صفعة إنسانية

صفعة إنسانية

مريم سيد علي مبارك/الجزائر

[email protected]

هذه الصفحة عبارة عن صفعة، صفعة إنسانية أوجهها لكاتب وأديب عربي،  نشر ذات يوم  ما يلي : 

"سنوات طويلة مضت على قراءتي (ذاكرة الجسد)، أتذكر دهشتي باللغة والشفافية والمزج الجميل بين الوطن والحب، لكنني أيضاً، أتذكر كم كنت أبيض وفارغاً وجاهزاً برعونة وسذاجة لأيّ امتلاء حينها منتظراً جنتي الجسدية، في أي مرفأ أصادفه، كانت أحلام مجرد مرفأ صغير مخادع في شكله الخارجي ارتحت فيه من رهق مراهقتي، تابعت بعده رحلتي مع مرافئ أكثر متانة وأشد صدقاً، نحو طائر روحي (السميرغ) الضائع، أتذكر جملة متحمسة ومتحمصة لصديقة: "إنت بس اقرأ (ذاكرة الجسد)"، ففعلت وفرحت وتوهجت، لكنني لم أعثر على اسمي أو منعطفي أو دربي، كانت (ذاكرة الجسد) مجرد طرف زقاق ضيق، تماماً كما فعل زقاقا حنا مينا، وإحسان عبد القدوس، ترى من يتذكرهما الآن؟ قوارب كتب كثيرة مرت في نهر روحي منذ تلك الأيام، حين أمد يدي إلى أحشائي لا أتعثر بقارب (ذاكرة الجسد)، فأعرف أن قوارب فوكنر وولف وماركيز وكاليفينو وميشو ومللر وكنفاني وميشيما وكواباتا ودستوفسكي وتشيخوف وأنسي ودرويش وأدونيس ونوبوكوف وكافكا ورامبو وادريس، وكازنتزاكي وولروكا ويتسوس قد ابتلعت قارب أحلام حتى لم تبق منه زفرة حب واحدة. رجل بمرافئ كثيرة تعيش فيه هو أنا الآن، لم أعثر على طائري الوهمي، ما زلت أبحر في سماء السؤال، مع زملائي المبحرين الرائعين، ولا أريد جواباً أو بيتاً لا أريد لا أريد..."الخ

كلامه هذا جاء تعقيبا على قول أحلام مستغانمي :

"لا تطمئنّي إلى رجل انصرف عن طاعة الله مأخوذاً بدنياه، إن من لا يعترف بفضل الله عليه لن يعترف بجميلك، ومن لا يستحي من ملاقاة الله مذنباً، سُيذنب في حقّك من دون شعور بالذنب، ومن ترك صلاته وصيامه بذرائع واهية، وتربّى عليها، سيعثر حين يشاء على الذرائع التي يحتاج إليها لتركك".

ويضيف ذات الكاتب قائلا : "هذا الكلام ليس لعمرو خالد أو للقرضاوي، إنه لأحلام مستغانمي (الداعية)، وهو نصيحة من عشرات النصائح الدينية تكتبها صاحبة "ذاكرة الجسد" للمرأة العربية في صفحتها على (الفيس بوك)، من الرواية إلى الدعوة، حتى الضحك لا يصلح هنا كوسيلة تعليق، ماذا علينا أن نفعل إذاً، نحن الذين نظن أننا حراس للجمال والعمق والكبرياء الأدبي؟".

  وختمها بقوله : انتظروا رواية أحلام مستغانمي القادمة بعنوان (الدعوة دوت كوم).

انتهى

هذا الكلام قاله (فلان) من الكتّاب، وكائنا من كان..فالكلام موجه إليه ولأمثاله ليس لجزائرية أحلام مستغانمي وإن كانت العبقرية  ليست غريبة على الجزائري..ولكن لضرورة إنسانية..

فلكل إنسان الحق في الانتقاد محقا كان أم مخطئا، لأن الإنسان إما أن يستحسن شيئا أو يستهجنه، فمن الطبيعي أن يكون له رأي ولا بأس أن ينتقد الإنسان بحجة وبيان ولكن..الانتقاد عن طريق التهكم والازدراء أو السب والشتم ليس أبدا وسيلة نظيفة ولا إنسانية..

إن الناقد المتهكم أو الشاتم في الحقيقة لا يحمل الناس على رأيه والاقتناع به بقدر ما يعرفهم على دواخله ويكشف عن حقارة نفسه، وكثيرا ما يسب الإنسان من يختلف معه في التفكير بطريقة سخيفة، فتراه يتدخل في صفاته وطبائعه وشكله وطريقة جلوسه أو مشيته أو غير ذلك من التفاهات التي لا تزيد الناس منه إلا نفورا..

