«حماس» موؤودة العصر

مصطفى الزايد

في الأيام الأخيرة كان هناك مشروع «وحدوي» بين «فتح» و«حماس» وتقارب مبشر بدولة فلسطينية لم يسترح لها الإسرائيليون، وكانت هناك بوادر اعتراف بها من بعض الدول الأوربية، فاعترفت السويد، وصادق البرلمان البريطاني على الاعتراف بها كذلك، بينما تلوح في الأفق بوادر لاعتراف فرنسي أيضا.

كل من يراقب الوضع بدقة ويعرف سياسة الإسرائيليين ويوقن بأن لهم أذنابا في المنطقة، يفهم أن المشروع سيحبط.

اللعبة بدأت بافتعال جرائم سيناء التي لم يكن هدفها تجريم «الإخوان المسلمين» كما زعموا، وإنما الهدف الحقيقي ردم الأنفاق وبناء الجدار تمهيدا لحصار غزة. ولم يكن المشروع المصري ذا تاثير كبير طالما أن مشروع الوحدة الفلسطينية قائم والعمل جار عليه.

إلا أن الخطوة التالية أنذرت بالخطر المقبل وكشفت عن المؤامرة وبعض وجوه أطرافها، وربما وشت بالخطوات التالية، وتمثلت بالتفجيرات أمام منازل قياديي «فتح»، مستهدفة إحباط مشروع الوحدة الفلسطينية وتحويله إلى عداوة صريحة بين «فتح» و«حماس» لا تقف عند حدود اختلاف الذهنيات ووجهات النظر، بل وربما تتعدى العداوة السياسية إلى مشاريع انتقامية. ورغم أن «حماس» دانت التفجيرات، وأعلنت أن السلطة لن تسمح بعودة النزاعات الداخلية والفوضى، وأن أجهزة الأمن ستتعقب كل من له صلة بتلك الأعمال الإجرامية إلى أن يمثل أمام العدالة، فإن «فتح» وجهت أصابع الاتهام إليها مباشرة، مستندة إلى تغريدات في «تويتر» قالت إنها صادرة عن مجموعة الموظفين العسكريين لـ«حماس»، يؤكد أصحابها أنهم سيفشلون مهرجان الذكرى العاشرة لرحيل عرفات!

ورغم أن المنطق يفترض أن من يريد ارتكاب جريمة يحاول ألا يترك خلفه دليلا، فضلا على ان يقدمه قبلها، وأن مواثع التواصل الاجتماعي ليست وثيقة لأسماء من يكتبون فيها، فقابلية انتحال الأسماء والصفات موجودة فيها، مع إمكان اختراقها أيضا إذا كانت صحيحة، كما أن مسؤولية أي تصريح ترتبط بشخصية المصرح وحده إن لم يكن ممثلا رسميا لجهة تخوله التحدث باسمها، وقد يتم استفزار موظف أو عنصر فيتوعد، لكن كلامه يبقى مجرد رد فعل شخصي لا ينسحب على القيادة التي يعمل تحت إدارتها.

ولنا أن نتساءل: لماذا «حماس» وليس الإسرائيليون؟

ولأنها سياسة غباء واستغباء، ولأجل كسب الوقت وتسريع خطوات الفتنة لم يكن من الصواب اتهام الإسرائيليين بتفجيرات افتعلت أصلا لتتهم بها «حماس» ويحبط مشروع الوحدة الفلسطينية، فلا وقت للتمادي في لعبة تمويهية ربما تنكشف معها الحقيقة، وتظهر الجهات المنفذة وتتضح أهدافها، لذلك.كان لا بد من توجيه إصبع الاتهام إلى «حماس» مباشرة، وسيتم تجريمها دون محاكمة، لأنها الجهة الأكثر إقلاقا للإسرائيليين، والمعرقل الوحيد لقطار التنازلات في القضية الفلسطينية عند التفاوض، والقوة المعنوية والمادية التي يحاذر الإسرائيليون أن تتمكن من زمام السلطة، ويخافون من قابليتها للنمو والتقوية، ويسعون إلى سقوط نجمها سياسيا واستبعادها من تمثيل فلسطين.

وبما أن علاقة حماس بسورية فترت، وبمصر تزعزعت، وبـ«فتح» تحولت إلى عداوة، ومن قبل تم تقليم أظافر قطر التي تلوح في الأفق مؤشرات إلى عدم استقرار العلاقة بينها وبين الدول الأخرى الفاعلة في المنطقة، فلم يعد أمام «حماس» إلا البحر.

من الواضح أنها خطة مرسومة بعناية لوأد «حماس» وقتل غزة، ولا يخفى على ذي عقل ومن لديه أبسط أشكال الوعي السياسي أن«حماس» ما كانت لتفتعل مشكلتي سيناء و«فتح» إلا إذا كانت تنوي الانتحار.