لا خوف على مسيحيي الشرق

زهير سالم*

[email protected]

حتى لا يوظف هذا الكلام خارج إطاره فنحن سلفا مع المواطنة السواء. ومع مجتمع أسنان المشط، وضد كل أشكال العنف الذي يقع على المدنيين الأبرياء في كل زمان ومكان وتحت أي عنوان. نحن نؤمن أن حماية الكنيسة من حماية المسجد، وأنه ( لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ). وتبقى هذه المقدمة مظلة تظلل كل كلام نقوله بعدُ تحوطه وتهيمن عليه..

وبعدُ

كيف ينعكس التهويل الذي يمارسه الساسة الغربيون ومنهم قداسة البابا ومؤسسة الفاتيكان بشأن ما يقع على بعض المسيحيين في الشرق من عدوان أو تجاوزات، لا تمثل في جملتها وفي قسوتها عشر معشار ما يقع على السواد العام من أبناء هذه الأوطان؟! أليس ما يقرره هؤلاء في تهويلاتهم طريقة رديئة للقول: هناك إنسان مهم وهناك إنسان أقل أهمية. هناك إنسان يجد من ينتصر له ويغضب من أجله إذا مُس، وإنسان يكفي أن نعتذر عن قتله بأنه خطأ الأسلحة الذكية، عندما يُهدم بيته ويُقتل مع زوجته وأطفاله...!!

يتساءل مواطن عراقي أقنعوه أنه في عصر العولمة تتقدم قيمة الإنسان بجوهره على كل الأوصاف الإضافية الأخرى العرقية والدينية والمذهبية، يتساءل هذا المواطن: لماذا لا يغضب قداسة البابا لما يحل بالأعظمية أو الكاظمية كما غضب لما حل في كنيسة النجاة؟! أليس جوهر الإنسان هنا وهناك وهنالك واحد؟!

لماذا يُهرع السفراء الأوربيون قاطبة لفتح أبواب سفاراتهم لمواساة الضحايا هنا وتسهيل سبل الهجرة لهم، ويديرون ظهورهم لما يجري على بقية شعوب بلاد العرب أوطاني في العراق وفلسطين ومصر وتونس والشام؟ أليس ما يجري في هذه الأقطار هو ناتج سياسات الاستقرار التي يقررها القائمون على هذه السفارات ومن صنع أيديهم؟!

لماذا يُنظّم قادة الغرب المسيحي المؤتمرات، ويَنظمون الملاحم الكربلائية للطم على مسيحيي الشرق دون أن يبالوا بضحايا عَسَف عمالهم، من بقية أتباع الملل والنحل في دول الشرق المبتلاة بهؤلاء الحكام..؟! ننكر على الإرهابيين نعم، ونبرأ منهم، وندين أفعالهم، ولكن من يجيبهم عندما يقرنون أفعالهم بأفعال أصحاب حروب العدوان التي ضج من ضحاياها أهل الأرض وأهل السماء..

هل هذه الازدواجية استمرار مفروض لتاريخ المحاكم الاستثنائية، التي ما زالت مضامينها تحكم الحياة السياسية والاقتصادية في أكثر بلاد العروبة والإسلام؟!

وحين يَمد هؤلاء الغربيون أيديهم لينتشلوا من بين ظهرانينا ابن أرضنا المسيحي، إنسانية أو عصبية؛ لماذا يحملوننا معرة هجرته توحشا وتطرفا وقسوة وتعصبا ؟! و يتناسون أنهم قد دمروا في أوطاننا كل ما هو خيّر وجميل، وقد خلقوا فيها لهجرة أبنائها منها ألف سبب، وأن هذه الأسباب هي من صنع أيديهم إما مباشرة وإما عن طريق الوكيل..

 كيف مرت بصمت غربي موحش سياسة التمييز الديني التي وقعت على المعلمات السوريات بسبب التزامهن الإسلامي ؟! وهل يجرؤ نظام البعث أن يمارس بعض ذلك أو أقل من بعضه بشأن لباس الراهبات في دير أو كنيسة أو مدرسة؟! أي إنكار كنا سنسمعه عن حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر والالتزام بالأديان. افتحوا أعينكم وانظروا ما يحيط بنا وبكم.

في فرنسة وفي بريطانيا وفي ألمانيا وفي كل دول الاتحاد الأوربي مواطنون مسلمون.. ليسوا أقل عددا من مسيحيي الشرق، ونزعم أنهم يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة حيث هم، ولكن أي من هذه الدول يتوقف إعلامها ولو بإشارة عند عيد من أعياد هؤلاء المواطنين أو عند طقس من طقوسهم؟! وها نحن قد احمرّ في عالمنا الإعلام العام في أعياد الميلاد حتى تساءل الناس عند المسجد المحزون: هل في المصلى أو المحراب مروان؟!

لا خطر على مسيحيي الشرق من أبناء هذا الشرق، فهم بعيدو الجذور في هذه الأرض، وهم أبناء عمومة، وشركاء في الوطن والحضارة والثقافة والتاريخ. الخوف الحقيقي هو من هذه السياسات التمييزية التي تشيع بين الناس العداوة والبغضاء. الخوف الحقيقي من السياسات الفرعونية التي لخصها الكتاب العزيز: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية