لماذا تأخر الشتاء

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

الشعور بالذنب، من أنبل العواطف الإنسانية وأشرفها.  فعندما يخرج الإنسان على قانون ما، سواء سماوي أو أرضي، تبدأ النفس بفطرتها تحاسب نفسها عما اخترقت من حدود الله أو القانون،  تخشى الفضيحة وتخشى العذاب والانتقام. فما أن يحدث زلزال أو تهب عاصفة أو ريح مصفرة، يقولون هذا "عاصفٌ ممطرنا" ، ويهرع دعاة الأديان للتعنيف والتقريع بالذنوب "بل هو ما استعجلتم به" بذنوبكم وخطاياكم.

تأخر الشتاء كثيرا هذا العام. وفي كل المواسم السابقة، كان يتأخر قيلا ً ، فيبدأ رجالات الدين يفتشون عن خطايا الناس ليحملوهم وزر القحط والجفاف. وينسون أنهم هم سبب البلوى ومن جفاف ضمائرهم جف الضرع واحترق العشب ، وحبست السماء عن القطر.

قبل عدة أيام اتفق رجال دين يهود وآخرون مسلمون ومسيحيون فلسطينيون على إقامة صلاة استسقاء مشتركة.  

عجبت من هذا النبأ كثيرا ... عندما حلت مصيبة القحط، تذكر رجالات الدين ربهم !! فهرعوا إليه بصلاة استسقاء ...!! وهل بهم سيهطل المطر علينا ؟؟!!

وهل كانت الحروب والمصائب إلا من رجالات الدين "إلا من رحم الله" واجتهاداتهم الفذة ؟؟!!  

من الذي وعد صهاينة العالم بالأرض الموعودة والهيكل الكاذب؟؟ ومن جعل ذبح الفلسطينيين طاعة وقربان ؟؟! من الذي شحذ النفوس للحروب الصليبية؟؟ ومن الذي شرّع التفجيرات في مساجد العراق ؟؟؟ ومن الذي أخذه اجتهاده الديني لتفجير كنيسة سيدة النجاة ؟؟ !!  ومن الذي جعل من "معركة صفين"  و "موقعة الجمل" قبل خمسة عشر قرنا ، حربا لا تنتهي حتى يومنا هذا ، وحتى خروج الغِرّ الضال من لندن ليسب على أم المؤمنين ويتكلم في عرضها ؟؟؟!!!

ومن الذي يُرضع المُضَللين بالحقد الديني والتعصب المذهبي الأعمى؟؟؟!!

من ؟؟!! من سوى الوجوه "السمحة" واللحى "المعطرة" و العمائم على مختلف ألوانها ومذاهبها ؟؟!!

لقد حُبـِسَت السماء عن القطر، عندما صار ذبح العباد والنساك في مساجدهم وكنائسهم وصوامعهم، أولى وأحق، في عُرف المُضللين ومن شرَّع لهم ، من ذبح العدو المغتصب للأرض والعرض.

لو كُنا نبغي من الله عز و جل أن  يُمطرنا ، كان الأجدر بنا أن نخرج بالمسحوقين والمكلومين والمعذبين من ضعفاء الناس، الذين فقدوا أحلامهم وأبنائهم بسبب الفتن المذهبية والطائفية، ليبتهلوا إلى الله بالصفح والغفران.

نخرج نتضرع إلى الله بأناس بيض القلوب ، لا بيض الثياب !

فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته أنه قال: "أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". ولم يقل تنصرون بعمائمكم ولا بلحاكم ولا ببياض ثيابكم، وكذلك كانت وبذلك جاءت  كل شرائع السماء.

أما رجالات الأديان فواجبهم أن ينقوا قلوبهم قبل ثيابهم، ويراجعوا توجيهاتهم ودروسهم ومواعظهم ويتفقوا على التسامح الذي جاءت به ديانات السماء التي يعتقدون بها ، ويضعوا حدا للاجتهادات الضالة التي تفرق وتمزق المجتمع الوطني الواحد ، وبعدها يهرعون إلى الله يطلبون العفو والسماح ........

وإلا فبهم وباجتهاداتهم وفتواهم سيزداد القحط والجفاف وقد تقترب ساعة الزلزلة.!!