إيران الولي الفقيه : أي خيار ؟! وأي خسارة ؟!

إيران الولي الفقيه :

أي خيار ؟! وأي خسارة ؟!

زهير سالم*

[email protected]

في ساعات العمى العقلي وحدها يظل الإنسان يجادل في البدهيات، ويظل لاعق المبرد لا يعرف دم من يستنزف . منذ انتصار ( ثورة الخميني أو ثورة الملالي ) في إيران ، وقيام ما سمي (الجمهورية الإسلامية ) هل عانت سمعة ( إيران – الولي الفقيه ) بمشروعها المتعدد الأبعاد ، ما تعانيه من سوء سمعة اليوم على مستوى المسلمين والعرب والسوريين بشكل خاص .

يرى بعض المحللين العرب والمسلمين ، وعلى الرغم من عظم التضحيات التي قدمها الشعب السوري ، أنه لو لم يكن للثورة السورية من فضل سوى أن تكشف حقيقة العدو ( الفارسي أو الصفوي أو الشيعي ) وتتعدد طرائق الناس في التسمية ، حسب خلفياتهم ؛ لكفّت ووفّت ..

لن تجادل مدرسة ( الولي الفقيه ) ، بفروعها اللبنانية والعراقية والدولية ، أنه لا سبيل للمقارنة بين المكانة التي كانت عليها هذه المدرسة بعد حرب 2006 والمكانة التي صارت إليها بعد انخراطها في حروب العراق وسورية واليمن على النحو الذي تفعل ، إلا إذا أصرت هذه المدرسة على منطق المكابرة والمجاحدة ، على طريقة من لا يريد أن يعترف بضوء النهار ..

لم يكن الأخطر والأسوأ في الاختيار ، هو ما كشف عنه خيار الولي الفقيه من غباء سياسي في الانحياز السافر ضد سنن الله ، ومنطق التاريخ ، وإرادة شعب حر كريم خرج يريد عدلا وحرية وكرامة إنسانية ، بل كان الأسوأ فيما فضحه هذا الخيار من تعصب وحقد تاريخي بدا سافرا بطريقة لا يمكن سترها ولا رقعها . وزاد في خطورة الأمر وبؤسه أن ( الولي الفقيه ) دخل المعركة بكل جنوده حتى الأخفياء منهم بحيث لم يترك على الطرف الآخر رأس جسر يمكن أن يحتاجه في مقبلات الأيام

والأشد خطرا وسوءً في الخيار الإيراني المقيت ، أنه لم يكن خيارا سيئا في جولة من جولات الصراع ، بل في أنه كان تأسيسا لصراع طويل المدى بعيد الأثر لن يقل أثره في تاريخ الأمة المعاصر عن أثر صفين وكربلاء . كربلاء جديدة يلعب بها الولي الفقيه وشركاه دور شمر وعبيد الله بن زياد . فلا أحد يدري اليوم كيف يمكن لهذا الصراع أن ينتهي ، ولا كيف يمكن للعقلاء أن يلموا آثاره وتداعياته ، علما أن الخاسر التاريخي فيه هو إيران والولي الفقيه ، مهما زين لهم غرور اللحظة ، والآمر الأمريكي أن الأمر إلى غير هذا سيسير ...

وكان خيار الولي الفقيه خيارا سيئا ( أخلاقيا ) في عالمنا الإسلامي الذي لا يقبل منطق ان السياسة ( مصالح وليست أخلاقا ) . إن أسوأ أنواع السقوط الذي وقع فيه الولي الفقيه وحسن نصر الله وأدواتهم في العراق هو السقوط الأخلاقي بممارساتهم وبخطابهم وبتحالفاتهم وحلفائهم العديمين من كل ما يمكن أن يتحدث عنه حامل عمامة سوداء أو بيضاء ، أو صاحب مشروع يصفه ( بالثوري الإسلامي )

على الصعيد السوري دخلت إيران وحلفاؤها المعركة فيما ظنوا داعمين ، ولكنهم ها هم اليوم يرون ( مدعومهم ) يذوب كما الثلج تحت شمس الربيع. أو يتلوى تحت مطارق الثوار ، كانت آخر هزيمة مجلجلة لبشار الأسد في إدلب . وتقلصت المدن والبلدات التي يسيطر عليها بشار ، وتبعثرت أكثر البؤر المحدودة التي يجدر بهم ( الإيرانيون ) ، بهم لا به ، حمايتها ....

الخبر عن إعادة انتشار قوات الحرس الثوري وجنود حسن نصر الله إلى دمشق وما حولها فقط ، حمل طيفا احتجاجيا على الطريقة التي تدير بها عصابات الأسد المعارك ، وعلى الطريقة التي يتم بها ما يسمونه ( تسليم البلاد ) . حالة انهيار عملياتية مكرورة ، و بقاء الولي الفقيه على خياره القاتل يفرض عليه أن يقدم من طرفه وفاء وعوضا عن هذه الهزائم...

ثم يتابع الإيرانيون والعالم أخبار انفضاض القوة البشرية الداعمة لبشار عنه . ثلث الرجال من المقاتلين العلويين قتلوا ، والأخطر من ذلك أن ثلثي الثلثين المتبقين لا يريدون أن يذهبوا مع بشار الأسد إلى مستنقع الموت . وهم في أفضل حالاتهم ، يريدون من بشار أو من حلفائه أن يقاتلوا عنهم ، وأن يحموهم ، ويحموا مصالحهم ، بل أن يعززوا امتيازاتهم المستقبلية ، حسب تقرير قريب ، لوول ستريت جورنال ؛ والمطلوب من الولي الفقيه وجنوده أن يقوموا اليوم بهذا الدور ، أن يقاتلوا ، ويقتلوا وهم يسمعون ، والوطيس ما يزال حاميا ،كلاما ينال من دورهم ومكانتهم ومستقبلهم في سورية ..فأي مسير سارالولي الفقيه ؟ واي طريق خسار اختار ..؟!

وعلى الصعيد الثالث ، ومع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها طهران بسبب نظام العقوبات ، و انخفاض سعر برميل النفط ، و المعارك التي يمولها الولي الفقيه في العراق و سورية و اليمن ...

تتوالى الأخبار اليوم عن انهيار آخر في سعر صرف الليرة السورية والدولار / 300 ليرة سورية . واتساع حجم الهوة الاقتصادية في سورية ، ليس فقط على مستوى متطلبات الحرب ، بل متطلبات الدولة والمجتمع المنهارين أيضا ، وحيث ميزانية رواتب موظفي القطاع العام هي الشعرة الوحيدة التي ما زالت تربط الموظف بجهاز الدولة الذي يزعم الوفاء له بشار ..

وكل هذه المتطلبات أصبحت ملحة تحت نظر الولي الفقيه كضريبة أولية للمضي قدما في الخيار الشؤم الذي اختار ..

عندما وصل حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية في إيران كتب في صحيفة أمريكية : إن معادلة إيران مع المجتمع الدولي ليست صفرية . ورأى الكثيرون في المقال مدخلا سياسيا عقلانيا ...ليبقى السؤال ومع كل المعطيات التي تؤكد خطل الخيار الإيراني في سورية ، وحجم الخسارة المفتوحة التي منيت والتي يمكن أن تمنى بها إيران فيها ، هل ما زالت المعادلة الإيرانية في سورية صفرية ؟! وهل ما زالت معادلة إما الأسد أو نحرق البلد هي المعادلة التي يختارها العقلاء ..؟! وهل ما زال عنوان الحرب الوجودية الذي فرضه حسن نصر الله على الشعب السوري ، ما زالا هما الاستراتيجية والخيار ؟! ودائما يجب أن يربط الجواب على هذا السؤال بالحقائق المقدمة أولا عن الوضع العملياتي والبشري والاقتصادي.

وإذا كانت إيران ما تزال تملك بعض الخيارات البديلة لمعادلتها الصفرية ، ولحربها الوجودية التي قررتها في سورية ، فإن الشعب السوري لا يملك بديلا عن خياره الوطني في دولة موحدة مستقلة حرة عزيزة كريمة. وفي مواجهة أي حرب تفرض عليه بكل الصمود والثبات والجرأة والحزم.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية