الحقوق المالية والاقتصادية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي

الحقوق المالية والاقتصادية لغير المسلمين

في المجتمع الإسلامي

دندل جبر

أولاً: عصمة الأموال

الأقليات الدينية من أهل الكتاب ومن على شاكلتهم هم رعايا ومواطنين في الدولة الإسلامية لهم أن يأمنوا على أموالهم وألا يلحقهم ظلم أو أذى فيها من أي كان. وعلى الدولة أن تحفظ لهم عهدهم بعصمتها وعدم الاعتداء عليها، فشأنها في الحفظ والأمان شأن أموال المسلمين سواء بسواء.

وجاء تأكيد هذا الأمر في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وسنة صحابته وعهودهم رضي الله عنهم، وأقوال وأفعال وفقهاء المسلمين وعلمائهم ومفكريهم.

أ- السنة:

فقد وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذر من إيذاء أهل الكتاب أو ظلمهم سواء كان ذلك في أموالهم أو دمائهم، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:

- "من ظلم معاهداً أو أنقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة" (رواه أبو داود عن عدة من أبناء الصحابة).

ب- أقوال الصحابة وعهودهم:

ومما ورد في ذلك:

- عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (بيت المقدس): "هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها، وسائر ملتها..." (تاريخ الطبري – جـــــ 3 – ص609).

- عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعد أن طعن بيد المجوسي، وقبل أن يغادر الدنيا لم ينس أن يوصي الخليفة من بعده بأن لا يكلف أهل ذمة رسول الله فوق طاقتهم وألا يظلموا في أموالهم فيقول:

"أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً، أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم" (أبو عبيد – الأموال – ص62، الخراج لأبي يوسف – ص135).

- وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلن مساواة الأقليات من أهل الكتاب للمسلمين في حرمة المال والدم وعصمتها، فيقول: "إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا" (المغني لابن قدامة – جـــــ 10 – ص623. الدر المختار يشرح تنوير الأبصار – جــــ 2 ص344).

- وجاء في كتاب عتبة بن فرقد إلى أهالي أذربيجان: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيحان سهلها وجبلها وحواشيها وأهل مللها كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وشرائعهم.." (تاريخ الطبري – جـــــ 5 ص250).

- وجاء في كتاب سراقة بن عمرو لأهل أرمينية: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شهربراز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وملتهم ألا يضاروا ولا ينتقصوا..." (المصدر السابق – جـــــ 5 ص257).

جــــ- أقوال وأفعال فقهاء المسلمين وعلمائهم ومفكريهم ومن ذلك:

يؤكد الفقهاء أن من حق الأقليات من أهل الكتاب ومن على شاكلتهم أن يعيشوا في دولة الإسلام مواطنين آمنين على أنفسهم وأموالهم.

بل إن بعض الفقهاء صرح بأن ظلم المعاهد أشد من ظلم المسلم إثماً، وهذا الرأي قال به ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار على شرح الدر المختار).

- يقول القرافي: "عقد الجزية (العهد الذي يعطى للأقليات الدينية في الدولة الإسلامية) موجب لعصمة الدماء وصيانة الأموال والأعراض..." (القرافي جـــ 3 ص11 – 14).

- ويقول ابن قدامة في المغني: "حكم أموالهم حكم أموال المسلمين في حرمتها" (المغني – جـــ 8 ص444 – 445).

- وجاء في السير الكبير وشرحه: "وأهل الذمة (أهل العهد) ... كالمسلمين.. فالحكم في أموالهم إذا وقع الاستيلاء عليها كالحكم في أموال المسلمين" (السير الكبير وشرحه – الإمام محمد بن الحسن والسرخسي – جـــ 4 ص1299).

- وجاء في كتاب قوانين الأحكام الشرعية في المالكي (المسألة الثانية) ما نصه: "وأن نكف عنهم ونعصمهم بالضمان في أنفسهم وأموالهم..." (قوانين الأحكام الشرعية – ص176).

- حدث في عام 1981م ما يعرف بأحداث الزاوية الحمراء حيث حدث شجار بين بعض المسلمين وبعض الأقباط أدى إلى قتل الكثيرين من الفريقين.. مما اضطر دار الافتاء في مصر إلى إصدار الفتوى رقم 1318، ومما ورد فيها:

1- لا تفرقة في الإسلام بسبب الدين أو الجنس أو اللون.

2- دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم". (عن الشيخ عبد الحميد السايح – مدخل إلى معاملة غير المسلمين في الإسلام – المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – مؤسسة آل البيت – جـــــ 1 ص16 – عمان – 1989م).
- وينقل الدكتور إدوار غالي الذهبي عن الدكتور يوسف القرضاوي قوله: الخمر والخنزير لا يعتبران عند المسلمين مالاً متقوماً، ومن أتلف لمسلم خمراً أو خنزيراً لا غرامة عليه ولا تأديب، بل هو مثاب مأجور على ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يمتلك هذين الشيئين لا لنفسه ولا لبيعهما للغير. أما الخمر والخنزير إذا ملكهما غير المسلم فهما مالان عنده، بل من أنفس الأموال كما قال فقهاء الحنفية، فمن أتلفهما على الذمي (المعاهد) غرم قيمتها" (الدكتور إدوار غالي الذهبي – معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي – طـــ 1 – 1993- ص97 – 98).

ثانياً: حق الملك

"وقد صرح الفقهاء بأن المعاهد في المعاملات كالمسلم (شرح السير الكبير – جــــ 1 ص207) وكذلك له التمتع بالحقوق المالية، فله أن يباشر جميع التصرفات القانونية لكسب الأموال سواء أكانت منقولة أم غير منقولة، وسواء باشر هذه التصرفات مع المسلمين أو غير المسلمين، فقد نص الفقهاء على أن معاملة أهل الذمة (غير المسلمين) جائزة وإن كانوا يستحلون بيع الخمر والخنازير ويعملون بالربا" (المقدمات لابن رشد جـــ2 ص289) وحق الملكية حق مصون لا يجوز لأحد التعرض له بشأنه، فقد نص الفقهاء على أن "حكم أموالهم حكم أموال المسلمين في حرمتها" (المغني لابن قدامة – جـــــ 8 ص444 – 445) وله مطلق التصرف في أمواله كما هو الحال بالنسبة للمسلمين" (الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام الذميين والمستأمنين – ص130 – 131).

وكل هذا يدل على أن لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حق التملك للأموال لأن عقود هذه المعاملات تحتاج للأموال وهم طرف فيها.

- وجاء في المغني لابن قدامة: "إذا أحيى الذمي (المعاهد غير المسلم) أرضاً فهي له، لا فرق بينه وبين المسلم" (جـــــ 10 – ص623) فالكلام صريح في حق التملك لغير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية، لأنهم مواطنون من مواطنيها شأنهم في هذا شأن المسلمين.

ثالثاً: حق الانتفاع بالمرافق العامة للدولة

لغير المسلمين من أهل العهد في المجتمع الإسلامي حق الانتفاع بالمرافق العامة للدولة الإسلامية – شأنهم في ذلك شأن المواطنين من المسلمين – كوسائل المواصلات ومشاريع الري والكهرباء، ومياه الشرب ونحو ذلك، ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار" (أبو عبيد – الأموال – ص295) ولفظ الناس بعمومه يشمل الرعايا المسلمين وغير المسلمين من أهل الذمة والمستأمنين، لأن أهل الذمة يصيرون بمقتضى عقد الذمة (العهد) الذي يبرمونه مع الدولة الإسلامية من رعايا هذه الدولة، ما داموا على العهد ولم ينقضوه، وبديهي أن من لوازم هذه المواطنة استحقاقهم الانتفاع بالمرافق العامة، ولأنهم يلتزمون بوجائب مالية يدفعونها للدولة... وهذه الأموال ترصد – عادة – في بيت المال للمصالح العامة والمرافق منها، فمن البديهي والمعقول أن لا يحرموا من الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لجميع رعاياها. (الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام الذميين والمستأمنين – ص102).
رابعاً: حق العمل والتمتع بأمور التجارة والمعاملات والبيوع

وسائر التصرفات المالية

ينبثق عن العهد الذي يعطى لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حق المواطنة، وينبثق عن هذا الحق حرية العمل لغير المسلمين وممارسة أسباب الرزق وأنواع الكسب المشروع.

ولهذا ضمن الإسلام لغير المسلمين الحق في العمل والتجارة وممارسة كل أوجه النشاط الاقتصادي، سواء بالتعاقد مع الغير أو بالعمل لحساب أنفسهم، ولهم مزاولة ما يرغبون من المهن الحرة، وأن يساهموا في بناء الوطن في حدود قوانين الدولة وتشريعاتها.

وبناءً على هذا الحق فقد تمتع غير المسلمين في إطار المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية منذ بزوغ فجر هذه الدولة في المدينة المنورة.

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل معهم كما هو الشأن في التعامل مع المسلمين في كثير من المعاملات والعقود المالية.

- جاء في المحلى لابن حزم "ومشاركة المسلم للذمي (المعاهد) جائزة، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالمنع، وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، وهم يهود، على نصف ما يخرج من أراضيهم، على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم، وهذه شركة في الزرع والغرس والثمر، وقد ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً من يهودي بالمدينة، ورهنه درعه، ومات عليه السلام ودرعه رهن عنده، فهذه تجارة مع اليهود، ومعاملتهم جائزة ومن خالف فلا برهان له" (ابن حزم – المحلى – جـــــ 8 – ص125 – 126).

- وقد استدل ابن القيم بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه، على أن معاملات غير المسلمين وعقودهم تعتبر صحيحة، وأن مخالفتهم للإسلام لا تؤثر في صحتها. (ابن قيم الجوزية أحكام أهل الذمة – جـــــ 1 ص299).

- والقاعدة العامة في الفقه الإسلامي هي أن المعاهدين كالمسلمين في المعاملات الشاملة لجميع الارتباطات القانونية وفي جميع الشؤون الدنيوية. (الشيخ أحمد إبراهيم – كتاب المواريث علماً وعملاً – ص85).

- وفي باب البيوع صرحوا بأن إسلام البائع ليس بشرط لانعقاد البيع ولا لصحته، فيجوز بيع لكافر وشراؤه (الكاساني – بدائع الصنائع – جـــــ 5 ص135) وكذلك الأمر في عقود المضارب. (المصدر السابق – جـــــــ 6 ص81).

- وكان الخلفاء المسلمون يعتمدون كثيراً على أهل الذمة (العهد) في أمور الصناعة والطب والحرف، حتى أن كتاب الغرب يعترفون بذلك ويعجبون له، يقول آدم متنر: (آدم متنر – الحضارة الإسلامية – جــــ 1 ص86) ".... ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال ... فكانوا صيارفة وتجاراً وأصحاب صنياع وأطباء.. وكان رئيس اليهود ببغداد طبيب الخليفة".

- وذكر أبو يوسف: أن مهن اليهود وصنائعهم أنهم كانوا خياطين وصباغين وأساكفة وخرّازين وغير ذلك.