الخلفية التاريخية لمشكلة الصحراء المغربية (1)

الخلفية التاريخية

لمشكلة الصحراء المغربية (1)

الحسان القاضي

[email protected]

 إن الباحث في تاريخ المغرب منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم ليجدن نفسه أمام حقيقة تاريخية موحدة النتيجة، عندما يستنتج بشكل بديهي واضح أن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين لها أصول صحراوية وانطلقت من الصحراء (1 )، و بالتالي فمن الناحية التاريخية لم يكن هناك كيان سياسي مستقل عن المؤسسة السلطانية طيلة كل هذه الفترة ،بل إن الصحراء كانت منطلقا و مهدا لتلك الدول. وهو ما جعل سكان الصحراء يتشبثون بانتمائهم للمغرب أرضا و ثقافة و شعبا ، ويتأكد هذا بشكل جلي أيضا من خلال ما كتبه العديد من الرحالة والجغرافيين والمؤرخين الأوربيين الذين جالوا عبر هذه المنطقة في بداية القرن الماضي ، ولا حظوا إلى أي حد كان المواطنون الصحراويون متشبثين بمغربيتهم (2 ). 

 ولعل ما خلصت إليه بعض الدراسات حول تاريخ المغرب من حيث تميزه بتتابع مجموعة من الدول على الحكم ، إلا أن "الدول" التي انطلقت من الجنوب المغربي، أو قامت بمساعدة من الجنوب المغربي كانت فترة حكمها طويلة، و دليل ذلك تلك الفترة الزمنية التي عاشها المرابطون والمرينيون والسعديون والدولة العلوية (3 ). 

 فطول عهد "الدول" التي حكمت المغرب عبر تاريخه منذ الفتح الإسلامي مرتبط بعلاقات هذه الدول بالجنوب المغربي ، وعلى هذا الأساس نستنتج أنه لا استقرار للحكم بالمغرب لفترة طويلة إلا بتعاونه مع الجنوب المغربي ، فلا مغرب إذن بدون الصحراء، وهذا ما يدفعنا إلى القول أن الصحراء صنعت تاريخ المغرب ، ومن هنا أيضا نفهم مدى الإهتمام الذي أبداه الملوك المغاربة للجنوب ، وجعلوه من أولوياتهم وعينوا خلفاء لهم هناك ومن أفراد أسرهم ، الأمر الذي يبرر الأهمية التي كانت تعطى للجنوب المغربي ، فنتج عن اقتران التاريخ المغربي بصحرائه ديناميكية وحركية ، جعل من الصحراء المغربية فاعلا أساسيا في تاريخ الحياة السياسية المغربية

وعبر التاريخ الوسيط إلى غاية القرن التاسع عشر، حيث التوغل الاستعماري داخل إفريقيا، احتلت الصحراء مكانة هامة في نسج خيوط اقتصاد المغرب، وذلك بفضل طرق تجارة القوافل التي ربطت شمال القارة بجنوبها عبر الصحراء، فكان للأسر الحاكمة للمغرب دور في ذلك سواء بتوفير الحماية للقوافل أو بتوفير نقط المياه عبر تشييد الآبار، فالصحراء كانت مسرحا لحركات تجارية هامة منذ القرن الحادي عشر ، وخصوصا في عهد السعديين في القرن الخامس عشر. وقد حرص ملوك المغرب على ضمان الراحة والأمن لسالكي هذه المسالك وقاية لهم من المهالك ، وعبر طرق القوافل الصحراوية المغربية كان ملوك المغرب والسودان يتهادون التحف والهدايا (4 ).

فالصحراء ليست فقط مغربية باعتبارها جزءا لا يمكن فصله من التراب المغربي، بل و بالإضافة إلى ذلك هي من منابع تاريخه، فالدور الذي لعبه المغرب في تاريخ الصحراء ، والدور الذي لعبته الصحراء في تاريخ المغرب باعتبار الوطن الواحد أعمق أصالة من أن يستطيع الاستعمار طمسه (5 )

إن تصفح تاريخ منطقة المغرب العربي الكبير ليؤكد بأن الصحراويين كانوا مندمجين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية للدولة المغربية ، و بالتالي فقد شملت علاقات التفاعل المتبادل بين الإقليم الصحراوي والأقاليم المغربية الأخرى عدة جوانب سواء التجارية ، العسكرية ، الدينية ، الاجتماعية والسياسية، فالاندماج إذن بين الأقاليم الصحراوية وباقي التراب الوطني هو حقيقة موضوعية ثابتة (6 ).

وبناء على هذه الاعتبارات، يكمن القول بأن الصحراء تشكل العمق الاستراتيجي للدولة المغربية منذ القدم ، ويعود تاريخ ارتباط الصحراء بالمغرب (7 ) إلى حوالي سنة 1050 عندما بسط الموحدون المنحدرين من قبائل صنهاجة سيطرتهم على مختلف مناطق المغرب. و نفس الكلام ينطبق على أشراف الدولة السعدية،من حيث أصولها الصحراوية، و الذين حكموا البلاد في القرن السادس عشر الميلادي، وقد وصلت سيادة المغرب في عهد السلطان المنصور سنة1578 إلى حدود نهر السنغال ، ومع تولي أشراف تافيلالت (العلويين ) للزعامة السياسية في المغرب و قيام دولتهم، تواصل ارتباط المناطق الصحراوية بالحياة السياسية والاقتصادية للمغرب ، خصوصا من خلال الروابط الاقتصادية القوية التي شكلتها التجارة في المناطق الواقعة ما وراء الصحراء.

فالصحراء الغربية ترتبط بالمغرب بروابط ضاربة في أعماق التاريخ؛ و ذلك منذ تأسيس الدولة المغربية مع الأدارسة (788974م )؛ حيث ظلت مناطق الصحراء خاضعة للسيادة المغربية؛ سواء عبر روابط البيعة؛ التي تحدد أسس الشرعية السياسية؛ أو عبر التواجد السياسي المغربي؛ من خلال تعيين القواد و شيوخ القبائل؛ و من خلال جباية الضرائب؛ و كذلك من خلال توقيع المعاهدات مع الدول الأجنبية (8 ).

هذه المظاهر تؤكد أن المغرب مارس لقرون سيادة كاملة على امتداده الصحراوي؛ باستثناء بعض المراحل التاريخية؛ التي ضعفت خلالها الدولة

المغربية؛ و تعرضت نتيجة ذلك لهجمات استعمارية؛ سواء خلال المرحلتين المرينية (1244 1465 ) أو الوطاسية (14721552 ) حيث بدأ التسرب الإسباني – البرتغالي إلى داخل المغرب؛ و منه المناطق الصحراوية. أو خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ حيث تم فرض السيطرة الاستعمارية الإسبانية الفرنسية؛ بعد هزيمة المغرب في معركتي إيسلي 1844 و تطوان 1860 (9 ).

فلا يمكن دراسة التاريخ الخاص بمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب وفصله عن سياق الأحداث الواقعة بالمغرب ، كما يستحيل فصل التطور التاريخي للقبائل الصحراوية عن نظيره بالمغرب في مجموعه ، لأنه يتشكل مع تاريخ المغرب.

إن هذه الحقائق التاريخية الثابتة؛ لا تؤكدها فقط المصادر التاريخية المغربية؛ حتى لا نتهم بالتحيز و الذاتية؛ و لكن تؤكدها أيضا الوثائق التاريخية الأجنبيةْ (10 ) كما تؤكدها المعاهدات التي أبرمها المغرب مع مجموعة من الدول الأجنبية (11 ). مما يعني بالملموس أن المغرب ظل لقرون مرتبطا بامتداده الصحراوي؛ الذي يمنحه طابعه الإفريقي؛ و لم يفرط فيها في أية مرحلة من تاريخه .

 (يتبع)

 * طالب ماجستير قسم الدراسات التاريخية

معهد البحوث و الدراسات العربية

جمهورية مصر العربية

Tel Maroc: 00 212 6 60 56 55 36

Egypte: 00 20 11 53 96 71 49

email:[email protected]

الهوامش:

 (1 ) عبد الحكيم بديع ، البوليساريو من التأسيس إلى التفكك ، الرباط ، (بدون ذكر اسم دار النشر ) ، 1995 ، الطبعة الأولى ، ص 14.

 (2 ) خالد الناصري ، "الصحراء المغربية: نظرة واقعية ومتبصرة" ، وارد في: معركة فلسطين العربية ومعركة الصحراء المغربية معركة وحدة الأمة العربية المتحررة ، مؤلف جماعي ، الدار البيضاء ، مطابع البيان ، يوليوز 1979 ، ص 19.

 (3 )عبد الحق غوفير، الصحراء الغربية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، جامعة محمد الخامس ، كلية الحقوق بالرباط ، 19931994 ، ص 85.

 (4 ) عبد الوهاب بن منصور ، حفريات صحراوية مغربية ، الرباط ، المطبعة الملكية ، 1975 ، ص 23.

 (5 ) عبد المجيد بن جلون ، مذكرات المسيرة الخضراء ، الدار البيضاء ، شركة الطبع والنشر ، 1975 ، ص 32.

 (6 ) عبد السلام المودن ، الدولة المغربية : قضايا الديمقراطية ، القومية والاشتراكية ، الدار البيضاء ، عيون المقالات ، 1990 ، الطبعة الأولى ، ص 72.

 (7 ) "أدلة دامغة تؤكد مغرية الصحراء" ، مجلة الأمن الوطني ، العدد 196 ، ص 6.

 (8 ) إبراهيم حركات المغرب عبر التاريخ الجزء الثالث الدار البيضاء دار الرشاد الحديثة 1985 – ط: 1، ص 97

 (9 ) إبراهيم حركات،المرجع السابق،ص 97.

 (10 ) كتاب للمؤرخ الإسباني (أنطونيو روميو دي أرماس ) بعنوان " إسبانيا في إفريقيا الوسطى، صادر عن مؤسسة الدراسات الإفريقية التابعة للمجلس الأعلى للدراسات العلمية بمدريد؛ حيث أورد مجموعة من الوثائق تتعلق بالتواجد الإسبانيالبرتغالي في الجنوب المغربي؛ خلال العهدين المريني و الوطاسي؛ إذ جاء الجزء الثاني من الكتاب في 310 صفحة؛ تضمنت 161 وثيقة متنوعة ما بين رسائل ومراسيم وتوكيلات ومحاضر ومعاهدات وشهادات وإعلانات ومذكرات وإيصالات ومواثيق؛ تتعلق بالسواحل المغربية، و بشكل خاص الساحل الأطلسي الجنوبي الذي سماه مؤلف الكتاب "الساحل الأفريقي"، ويقصد به المناطق المحصورة بين رأس إيغير ورأس بوجدور. وفي الصراع الإسباني البرتغالي حول مناطق النفوذ في الجنوب الصحراوي المغربي؛ اورد أن البرتغاليين هم السباقون إلى تأسيس حصن بالمجال الترابي لقبيلة ماسة؛ التي دخلت ضمن حمايتهم في 11 يناير 1479.فكان رد الإسبان بناء حصن على الساحل القريب؛ سمي (حصن سانتاكروز )

 (11 ) ابرم المغرب مجموعة من الإتفاقيات مع الدول الأجنية كإسبانيا (معاهدات:1767، 1799 ) و الإنجليز (معاهدتي 1801 و1895 ) و الولايات المتحدة الأمريكية (اتفاقية 1786 و هي التي جددها السلطان عبد الرحمان بن هشام في 16 شتنبر 1836 حملت نفس الشروط.

