عبر وعظات في حادثة قتل المذيع لزوجته

محمد شوكت الملط

[email protected]

أثارت جريمة القتل التي ارتكبها المذيع إيهاب صلاح ، مقدم النشرات بقطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، لزوجته، ردود أفعال واسعة، ليس لبشاعة الجريمة فحسب ، وإنما لأن الجانى شخصية مشهورة ، وينتمي لطبقتين ثقافية عالية واجتماعية مرموقة ، فضلا عن الجانب المادى المرتفع ، فبتأثير الإعلام الرسمى انقسم المهتمون بهذه القضية  إلى قسمين ، الأول يعتبر الجانى هو ضحية لجبروت امرأة – كما جاء على لسان المتهم – ونُشر بالصحف الكبرى  ويضم هذا القسم  العدد الأكبر  ، ومن ثم فهو متعاطف معه ويتمنى أن يصدر فى حقه حكم مُخَفف ، والقسم الثانى ويضم عددا أقل يعتبر أن الجانى ارتكب جريمة بشعة ينبغى أن يُقتص منه   ، وتناسى إعلامنا المبجل أن يستخرج العبر والعظات من وراء هذه الواقعة، وهى كثيرة ، ومنها :

1- علينا ألا ننخدع بالمظاهر والتى عادةً ما تتمثل فى المال والسلطة والجاه والشهرة ، ونتوهم أن كثيرا من المشاهير والأغنياء وذوى السلطة والنفوذ يعيشون فى جنة الله فى أرضه ، حياتهم كلها بهجة وسعادة ومتعة ، لا يتطرق إليهم الخلاف والحزن والقلق ، نشعر أحيانا أنهم يمتلكون كل شىء ونحن لا نمتلك شيئا ، ولكن الحقيقة أن معظم هؤلاء يعيشون فى تعاسة وهَم ومعارك لا تتوقف ، ربما يكون فيها الخصوم هم أقرب الناس إليهم كالأبناء والزوجات والأقارب.

2- إن لمظاهر الترف وجها آخر لا يعرفه الا القليل ،  هذا الوجه هو المدمر لحياة المترَفين والمسرفين ، فالمال والجاه والعلم والشهرة كلها كالسكين ، يمكن أن تُستخدم فى الخير ويمكن أن تُستخدم فى الشر ، كيفما شاء الإنسان ، وتأتى المصائب والمشاكل من وراء استخدام هذه النعم فى الشر ، فحينما يُستدرج صاحب المال أو الجاه أو السلطان أو العلم ، فينحرف ويستخدمها أسوأ استخدام ، فربما ينتج عنها جرائم خطيرة كالقتل أو النصب أو السرقة أو ادمان المخدرات أوالدعارة ... ، والكارثة أن ذلك الأمر قد يُكتشف بعد فوات الأوان واستحالة العلاج .

3- وبالتالى يجب ألا يشعر  المرء بالنقص تجته الطبقة التى يظنها راقية ، وأن يرضى بحاله ، والذى ربما يكون أفضل من حال هؤلاء ، فى الصحة  وراحة  البال وقلة المشكلات - إن وجدت - ، وفى كثير  من الأمور ، ربما يعرف بعضها ويجهل أكثرها ، ولا يعنى هذا أن يرضى المرء بحاله المتواضع ، ويطغى عليه الشعور باليأس والقنوط ،  وإنما عليه أن يعمل من أجل أن يكون فى حال أفضل ، وألا يتوقف عن السير حثيثا لتحقيق طموحاته .

4- إن أبغض الحلال عند الله الطلاق ، فالطلاق ربما يكون أفضل الحلول فى بعض حالات الخلافات الزوجية - حتى فى حالة وجود أبناء- ، فانهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين المتنافرين والمتخاصمين دائما أفضل من أن يعيش الطرفان فى جحيم  متواصل ، قد يصل بهما الأمر إلى ارتكاب جرائم خطيرة .

