جراءة نون النسوة ..!

جراءة نون النسوة ..!

زغلول عبد الحليم

في عام 1965 تقدمت إحدى المتخرجات في قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية ببحث للحصول على درجة الماجستير وموضوعه: «دراسة في أصوات المد في التجويد القرآني» وهو بحث يقوم على مجازفات تجمع بين الانحراف والجهل كما يقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه حصوننا مهددة من داخلها والمنشور بمؤسسة الرسالة ببيروت عام 1982 الطبعة السابعة، ص219. ويستطرد الدكتور محمد محمد حسين قائلاً: وأعلن عن موعد المناقشة وشهدها جمع كبير لم أكن بينهم، ولكني عرفت من بعض الحاضرين أن الشيخ أمين الخولي (عضو لجنة المناقشة) بدأ مناقشاته برد الطالبة عن الكتابة في هذا الموضوع أصلاً لأنها تجهل أولياته وندد بما تضمنه بحثها من أحكام تستخف بعقائد المسلمين ومقدساتهم ثم كانت المفاجأة ما انتهت إليه اللجنة آخر الأمر وأعلنته على الناس حين قررت منح الطالبة درجة الماجستير بمرتبة جيد جداً. واشترطت اللجنة في قرارها هذا أن لا يطبع البحث إلا بعد تعديل بعض أجزائه. قامت الدنيا وانتهى الأمر إلى أن استجابت الجامعة إلى طلب التوقف عن منح الدرجة. ولكن جراءة النون لم تتوقف فشمرت جريدة المصور عن ساعديها بزعامة السيدة/ أمينة السعيد واستكتبت أقلام كثيرة للدفاع عن الرسالة ونعي حرية الفكر للعالم الحر ولا تزال هذه الجرأة حتى الآن تعمل عملها بل تزداد قوة بمرور الأيام، فلا أحد يقف ولا يستطيع أن يقف أمام نون النسوة!

قال الشاعر :

يُقاد للسجن من سب الزعيم ومن

سب الإله فإن الناس أحرار

خلط وتدليس أن نضع الحقائق محل الانطباعات وأن نخرج على الناس بأفكار ضد معتقداتهم بدعوى حرية الفكر التي روج لها الاستعمار وجند لها الكثير من أبناء الأمة، ومن عجب أن تخرج علينا إحداهن تقول (جسدي ملكي وحدي) وأخرى تقول (الإله يقدم استقالته) أي فكر هذا؟! أنه الاستهتار لاغير.

والجديد في الأمر هو ما قالته الروائية الجزائية فضيلة الفاروق في حديثها لمجلة الدوحة القطرية بعددها رقم (7) مايو 2008 وإليكم بعض حديثها:

(وصفي للجنس بهذه الصراحة كان من أجل أن أبين عذابات المرأة العربية التي تتزوج رجلاً يتعلم أشياء من ممارسات خارج مؤسسة الزواج).

(ما أعنيه بالتحرر الجنسي، أنه تحديداً أن تختار المرأة من تعاشر، أن تعرف كيف تمنح جسدها).

(عليها أن تقرر متى تريد أن تمارس الجنس ومتى ترفض ومتى تريد أن تحبل ومتى ترفض).

(أنا امرأة مسلمة وأفتخر بإسلامي جداً وأعتز به وحديثي عن الجنس لا يعني أنني ضد الإسلام).

وأكدت فضيله الفاروق (أن بداية الطريق إلى حرية المرأة أن تتعلم كيف تقول لا).

لقد أخرج «يهود» المرأة من بيتها فكان ما كان من خراب البيوت وضياع العيال وانقطاع وشائج الألفة بينها وبين زوجها وفساد أخلاقها. نهاية مزرية للمرأة الغربية، وقد أخذ العقلاء من الغربيين يشكون من جراء فساد أخلاق البنين والبنات وما صارت إليه الأمور هناك فقد وصل الأمر أنهم لا يعدون الزنا جريمة لكونه بزعمهم من كمال الحرية التي تتمتع بها المرأة إلا إذا زنى بها مكرهة أو زنى بها على فراش الزوج وقد انتقل هذا إلى مجتمعنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

أخرج «يهود» المرأة من بيتها:

قال العلامة الإنجليزي (سامويل سمايلس) وهو من أركان النهضة الإنجليزية (إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه يهاجم هيكل المنزل ويقوض أركان الأسرة ويمزق الروابط الاجتماعية ويسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة. إذاً وظيفة المرأة هي القيام بالواجبات المنزلية، ولكن المعامل تسلخها من كل واجباتها، وصارت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري والتوادد الزوجي والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيله).

دائرة المعارف، فريد وجدي، جـ8، ص639.