-- ------------------------------------------------------------------------

الجزء الثاني:

 تتمة موضوع:- الخلفية التاريخية لمشكلة الصحراء المغربية-(2)

إعداد: الحسان القاضي*

 2 - التوغل الاستعماري في منطقة الصحراء المغربية:

 إذا كان سقوط الخلافة الإسلامية في الأندلس بعد حكم استمر سبعة قرون، وتفكك أقاليم المغرب إلى دويلات تتقاتل فيما بينها من العوامل الرئيسية التي شجعت أوروبا على بدئ إطلاق مشروعها الاستعماري تجاه المغرب .

فإن نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر، عرف قيام الدول الأوروبية بمحاولات استكشافية استهدفت مناطق عديدة في العالم، و منها بطبيعة الحال إفريقيا، و لكن سرعان ما تحولت هذه المحاولات الاستكشافية إلى غزو استعماري اتخذ طابعا عسكريا في الاستيلاء على المناطق ذات الأهمية الحيوية، فكان من نتائج ذلك ظهور مستعمرات جديدة على امتداد المحيط الأطلسي حيث تسابقت الدول الاستعمارية الأوربية على تقاسم مناطق النفوذ في شمال وشمال غرب القارة السمراء.

و جدير ذكره أن الاستعمار البرتغالي هو أول من وصل سواحل الصحراء المغربية، حيث بدأ توغله في الجنوب حتى وصل إلى عمق الصحراء عام 1436 وأطلق عليها اسم " واد الذهب "(1)، حيث أقام عدة مراكز متناثرة اتخذ منها نقاطا لتجارة الرقيق.و شارك الأسبان البرتغاليين في بعض تلك المنشئات على المراكز الساحلية، و تكفي الإشارة هنا إلى البرج الذي أنشأه الأسبان سنة 1478م في مصب وادي" الشبيكة"، و الذي سيطالب الأسبان بإعادة عمارته، أثناء المفاوضات المغربية الأسبانية (2) عام 1766م

 وكما سبقت الإشارة إليه، فقد شكل انهزام المغرب أمام الجيش الإسباني، بداية دخوله في علاقات غير متكافئة مع الدول الاستعمارية الأوربية اضطر معها إلى قبول عدة معاهدات واتفاقيات كرست هيمنة الإسبانيين واستيلاْئهم على أجزاء ترابية بشمال المغرب وجنوبه، إذ التزم المغرب بمقتضى الفصل الثامن من معاهدة تطوان المبرمة في 26 أبريل 1860 بتسليم قطعة أرض لإسبانيا لإنشاء مركز للصيد في المكان الذي كان يوجد فيه برج "سنتا كروز Santa CRUZ De Mar PEQUENA " " (3)

3 - الصحراء المغربية في الاتفاقيات مع الدول الاستعمارية:

 ومن الطبيعي أن تبحث الدول الاستعمارية الأوربية عن مبرر قانوني يضفي صبغة الشرعية على توغلها بأقاليم الصحراء، فشكلت بذلك المعاهدات المبرمة مع المخزن، بداية التنافس الاستعماري على مناطق النفوذ بالصحراء المغربية، وسنكتفي بعرض نماذج لهذه الاتفاقيات الدولية نظرا لكثرتها وغزارة مواضيعها بداية نشير إلى بعض المعاهدات الدولية التي كان المغرب موضوعا لها، منذ القرن الرابع عشر، و يتعلق الأمر هنا بمعاهدتي : " الكوسوماس" ومعاهدة " سنترا" المبرمتين بين إسبانيا والبرتغال (4) ، حيث حددت المعاهدة الأولى اتفاق الطرفين على حدود مملكة مراكش في جنوب رأس بوجدور، ونفس الشيء نصت عليه المعاهدة الثانية وسمته مملكة فاس (المغرب الحالي).و تعترف المعاهدتان أن السلطة المغربية كانت تمتد إلى ما وراء رأس بوجدور.

أما المعاهدات المبرمة بين المغرب وإسبانيا في فاتح مارس 1767 م في المادة 18،(5) فنصت على أن السيادة المغربية تمتد إلى ما وراء وادي نون ، أي تمتد إلى جنوب المنطقة المجاورة للساقية الحمراء (6)،و هو ما كرسته أيضا اتفاقية فاتح مـارس 1799 م (الفصل 22) المبرمة بين المغرب وإسبانيا ، وتـلك المبرمة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في 1836 م ( الفصل 10) ، والاتفاقيتان اللتان أبرمهما المغرب مع بريطانيا في 9 دجنبر 1856 م، بالإضافة إلى المعاهدة الإسبانية المغربية المبرمة يوم 20 نونبر 1861 م(الفصل 38).

 ومن خلال دراسة هذه المعاهدات يمكن القول أنها مهدت للتسرب الاستعماري الأوربي إلى الصحراء الغربية و ذلك لسببين:

- أولا لإضفاء الشرعية القانونية على تواجدها بالتراب المغربي أمام قبائل الصحراء.

- ثانيا لتفادي منافسة الدول الاستعمارية الأخرى، و هو ما ستوضحه الاتفاقيات التي عقدتها هذه الدول فيما بينها،و التي يمكن أن نطلق عليها اسم اتفاقيات "التفاهم حول مناطق النفوذ الاستعماري بالمغرب" ، إذ تم توقيعها مباشرة بعد مؤتمر لندن 1884م – 1885م، وهو أول مؤتمر استعماري عقد بين الدول الأوروبية المعنية بالاستعمار، لإقرار الوضع القائم في إفريقيا وتنظيم ما بقى من أراضي القارة(7).

 ومن هنا نفهم الاتفاقية السرية الفرنسية – البريطانية المؤرخة في 5 غشت 1890 م(8) التي نصت على الاعتراف بالحماية البريطانية على جزر "زنجبار" و"بومبا" في المحيط الهندي ، مقابل الاعتراف لفرنسا بإمكانية احتلال الصحراء الوسطى الغربية للحصول على ممر في اتجاه الجنوب أي نحو النيجر وبحيرة تشاد (9)، و بالتالي فليس غريبا أن نرى إسبانيا تفاوض فرنسا من أجل اقتسام الأراضي المغربية برمتها، بحيث وقعت الدولتان في 27 يونيو 1900 م على معاهدة جزئية كانت تخص الأراضي الصحراوية المغربية وحدها، حيث كان حظ إسبانيا من تلك الصحراء الشاسعة القطعة الشاطئية الممتدة من الرأس الأبيض (نواديبو حاليا) في الجنوب إلى رأس بوجدور في الشمال ،أي منطقة وادي الذهب. ويمكن القول بأن سبب جعل رأس بوجدور حدا شماليا بين نفوذ الدولتين الاستعماريتين، يكمن في علمهما بأن بريطانيا كانت قد اعترفت بمغربية الأراضي الواقعة جنوب رأس جوبي في معاهدتها مع المغرب ليوم 13 مارس 1895م. وهو ما أقرته أيضا، - و لو ضمنيا- المعاهدات السرية الاستعمارية المشار إليها سلفا، بما فيها المعاهدة الإسبانية الفرنسية في 8 أكتوبر 1904م ومعاهدة 3 أبريل من نفس السنة، بل و حتى معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906 م، أتثبت سيادة المغرب على جميع أجزائه الجنوبية (10).

 4 - المعالجة الاستعمارية لمشكل الصحراء المغربية:

 إن مراجعة سياسية فرنسا الأفريقية خلال النصف الأول من هذا القرن تثبت، بدون أي التباس، أن السياسة الفرنسية تعتمد إما على الاستعمار المباشر وإما على خلق دويلات ترتبط بها مباشرة، تعجز على المدى المنظور، في الاستقلال عنها.

