمن الكواكبي ( صاحب طبائع الاستبداد ). _ ويوسف العظمة وزير الدفاع الذي استشهد في ميدان الدفاع – سلطان باشا الأطرش – إبراهيم هنانو-  صالح العلي – أحمد مريود – حسن الخراط- رشيد رضا – شكيب أرسلان - كامل القصاب – عبد الرحمن الشهبندر – فارس الخوري- شكري القوتلي- صبري العسلي – سعد الله الجابري – هاشم الأتاسي – رشدي الكخيا -  محمد كرد علي – محمد راغب الطباخ -  محب الدين الخطيب – خليل مردم بك – مصطفى الشهابي – حسني سبح- قسطاكي حمصي – مصطفى الزرقا- رضا سعيد – أنسطاس شاهين – خير الدين الزركلي – عمر أبو ريشة – أحمد سليمان الأحمد - علي الطنطاوي- فخري البارودي – محمد بدر الين الحسيني –  محمد عزت دروزة – لطفي الحفار - إحسان الجابري – عبد القادر المغربي – طاهر الجزائري - عدنان المالكي – مصطفى السباعي – ميشيل عفلق – محمد المبارك-  معروف الدواليبي – عصام العطار – صلاح الدين البيطار-  زكي الأرسوزي – ساطع الحصري -  نجيب الريس – بشير العوف – رضا كحالة _ عبد السلام العجيلي-  شوكت الشطي – أبو اليسر عابدين – محمد البزم – محمد هيثم الخياط – محمد بديع الكسم – عبد القادر المبارك – قسطنطين زريق – شفيق جبري -  شكري فيصل – عبد الكريم اليافي - عادل العوا – عبد الوهاب حومد – سامي الدهان – أمجد الطرابلسي – عبد الفتاح ابو غدة – أحمد راتب النفاخ – زكي المهايني – حسن حبنكة –عبد الكريم الرفاعي – ملا رمضان البوطي – محمد الحامد - عبد القادر السبسبي- أحمد عز الدين البيانوني – أنطون مقدسي_  محمد الفاضل_ خالد العظم_ وبشير العظمة -وناظم القدسي..

أين أحفاد هؤلاء ؟!

أتساءل عن الأحفاد الحضاريين من حملة مشروع البناء والتأسيس والتحديث، أين هم ؟ من وأد هذا الجيل؟ من وأد العقول؟ وحطّم القلوب؟ وكتم الأنفاس؟ أهو الحرس القومي؟ أو سرايا الدفاع عن الوطن وحماية الثورة ؟ أو إن الانغلاق والجمود طبيعة في الشعب صانع الحضارة ومبدع الحرف قبل أن تعرف حضارة الإنسان الحرف ؟!

الحقيقة تقول لقد وأد كل هؤلاء، أولئك الذين حاولوا اختزال الوطن في الفرد. حتى في يوم النظافة المدرسي، يقف مدير المدرسة الابتدائية في جنوب درعا أو على حدود المالكية في شمال الشمال ليقول للطلاب بتوجيه أو تحت رعاية من السيد الرئيس سنقوم اليوم...

وأتساءل مرة أخرى أي بؤس يعيشه جيل من الشباب لم يجد للبطولة مثالا إلا في عالم افتراضي قدمه مسلسل باب الحارة في شخص العكيد أبو شهاب!!! بين الشهيد البطل يوسف العظمة والممثل المبدع ياسر العظمة، فرق يختصر المسافة بين الأجيال. جيل البعث وجيل السلطان.

عذرا سيادة الرئيس

إنه العهد الذي أخذه الله على حملة الكلمة (( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ..))

 ولو اقتربت من شباب سورية الحقيقيين غير المزيفين، لو اقتربت منهم في الحقول والمصانع، لو اقتربت منهم في أطراف المدن وفي زواريب العشوائيات؛ ستكتشف كم هو جميل هذا الشباب!! وكم هو لطيف!! وكم هو ذكي متفتح وحيوي متوقد!! وكم هو طيب معطاء و صبور وحمال أسيّة.

شعب سورية هو شعب تونس فمن سورية كانت قرطاج. وشعب سورية هو شعب مصر صنعوا معا حطين وعين جالوت والجمهورية العربية المتحدة. هذا شعب واحد طُبع على الوفاء والإباء والصبر. وإنما للصبر حدود..

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية