شبكات وتمويلات ومتطوعون ونفوذ واسع

شبكات وتمويلات ومتطوعون ونفوذ واسع

أمريكيون يُحذّرون من ممارسات اللّوبي الإسرائيلي

محمد ماضي – واشنطن

نظّم "مركز أبحاث سياسات الشرق الأوسط"، وهو مركز بحثي أمريكي متخصِّص في الصراع العربي الإسرائيلي، مؤخرا مؤتمرا في واشنطن خصصه للكشف عن بعض ممارسات اللّوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

في بداية الفعالية، أوضح غرانت سميث، مدير المركز، أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية، المعروفة اختصارا باسم "إيباك" والتي تقود عملية الضغط السياسي على صنّاع القرار في الولايات المتحدة، وتكاد تتحكّم في أعضاء الكونغرس، لا تعمل بمفردها، وإنما هي مِظلة لشبكة من المنظمات اليهودية الأمريكية، يزيد عددها على 350 منظمة، منتشرة في كافة أنحاء الولايات المتحدة ويعمل بها 14 ألف موظف، ويساعدهم في الترويج لمصالح إسرائيل وترهيب المعارضين لسياساتها، 353 ألف متطوِّع. وأفاد سميث بأنها تجمع تبرّعات تصِل إلى 3.7 مليار دولار سنويا، ترسل بعضها إلى إسرائيل وتَستخدِم الباقي في دعم المرشّحين المُوالين لإسرائيل في الكونغرس واجتذاب معلِّقين متخصِّصين في الترويج لصالح إسرائيل في الإعلام الأمريكي.

وأشار غرانت سميث أيضا إلى أن اللّوبي الإسرائيلي "يستعين كذلك بكنائس اليمين المسيحي ومراكز الأبحاث التي تتبنّى الترويج للسياسات والممارسات الإسرائيلية، مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، والذي يُعدُّ الذراع الرئيسية للّوبي الإسرائيلي، في التأثير على صنّاع القرار من خلال أوراق بحثية تروّج لسياسات إسرائيل الرافضة للسلام، يتِم طرحها بإلحاح حتى يتبنّاها بعض أعضاء الكونغرس"، على حد قوله.

 

الكونغرس أولا.. وأخيرا

من جهته، شرح إم. جيه. روزنبرغ، الموظف السابق باللوبي الإسرائيلي، كيف أن تسعة وعشرين يهوديا أمريكيا من أعضاء الكونغرس يتحوّلون إلى صقور في أي مشروع قرار يتعلّق بالفلسطينيين أو يمس إسرائيل، وهم لا يختلفون كثيرا في تشدّدهم عن معظم أعضاء الكونغرس من الحِزبين في أي تصويت يتعلّق بالصراع العربي – الإسرائيلي، أو مساندة إسرائيل في حروبها المتتالية في غزة مثلا.

ويفسر ذلك بقوله: "تتحدَّد توجّهات أي عضو من أعضاء الكونغرس إزاء السياسات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، بمدى تأثير الأموال التي يضخّها اللوبي الإسرائيلي، إما لدعم حملته الإنتخابية أو التلويح باستخدامها لدعْم مرشَّح منافِس له أكثر تحيّزا ومساندة لإسرائيل".

وضرب مثالا على ذلك، بوقوف أغلبية الأعضاء الديمقراطيين مع رئيس وزراء إسرائيل، مساندين رفضه لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، على أساس خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، رغم أن الذي طرح هذه المبادرة كان الرئيس الديمقراطي باراك أوباما نفسه.

أما عضو الكونغرس نيك رحال، وهو عربي أمريكي اشتغل في الكونغرس منذ عام 1977، فأشار في مداخلته إلى أن اللوبي اليهودي "لا يكشف عن مصادر تمويله ولا كيف يستخدمها"، وهو ما فتح الباب على مِصراعيه للتأثير على أعضاء الكونغرس "من خلال تمويلٍ انتخابي لا يخضَع لرقيب ولا حسيب"، حسب زعمه.

وقال رحال في تصريح لـ swissinfo.ch: "هناك مجموعة من أصحاب المليارات من اليهود الأمريكيين يتحكّمون في زعماء الكونغرس من الجمهوريين، من خلال استغلال الثغرات الموجودة في نظام تمويل الحملات الإنتخابية، وهم الذين وقفوا وراء دعوةالجمهوريين لنتانياهو (في شهر مارس 2015)، ليُحرِّض الكونغرس ضد الإتفاق المُحتمل مع إيران حول برنامجها النووي، دون التشاور مع البيت الأبيض"، على حد قوله.