 هذه السياسة تفسر مخطط التقسيم الفرنسي للمغرب الأقصى الذي لم يكن خاضعا للدولة العثمانية، والذي لم تدخر جهدا في تجزئته إلى دول عند أول فرصة سانحة:

- عندما اندلعت ثورة الريف الأولى بقيادة عبد الكريم الخطابي في العشرينات ضد الاحتلال الاسباني في الشمال بشكل أساسي، اقترحت فرنسا على الخطابي إنشاء جمهورية في الريف مستقلة عن المغرب، إلا أن فشل المخطط الفرنسي أدى إلى تصفية الثورة، لكن أعقبه مشروع الظهير البربري عام 1930 م والذي فشل بدوره.

- عندما خاض الشعب المغربي معركة الاستقلال ضد فرنسا، تنازلت فرنسا عن قسم من المغرب عارضة مشروع تقسيمه إلى ثلاث دول: الدولة الأولى وهي المغرب الحالي من حوض المتوسط في الشمال إلى أغادير في الجنوب، ودولة في المنطقة الصحراوية الشرقية والغربية تشمل الساقية الحمراء ووادي الذهب وتندوف، وتكون عاصمتها تندوف، ودولة ثالثة في موريتانيا. و تفاصيل هذا المشروع الاستعماري أوردها علي الشامي في الجزء الخامس من كتابه الصحراء عقدة التجزئة في المغرب العربي.

فقد استطاعت فرنسا تحقيق ثلثي المخطط، حيث ساعدت على قيام دولتين هما المغرب موريتانيا: الأولى 1956 م والثانية 1959م-1960م، وبقي الثلث الأخير معلقا إلى الظروف الملائمة، انتظارا لمجيء قوة ملائمة تحمل المشروع وتتبناه.

و قد أدى توقيع هذه الاتفاقيات الثنائية ما بين اسبانيا و فرنسا إلى رسم حدود ما كان يعرف من قبل بالصحراء الإسبانية، و ذلك وفقا لأربع اتفاقيات فيما بين عامي 1900 م و1912م، بينما أصبح معظم المغرب محمية فرنسية، ما عدا منطقة الريف الخاضعة للاستعمار الأسباني ثم منطقة طنجة التي أصبحت دولية، و قد ظل الاستعمار الأسباني يحكم الصحراء المغربية حتى سنة 1975م، التي عرفت تطورات سياسية جرت بإسبانيا، ونتيجة تزايد أعمال المقاومة،و في أكتوبر 1975 م أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها القاضي بإثبات أن للمغرب و موريتانيا روابط مع قبائل الصحراء، مع ما لا يتعارض مع مبدأ حق تقرير المصير، و هو القرار الذي اعتبره المغرب سندا قانونيا يشرع السيادة المغربية على الصحراء، فوجه المسيرة الخضراء لتحريرها من الأسبان في نونبر 1975م(11).

 5 – الجهود المغربية لاسترجاع الصحراء:

 من المعلوم أنه مباشرة بعد حصوله على استقلاله, أكد ملك المغرب محمد الخامس رحمه الله في خطاب له بمحاميد الغزلان سنة 1958 م على مغربية الأقاليم الصحراوية وضرورة تصفية الاستعمار في هذه المنطقة. إلا أن المغرب لم يتمكن من طرح قضية المطالبة برحيل إسبانيا عن أقاليمه الجنوبية أمام الأمم المتحدة إلا في سنة 1964م, وقد تجاوبت الجمعية العامة بشكل إيجابي مع مطالبه, عندما حثت إسبانيا على منح الاستقلال لهذه المناطق بموجب القرار 1514 المرتبط بتصفية الاستعمار.