وتتفق هذه النظر مع الشريعة الإسلامية تمام الاتفاق وتقرأ الآن لكتاب الغرب المنصفين رأيهم في الاختلاط وخروج المرأة من البيت ما يؤكد عظمة شريعتنا وأنها شريعة الله الخاتمة.

إن جهل الناس بكنه حرية الرأي وحقيقة مضارها للأخلاق والأعمال والعقائد، إنما يقود العامة إلى الخروج عن الأخلاق الفاضلة وعن حدود الدين وآدابه ويؤدي بهم إلى الانقلاب والتضارب في الأفكار، ويتضخم الجهل، ويستفحل الكفر وتسود الفوضى في الجماعات والأفراد (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36).

أي مُهملاً يتصرف كيف يشاء لا. لقد خلقه الله مقيداً بحدود وحقوق وأمر ونهي ولكن جراءة الجهال لا تنهي ولا تقف عند حد.

هذا الدين الذي حكم العالم منذ ظهوره إلى ما قبل سقوط الخلافة العثمانية على يد الصنم مصطفى كمال لا يموت إنما فقط تذبل الأمة ويظل الدين رغم هذا الذبول حتى تستعيد الأمة قدرتها على القيام من جديد سنة من سُنن الله في الخلق ولا تبديل لها، لقد أراد الله لحمله هذا الدين أن يكونوا شهداء على الخلق أنها الأمة الشاهدة على الأمم.

إن الهجوم الشرس التي يشنه بعض أبناء الأمة على دينها وشريعتها لهو بلاء من البلاء، وهو نتاج حقيقي للتربية غير الإسلامية لأولادنا فخرجوا إلى الدنيا بمفاهيم عرجاء كتلك التي تنشرها إحداهن عن (الإله يقدم استقالته) ضرب من الجنون والسفه والانفلات والتقليد الأعمى لحماقات الغرب وسفالات بعض كتابه، ويقول الأستاذ/ محمد قطب (إن الدين الحق لم يصل إلى الغرب) لقد ابتلنا بالتقليد والنقل منذ أن ترجمت كتب اليونان إلى العربية فحدث الخلط العظيم بين العقيدة وما كتبه فلاسفة اليونان وراح كل واحد يلقي بالوم على الآخر حتى يشوه الباطل صورة الحق، ورأينا مفاهيم العبث وتعدد الآلهة والشهوات الفارقة في البهيمية تملأ كتبنا وأصبح لفرويد، وأوجست كونت، وأميل، حايم، ماركس، سارتر، سيمون دي بوفوار، كامي، دارون، الخ من قاموس (سلامة موسى) صاحب كتاب (هؤلاء علموني) .. وسيطرت أفكارهم على عقول البعض منا.

ماذا نتعلم من سارتر؟ نتعلم منه حياته غير الشرعية مع سيمون دي بفوار؟ ماذا نتعلم من فرويد؟ أو من غيره. ماذا كسب الدكتور/ عبد الرحمن بدوي الذي انقطع لدراسة سارتر والكتابة عنه والترويج لفكره؟! عاد إلى وطنه مصر وبث همومه في كتابين:

الأول: الدفاع عن القرآن ضد منتقديه.

الثاني : الدفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم.

وذهب إلى ربه قبل عدة سنوات.

ماذا كسب الدكتور/ عبد الرحمن بدوي مرة أخرى؟! إن قضيته التقليد والتبعية قضية مزورة ساقطة. وما نوال السعداوي، وغادة السمان، وفضيله الفاروق، مليكة مقدم، وغيرهن إلا نماذج مشوهة لأفكار مجموعة كتاب (هؤلاء علموني) لسلامة موسى، الضالون لا يعلمون أحد.

«تحرر المرأة يبدأ من الجنس» ! هذا ما تقوله وتطالب به الروائية الجزائية فضيله الفاروق! وهي في ذات الوقت تقول إنها «مسلمة تعتز بإسلامها»!! من تخاطب هذه السيدة؟ هل تخاطب المرأة العراقية المقهوة المشردة أم المرأة الصومالية الجائعة الضائعة؟ أم المرأة التي تحيا لتأكل بثديها؟ من تخاطب هذه السيدة؟! تخاطب المجتمع المخملي في ليل بيروت ودمشق والقاهرة؟! أم تخاطب المرأة المسكينة المقهورة في الأرض المحتلة؟! ثم منِ مَن تحرر المرأة ؟! من الذي يستعبدها؟! مقولة مفضوحة لا يقصد منها إلا إسقاط حرمة الحدود والتشريع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتصبح الناس كالحيوانات في سبيل أهوائهم وشهواتهم.

ألا تعلم هذه السيدة أن الشارع الحكيم قد فصل أمور الأسرة وما يتعلق بها على نحو غير مسبوق ولا ملحوق.

أمرك عجيب يا فضيله !!

إن أساس العلاقة بين الزوج والزوجة هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وأصل ذلك قول الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )(البقرة: من الآية228).

والأساس الذي وضعه الإسلام للتعامل بين الزوجين وتنظيم الحياة بينهما، هو أساس فطري وطبيعي. فالرجل أقدر على العمل والكدح والكسب خارج المنزل، والمرأة أقدر على تدبير المنزل، وتربية الأولاد وتيسير أسباب الراحة البيتية والطمأنينة المنزلية، فيكلف الرجل ما هو مناسب له، وتكلف المرأة ما هو من طبيعتها. وبهذا ينتظم البيت من ناحية الداخل والخارج دون أن يجد أي واحد من الزوجين سبباً من أسباب انقسام البيت على نفسه. وفي شرعنا الحنيف ما يفيد بأن على المرأة أن تقوم بخدمة البيت كما أن على الرجل أن يقوم بالإنفاق عليها. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم سائر أصحابه على خدمة أزواجهن مع علمه صلى الله عليه وسلم بأن منهن الكارهة والراضية. ولكن فضيله الفاروق ترى – وهي المعتزة بإسلامها – خلاف ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم!!

وكان على مجلة الدوحة ألا تنشر هذا الكلام الذي يخالف شعارها وهو (ملتقى الإبداع العربي والثقافة الإنسانية) وقبل هذا وذلك المخالفة الشرعية الواضحة بدعوى حرية الرأي. هذه ليست حرية رأي إنها فساد وإفساد هكذا بلا مواربة والأمة بكاملها في خطر داهم تحتاج إلى الكلمة الطيبة والقدوة الحسنة وقد دمر (الفن العربي)!! كل الكلام الطيب وصارت القدوة في الشر وانقلبت المفاهيم حتى داست ماشية يهود أعناقنا كما قال الشاعر محمد الفيتوري قبل سنوات طويلة. وكان لفساد معتقد حرية الرأي أكبر الأثر في تدمير حياتنا الاجتماعية: (الفرد، الأسرة، المجتمع) لقد قضت (مدرسة المشاغبين) و (العيال كبرت) على معظم المفاهيم التربوية وبعثرت مضامينها كما قضت الروايات الهابطة والأفلام المنحلة والدراما الساقطة على ما تبقى لدى المواطن البائس الفقير من قيم وامتلأت جيوب رجال تلك الصناعات بالمال الوفير فتربعوا على عروش زائفة ستهوي بهم في نار جهنم بما كسبت أيديهم وليراجع ما كتبه الأستاذ/ عصام حشيش بالصفحة الدينية بأخبار اليوم 15/11/2008 نحن لا نحاسب خلق الله على أفعالهم فحسابهم على الله، ولكن إحساسنا بالمرارة ملك علينا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اختصرت فضيله الفاروق (الاسم المختار بدلاً من اسمها الحقيقي) اختصرت عذابات المرأة العربية في الأمور المتعلقة بالجنس والتي تتكون لدى الرجل قبل أن يتزوج!! هذه كل عذابات المرأة العربية في نظر الروائية الجزائية! لم تشمل العذابات الفقر والمرض والجهل. لمن تكتب هذه المرأة؟! لماذا لا تكتب عن المرأة في دارفور، ومقديشيو، والبوسنة ومعانتهن من أجل لقمة خبز. إن هذه المرأة مترفة وكل من ينهج منهجاً فهي تسير على خط الشاعر (نزار قباني) الذي كتب يوماً قائلاً: (حرية الوطن لن تكون إلا بتحرير جسد الأنثى من الاستبداد الذكوري) ! كلام أفرغ من الفراغ.

والحقيقة إن الأمة تمر بأزمة ثقافية متراكمة سببها الوحيد بُعد هذه الأمة عن (الدين الحق) وتعلقها في الوقت نفسه (بالتدين المنقوص) ورحم الله فقيد الأمة شيخنا محمد الغزالي صاحب هذا التعبير الدقيق الجميل.

أيها العقلاء اعتبروا وفكروا واعلموا أن المسلمين إنما نكبوا في مجتمعهم وأخلاقهم بعد ما نكبوا في نظام عائلتهم وفساد تربيتهم لنسائهم وأبنائهم التربية الدينية الصحيحة المبنية على التحلي بالفضائل والتخلي عن منكرات الأخلاق والرذائل وبسبب إهمالهم لحُسن تربيتهم وفساد تعليمهم فساءت طباعهم وفسدت أوضاعهم.

لأنه إذا ساء التعليم ساء العمل وإذا ساء العمل ساءت النتيجة.

(وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: من الآية41).