 

التحكم في تشكيل الوعْي 

وإدراكا منه لأهمية الإعلام والتعليم في تشكيل وعْي الأمريكيين، عمل اللّوبي الإسرائيلي منذ سنين على ربط العرب والمسلمين، والفلسطينيين بصفة خاصة، بالإرهاب وإلصاق تُهمة مُعاداة السامية بكل مَن ينشط في انتقاد ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور جاك شاهين، المتخصص في دراسة الصُور السلبية النمَطية عن العرب والمسلمين في الإعلام والسينما الأمريكية: "يرجع الفضل في ذلك، إلى منتجين سينمائييْن إسرائيلييْن، هما مِناحم جولان ويورام غلوباس، اللذين أنتجا منذ عام 1980 وحتى الآن 30 فيلما تفنّنت في تشويه كل ما هو عربي أو فلسطيني، واستخدام شاشة السينما والتليفزيون لتحقيق ثلاثة أهداف: أولا: ترسيخ الإدّعاء القائل بأن فلسطين كانت "أرضا بلا شعب" في أذهان الأمريكيين. وثانيا: محاولة إقناع الأمريكيين بأن "القدس كانت وستبقى عاصمة للشعب اليهودي". وثالثا: أن الفلسطينيين أشخاصٌ "يجري العنف والإرهاب في دمائهم".

وقال جاك شاهين لـ swissinfo.ch: "يكفي أن يُشاهِد الأمريكيون مُمثلا محبوبا، مثل كيرك دوغلاس في دور مستشار عسكري أمريكي يساعد إسرائيل ويردد في الحوار نفس الدعايات الإسرائيلية فيقول لمساعده بالحرف الواحد: إسرائيل محاطة بخمس دول عربية مستعدة لإلقاء اليهود في البحر!".

ويضرب البروفيسور شاهين مِثالا على تحريض الأفلام التي تُنتجها هوليوود، على الشعور بالكراهية والخوف من العرب والفلسطينيين فيقول: "أظهر فيلم (الأحد الأسود) إمرأة فلسطينية تقود هجوما إرهابيا على خمسة وثمانين ألفا من المدنيين الأمريكيين، أثناء حضورهم مباراة بطولة كرة القدم الأمريكية، بوحشية تنزع عن الفلسطينيين أي وجه إنساني".

 

إسكات الأصوات في الجامعات الأمريكية

في سياق متصل، وفي محاولة للتحكّم في وعْي الأجيال الجديدة من الشباب الأمريكي، يركِّز اللوبي الإسرائيلي على محاولة إسكات حركة شبابية مُتنامية في الجامعات الأمريكية، تدعو لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ويُساندها عدد من أساتذة الجامعات.

وفي هذا الصدد، أفادت ديما الخالدي، مديرة مؤسسة المساندة القانونية للتضامن مع فلسطين" أن "المنظمات اليهودية التابعة للّوبي الموالي لإسرائيل والمُنتشرة في الجامعات الأمريكية، تستخدم تكتيكات مُعيَّنة لترهيب النشطاء المُناهضين لإسرائيل". وهي تشمل: "أولا: تصوير نشاطات هؤلاء الطلاّب على أنها تخلق مناخا عدائيا للطلاّب المساندين لإسرائيل. ثانيا: استخدام حملات التشويه والتشهير بالطلاب والاساتذة، على أنهم مُعادون للسامية أو مساندون لمنظمات إرهابية. ثالثا: رفع قضايا تُجبر مسؤولي الجامعات على التدخّل في ممارسة الطلاّب للديمقراطية".

ولذلك، تقدِّم ديما الخالدي والمحامون في مؤسستها مساعدات قانونية لمساندة نشاطات الطلاب، التي تحاول حشد التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني. وفي هذا الصدد، روى الطالب الفلسطيني أحمد سعد الدين، خرِّيج جامعة جنوب فلوريدا، كيف أمكن للطلاب العرب والأمريكيين الوقوف في وجه عقبات هائلة واجهت نشاطهم في الترويج للمطالبة بوقف الإستثمارات الأمريكية في إسرائيل، للضغط من أجل سلام عادل وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فقال: "عندما اعترض رئيس حكومة الطلاب، وهو عضو نشط في اللوبي الإسرائيلي بمساعدة محامي الجامعة، باعتبار الحملة نشاطا سياسيا يُخالف ميثاق الجامعة استَعان الطلاّب بمحامٍ أمريكي هدّد الجامعة برفع دعوى ضدها لانتهاكها للدستور الأمريكي".

وقد انتهى الأمر، كما يقول أحمد سعد الدين، بـ "رضوخ كثير من الجامعات الأمريكية لإرادة الطلاب في تمرير حملة المطالبة بوقف الإستثمار في إسرائيل، رغم جهود اللوبي الإسرائيلي بالتمويل والتّشويه والضغط على الجامعات"، من خلال تهديد مُقدِّمي المِنح المالية للجامعات بوقف مساعداتهم، إذا لم تتدخّل لوقف الحملة.