 وتعززت جهود المغرب تجاه تأكيد حقوقه على أقاليمه الجنوبية, بعدما أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيها الاستشاري بتاريخ 16 أكتوبر 1975 م والذي أكدت فيه أن الصحراء لم تكن عند احتلالها من قبل إسبانيا أرضا خلاء ولا مالك لها, كما اعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقة ولاء (البيعة) بين بعض القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب والمجموعة الموريتانية, غير أنه اعتبر أن هذه الروابط لا يمكن أن تلغي مبدأ تقرير المصير الشعوب كما نص عليها القرار 1514 الصادر عن الجمعية في دورتها الخامسة عشر (12). ولم يكن هذا الرأي مجرد حكم يمكن الاستناد إليه, ولكن كان أيضا حجة لإخراج هذه القضية من كهفها المظلم(13).

 وأمام هذه المعطيات, نظمت المسيرة الخضراء في السادس من شهر نونبر 1975 م وذلك بمشاركة 350 ألف مواطن باتجاه الصحراء(14), تحت أنظار أفراد القوات الإسبانية, التي أصبحت بحكم أوضاعها الداخلية لا تقدر على مواصلة مخططها الاستعماري بالإقليم, نتيجة احتضار رئيسها الجنرال فرانكو, وبداية دخولها مرحلة تحول سياسي على إثر وفاته, واستعادة خوان كارلوس العرش الإسباني(15).

وفي ظل هذه الأجواء أصدر مجلس الأمن قراره رقم 380 وأكد فيه على أهمية التفاوض بين الأطراف المعنية لتسوية النزاع طبقا للفصل 33 من ميثاق الأمم المتحدة, قبل أن يوقع المغرب وموريتانيا من جهة أولى وإسبانيا من جهة ثانية معاهدة مدريد في 14 نونبر 1975م التي أدت إلى رحيل القوات الإسبانية عن المنطقة وتقسيم إدارتها بعد ذلك بين المغرب وموريتانيا, الأمر الذي لم يرق الجزائر، مما دفع بها إلى تشكيل حركة سياسية صحراوية، و التي تجمعت عام 1973م حول منظمة سياسية و عسكرية اشتهرت باسم جبهة البوليساريو، فأعلنت من مخيمات تندوف استقلال "الجمهورية العربية الصحراوية"، وأسست حكومة المنفى في فبراير 1976 (16)، حيث اعترفت بها كل من الجزائر و ليبيا، لتهاجم بذلك المغرب و من بعده موريتانيا عندما تخلت عن ادعاءاتها الإقليمية في الصحراء عام 1979م (17).

لتدخل المنطقة برمتها في مرحلة توثر لا ينتهي ، مر خلالها ملف الصحراء المغربية عبر المنظمات الإقليمية ، كمنظمة الوحدة الإفريقية، التي عجزت عن إيجاد حل يرضي كلا الطرفين خاصة بعد إقحام البوليساريو في حظيرتها في قمة أديس أبابا نونبر 198 م (18)، بل إن موقفها من جبهة البوليساريو، كان سببا كافيا لانسحاب المغرب منها، و ليستقر بذلك في أروقة الأمم المتحدة ، مع العلم أن جامعة الدول العربية لم تقدم هي الأخرى أي حل يمكن اعتماده، لإنهاء نزاع موروث من الدول الاستعمارية، من شأنه تكريس الفرقة والتجزئة العربية، مما يعيق كل مشروع وحدوي عربي و لو حتى على المستوى النظري.

               

الهوامش:

1- فؤاد أخريف، قضية الصحراء ما بين التاريخ والقانون والسياسة، الرباط، مطبعة المعارف، 1988 ، ص27.