يزعمون أنها جرأة نقدية وإنما هي في حقيقتها وقاحة نقدية.. للأسف فقد سار بعض حملة الأقلام هذا السير فتدنوا إلى هذا المستوى ..وتحدثوا عن طول وعن قصر !!

وكل منتقد (من ذوي الثقافة والعلم) يسلك هذا المسلك تجده يتطاول في اسلوبه هذا وينتقد انتقاد الجهلة لا المتعلمين يفتش عن عيوب الناس ليبرزها ويستخدم حججا واهية ضعيفة يسلك طريقا غير الطريق اللائق بالعلم الذي تعلمه ويصبح القلم الذي هو أفضل أداة للخير وسيلة لبث الشرور ولو سألت العلم عنه لأخبرك بأنه منه براء !

لو كان المنتقد من عامة الناس لعذرناه في سذاجة تفكيره وطريقة نقده، لانه سطحي وأقصر نظرا ولكن المفجع أن يجيء الكلام ممن يطلق عليه اسم الكاتب والمثقف..فإذا كان من المشاهير وإن كان له وزن ومكانة وإن كان قويا في شأنه كله إلا أنه لن يخدع الناس بسوء قوله لأن الناس ببساطة حتى وان تواضعت ثقافتهم ليس على أبصارهم غشاوة وليسوا عبيد الناقدين لا يخدعهم جمال الكلام ولا قبحه..وإنما يؤثر فيهم من الكلام أصدقه ومن الكلمات "الطيبة" تلك التي تستمد قوتها من القلب..

وإن كنت عزيزي الكاتب تتحدث عن الدعوة بكل هذا الاستخفاف والازدراء فتعلّم من الأديان السماوية قبل أن تتعلم من العلم نفسه..

تقول الأم تريزا : " الكلمات الطيبة قصيرة وسهلة التعبير ولكن صداها باق إلى الأبد"..

ولعلك تعي جيدا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " الكلمة الطيبة صدقة". وتذكر أن كلمة صدقة مشتقة من الصدق، وهو المعنى الذي ترمي إليه في صدق القلب مع الله..فلا شأن لك أيها المنتقد  بميول الإنسان وأهوائه..لا شأن لك بمدى صلته بربه لأنك لست أنت الذي تمنع عنه الدعوة إن شاء أن يكون داعية ولست

أنت الذي ترغّبه فيها إن كره ذلك..

يبدو أن بعض الناس لديهم حساسيات من كل ما يتعلق بالدين..بمجرد ما يسمع كلمة "الله" أو "إيمان" أو "صلاة أو صيام" يصنفك في خانة الشيوخ ويتمادى في سخريته واستهتاره..وإنه لشرف أن تكون شيخا !

فاعلم عزيزي الكاتب أننا كلنا دعاة لله سواء العاصي فينا أوالطائع الرجل الذي يشرب الخمر والذي يرتاد المسجد كلهم دعاة ..المراة التي تلبس الزي الاسلامي والتي لا ترتديه كلهن دعاة.. وكلنا عباد لله لأن الإيمان يسكن أعماقنا ولان الإنسان ليس ملائكة وإنما يخطئ ويصيب ويعود في نهاية المطاف إلى حضن ربه.. قلها وأعدها من الرواية إلى الدعوة..الفيزيائي والرياضي وعالم الاجتماع وعالم الفلك والطالب والتلميذ الصغير وربة البيت وعمال النظافة في الشوارع ..كلنا عباد لله وكلنا دعاة !

عزيزي الكاتب المثقف،

إنك إذ تخوض معركة القلم بهذه الطريقة فإنك في معركة أنت فيها الخاسر الوحيد..تمهّل تمهّل أسلحتك تعزز الرذيلة في مجتمعك وسيفك ضعفاء النفوس..

وتذكر :  ما سمي الأديب أديبا إلا من الأدب الذي ينطوي على المعنى الجميل من الحسن في كل شيء، حسن الأخلاق وحسن الكلام وحسن المعاملة.. ومنه الحديث النبوي الشريف "أدبني ربي فأحسن تأديبي"..

فاصفع نفسك صفعة قوية قبل أن تأتيك الصفعة الأنثوية .. اصفع نفسك..إنها لن تؤذيك ولن تشعر بالألم لأنها صفعة إنسانية !!