5-  غالبا ما كان الفشل هو مصيرنا  فى صناعة النجوم ، التى تتم بصورة عشوائية ، فلا اهتمام من الدولة – عكس البلاد الأخرى -  بتنمية شخصية النجم فى كافة الجوانب التعليمية والثقافية وطريقة تعامله مع الآخرين ، والأهم من هذا وذاك الدور الإنسانى لهذا النجم ، مع الأيتام والفقراء والمرضى و المسنين ، الأمر الذى يعطى الثقة للنجم فى نفسه ، ويبعده عن الإنحراف ، مما يستشعر معه أنه جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع له فضل عليه بعد الله ينبغى عليه أن يرده له بمشاركات فى الجوانب الإنسانية .

6-  العنف فى التعامل فيما بيننا أصبح هو المسيطر ، فأخلاق التسامح والتغافر ، والإيثار والتضحية بدأت فى التلاشى ، وبالتدرج يحل محلها الآن أخلاق ذميمة كالأنانية والجشع والطمع والحقد والحسد ...، فى الشوارع فى المصانع و فى  المواصلات ، وفى البيوت أيضا ، وإن لم نقف وقفة جماعية واحدة سوف نرى مثل هذه الجريمة تتكرر كثيرا ، وربما نرى أنفسنا وكأننا نعيش فى ولاية شيكاغو الأمريكية .

7- انتشرت المخدرات بين طبقات المجتمع بصورة مخيفة ، ولم تستثنِ الفقراء أو الأغنياء ، ولا الصبية ولا الشباب  ولا كبار السن ، وهناك من الجنس اللطيف من يتعاطى المخدرات ، وفى بعض الأماكن يتم ذلك بصورة شبه علنية  تغض الشرطة الطرف عنها ، والنظام لا يتعامل مع مشكلة المخدرات بجدية بالرغم من أنها مشكلة قومية ، من السهولة بمكان أن تدمر المجتمع خلال سنوات قليلة ، والإعلام الرسمى من أولويات اهتماماته حكايات ومشاكل لاعبى كرة القدم وتنقلاتهم ، وأخبار الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات .

8- ينبغى على كل فرد ألا يغتر بنفسه ، وألا يستشعر أنه بعيد عن الوقوع فى الخطأ ، فأى انسان مُعرض للإنحراف مهما علا شأنه ، فالشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق، ولكن كيد الشيطان ضعيفا ، مع كل من يطلب الهداية من الله فى كل صلواته " اهدنا الصراط المستقيم " ، يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، ولذلك فعلى كل من يريد أن يبتعد عن الشيطان أن يترقب إلى الله بالإستعاذة به  و وان يلتزم بطريق الإستقامة ووأن يكثر من الأعمال الصالحة ، وأن يتحرى الحلال ويبتعد عن الحرام .

9- حتمية وجود صحبة صالحة لكل فرد ، فهى الواقية من الإنحراف ثم الإنغماس فى الملذات والشهوات ، وبالتالى الدخول فى عالم الجريمة، فارتباط  المرء بأصحاب صالحين يتفقدون أحواله ، يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر،  يقه من أن يُضيع حياته وآخرته ، " فلينظر أحدكم من يخالل ".

10- الهجوم المتواصل من الدولة ومن وسائل الإعلام خاصة فى البرامج والمسلسلات والأفلام على الحجاب وعلى اللحية ، والتهكم على المتدينين ، واظهارهم على أنهم منحرفون فى تعاملاتهم وفى حياتهم الخاصة ، ويرتكبون المعاصى و الموبقات فى السر، فى المقابل تُُظهر وسائل الإعلام  شخصيات غير سوية – على أنها من نجوم المجتمع وقدوة للشباب -  تحارب الدين وتتمرد على مبادئه ، بأنها من الملتزمين بالمبادىء و الأخلاق السامية دون أن يصلوا أو يصوموا ، ولا تتوقف وسائل الإعلام المختلفة عن نشر مبرراتهم وحججهم الكاذبة على أنها حقائق ثابتة ، مما يشجع العديد من الشباب والفتيات على ممارسة الأفعال الشاذة بحُجة أنها حرية شخصية ، وفى النهاية تكثر الجرائم الخطيرة ، ونُرهق انفسنا فى البحث عن الأسباب ، رغم أنها أمام أعيننا ، وحينها يفضل معظمنا الصمت على الكلام .