لماذا لم تأتِ النهضة بعد

م. محمود الدبعي

السويد

وجهة نظر تحدثت فيها عن تراجع الإسلاميين دوما من المقدمة الى وراء الصفوف حين تشتعل الأزمات بين الأنظمة و الشعوب و السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تقدم اليسار و تراجع الإسلاميون في تونس ، رغم أن الإسلاميين كانوا طوال 23 عاما في واجهة المعارضة.

 إحدى جوانب التأخر القيادي للجماهير الغاضبة الذي نحياه.. هو عدم الثقة بالنفس و القدرة على التغير و الإحباط النفسي و انشغال الكوادر في تكوين مستقبلهم خارج اللعبة السياسية.

و اليوم يفتقد الإسلاميون الإندفاع الذي كان لديّم ، آملا من الله ألا تكون هذه الأيام قد أفقدتهم الأمل في أنهم على أعتاب نهضة وتغير وأن مكانهم في المقدمة, و قد تابعت مقابلات صحفية اجريت مع العديد من كوادر حزب النهضة و لم اجد واحدا منهم يعبر عن مطالب الحزب ، بل الكل ذيل اسمه تحت ناشط  حقوقي و كأن النهضة اصبحت تاريخ.

 و أرجو الله ألا يكون كوادر النهضة في الداخل والخارج  قد وصلوا إلى حالة يأس من أن تنتقل إلى وضع أفضل..  بعد هروب رأس السلطة و انفتاح حكومة الإنتقال و الجيش على الجماهير الغاضبة.

لا أنسى لقاءً ات أجرتها الحوار قبل سنوات عديدة مع الشيخ راشد الغنوشي – المناضل الإسلامي الكبير  الذي لمع اسمه كبديل عن جور السلطة  و هو  يحكي بحسرة و حرقة و ألم قصة معاناته في بلده الأم حينما حاول أن يوجد قدم للإسلاميين , إلى حد أنه اضطر للهجرة إلى عدة بلدان الى أن استقر به الترحال الى بريطانيا, و حرقته المتكررة على وطنه التي كانت تدفعه أن يعود إليه و كله إيمان أن بلده أحق به, لكنه كان يواجه بخيبات الأمل، و كم كانت بي حنقة حينها على أولئك الذين لم يعطوه قدره لا قبل أن يحقق إنجازاته و لا حتى بعدها.

اليوم يوجد مئات الكوادر المثقفة لحزب النهضة في أوروبا التي ذابت في العمل ألإسلامي العام و لم تعد تتعامل مع السياسة و خذلت رئيس الحزب الشيخ الغنوشي.  و اليوم بعد أن غادر بن علي زين العابدين تونس, أدركت أننا لسنا ببعيدين عما جرى و يجري من "إقصاء" للكوادر السياسية المدربه.. و أكرر جملة قلتها كثيراً..إننا لا نفتقد إلى العقول والكوادر المثقفة..لكننا نفتقد إلى من يحتضن تلك العقول والكوادر و يعيد صقلها فيما يخدم توجهات الأمه.

إنني كلما سمعت من فذّ رغبته العارمة أو قراره بالهجرة ليجد له وضعاً إقتصاديا أفضل من عدم التقدير الذي يحياه في بلاده أكاد أذوب حسرة و ألماً, بل و غيرة على أمتنا العربية. و في نفس الوقت..لا أستطيع إلا أن أعذر رائدا أراد الانطلاق  فلم يجد له متسعاً في مكان فاندفع إلى غيره ولا ألوم من تحرّك في عقله سؤالاً و هو يقرأ كلماتي..إلى متى نعرض المشكلة و نتجاهل الحل؟

لو كنتُ أجد إلى الحلّ طريقاً لسارعت به و لا نزال نتحدث عن هجرة العقول والكوادر الإسلامية الى الغرب..و لا نزال نتحدث عن تأخر علمي و سياسي و تراجع ديني في أوطاننا, و لا نزال نبكي أطلالاً من المجد الحضاري الذي جعلنا خير أمه و نتساءل لماذا لم تأتِ النهضة بعد؟