2- شارك الأسبان البرتغاليين في إنشاء بعض المراكز الساحلية، و لما أنشأت اسبانيا برج في مصبّ وادي " الشبيكة " 1478، تكمن المغاربة من استرجاعه، ثم أعاد الأسبان احتلاله في العام 1496م، فاسترجعه المغاربة ثانية في عام 1517م ليحتله الأسبان في السنة نفسها، ولم يتمكن المغاربة من استرجاعه إلا بعد مرور عشر سنوات أي في العام 1527م. وفي أثناء المفاوضات المغربية الأسبانية عام 1766م طلب الملك الأسباني كارلوس الثالث من المغرب الموافقة على إعادة اعمار البرج. لتنتظر أسبانيا 93 سنة كي تعود إلى المكان الذي كان يوجد فيه البرج لتنشئ به مركزا للصيد، بعد أن انتصارها في الحرب على المغرب عام 1860م عهد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام، وفرضت عليه صلحا يقضي بأن يسلم إلى أسبانيا قطعة الأرض التي كان بها البرج. وخلال هذه الفترة كان الوجود الاستعماري في المنطقة محدودا.

3- فؤاد أخريف، مرجع سابق ، ص27.

4- شبيهنا ماء العينين ، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني ، الرباط ، مطبوعات الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي ، 1995، ص42.

4- Rachid LAZRAK، le contentieux territorial entre le Maroc et l’Espagne، CASABLANCA، DAR el Kitab، 1979، p391

5- المادة 18 تنص على : "إن جلالة الملك يحذر سكان جزر الكاناري ضد أية محاولة للصيد في شواطئ وادي نون وما وراء ذلك ، وهو لا يتحمل أية مسؤولية فيما سيقع لهم من طرف العرب سكان المنطقة الذين من الصعب تطبيق القرارات عليهم ، إذ ليس لهم محل قار للسكنى وينتقلون كيفما يشاءون ويقيمون خيامهم حيث ما يطيب لهم" عن احمد السالمي الإدريسي في:الأقاليم الصحراوية في الاتفاقيات الدولية المغربية ما قبل الحماية

6- احمد السالمي الإدريسي "الأقاليم الصحراوية في الاتفاقيات الدولية المغربية ما قبل الحماية"، مجلة أبحاث، العدد الثامن، السنة الثانية 1985، ص23.

7- إلهام محمد علي ذهني، بحوث ودراسات وثائقية في تاريخ أفريقيا الحديث، مكتبة الأنجلو المصري، ط 1، القاهرة، 2009، ص 29.

la marocanité du Sahara، :http//www.courrierinternational.com/dossiers8-

Rachid LAZRAK .op.cit. p.137 -9

10- أورده محمد برادة، تفاصيل اتفاقية 5 غشت 1890 "اتفاق سري يؤكد مغربية الصحراء الغربية"، في عرض غير منشور القي من طرف الباحث على هامش الملتقى الوطني الأول حول "ثقافة الصحراء المغربية: المكونات والخصائص"، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك الدار البيضاء، شعبة اللغة العربية وآدابها، 12-13-14 أبريل 2000. نقلا عن: http//www.courrierinternational.com/dossiers

11- سها رجب: نزاعات الحدود في العالم العربي، مركز المحروسة للنشر و الخدمات الصحفية و المعلومات، المقطم، القاهرة، ط1،2009، ص 132.

12- الحسان بوقنطار: السياسة الخارجية المغربية, الفاعلون والتفاعلات, شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع, طبعة 2002, ص 5914

13- عبد الهادي مزراري: الصحراء المغربية, قرار الملك والشعب, مطبعة النجاح الجديدة 1997, ص 45.

14- بعد انسحاب إسبانيا من الأقاليم الصحراوية في 26 فبراير 1976، وعقب تخلي موريتانيا عن مطالبها في الصحراء وانسحابها منها في 19 غشت سنة 1979, تولى المغرب الإدارة الكاملة على هذه الأقاليم كجزء من ترابه, وفي نفس الوقت نهج سياسة تنموية طالت مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية بهذه المناطق.

15- الطاهر النوفالي: الصحراء المغربية بين مشروعية الاندماج ومشروع الانفصال, ص.28

16- سها رجب، مرجع سابق، ص:133

17- حسن عبد الخالق: البوليساريو لعبة تحت المجهر, مطبعة إليت, الرباط 1992 ص 5.

18- نفسه.