إيران والعرب بعد الاتفاق النووي

لم تكن إيران يوما ما بمعزل عن الاحتكاك مع الآخرين من جيرانها العرب, وطالما كانت وما تزال معنية بالانخراط  بمشاكل العالم العربي  وهي لم تقف يوماً موقف المتفرج، بل دخلت في صراع معهم، إما من خلال تدخلها المباش ، أو عبر دعمها لوكلائها من الطائفيين والعنصريين .

ومع ذلك تتساءل إيران دوماً لماذا يتخذ  العرب  منها موقفاً سلبياً، وخصوصاً دول الخليج العربي، حيث يستغرب ملالي طهران، من وصف  توسع إيران في مجالها الحيوي بالهيمنة الإيرانية وكذا الحديث عن التهديدات الإيرانية والخطر الإيراني! وقد أصبح الجواب واضحا وتبلور ليصبح حقيقة مجردة، خصوصاً  بعد التدخل  الإيراني  في كثير من قضايا المنطقة، قصد تحقيق عدة أهداف:

أولها:  ثبت باليقين أن طهران ُتنفذ أجندة صهيوأمريكية عبر تحييد الخطر الإسرائيلي، وصرف النظر عنه بإشغال العرب بفتن داخلية عربية، وإشغالهم عن القضية الأم (القضية الفلسطينية), عبر إفساح المجال للعدو الصهيوني لتهويد فلسطين المحتلة .

ثانيها: كان لابد من اختلاق صراعات؛ جديدة في شكلها, قديمة في خبثها, لإشغال الشعوب والنخب عن مواجهة الأخطار الحقيقة والتحديات المصيرية التي تواجههم, والإبقاء على الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية لنهب ثروات المنطقة ومقدراتها والتحكم بقراراتها ومصائرها. فكان الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد ، ودعم الحوثيين في اليمن، فضلا عن محاولات التخريب وتفجير قنبلة الأقليات الشيعية  في البلدان العربية، وتوجيه الدعم اللامحدود لحسن نصرالله وفرقة الكوماندوز الممثلة بمليشيات حزب الله في لبنان  للاستمرار في القيام بمهماته على طول الإقليم، ناهيكم عن محاولات  التخريب، وآخرها القبض على خلية لحزب الله كانت تنوي تنفيذ مخططها التخريبي في الكويت،  في الوقت الذي نرى طهران  تستعد بشكل محموم  لصرف المزيد من  ملايين الدولارات لتوسيع رقعة مجالها الحيوي، بعد رفع العقوبات عنها، نتيجة الاتفاق النووي مع الغرب, تحت بند دعم محور الممانعة  .

ثالثها:  تفرغ إيران لذاتها، وبناء قدراتها وبشكل غير محدود.

بالمقابل يكون التساؤل لماذا العرب عاجزون عن التخطيط والتفكير وبناء الذات؟ ولماذا لم يفكروا يوماً بأن يكون لهم مشروعهم لمواجهة إيران وطموحاتها السياسية النووية، بل ولماذا لا يحذون حذو إيران. 

لفتني ما نشره تقرير طومسن رويترز، بمعلومات حول إيران، أورد بعضاً منها:

-        صعدت إيران الى المركز 17 عالمياً بانتاج العلوم منذ مطلع عام 2013 بانتاجها 2925 مقالا علمياً متخصصاً.

-        تحتل ايران المركز 12 عالمياً في معدل النمو في الانتاج العلمي المنشور، ويتضاعف الانتاج كل 3 سنوات.-

- من عام 96 حتى 2008 زادت ايران من انتاجها العلمي 18 ضعفاً.

- المقالات العلمية المتخصصة كانت تنحصر قبل الثورة في نحو 400 مقال، الآن تخطت 20 الفا.

- عدد الطلاب قبل الثورة نحو 167 الفا، الآن يقارب الأربعة ملايين.

- نسبة المتعلمين ارتفعت من 50 % قبل الثورة، الى 86% بعدها, وصلت الى محو شبه كامل للأمية. 60 % من المقبولين في الجامعات هن من الاناث.

- انفقت ايران 6.3 مليار دولار عام 2011 على البحث العلمي…

- عام 2012 اصدرت ايران اكثر من 38ألف عنوان كتاب…. وتطبع اكثر من ٢٥٠ مليون نسخة كتاب…. تحتل المركز الأول باصدارات الكتب في الشرق الأوسط والعاشر عالميا.

- تحتل المرتبة 12 بانتاج السيارات في العالم، والاولى في الشرق الاوسط.. اكثر من مليون سيارة في العام

- أطلقت ثلاثة أقمار صناعية الى الفضاء بتصنيع محلي.

- أبرز طلاب فرع الهندسة الالكترونية لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة ستانفورد الأمريكية جاءوا من جامعة شريف للعلوم والتكنولوجيا الايرانية..

- كانت ايران تستورد القمح من دول نائية.. والآن حققت الاكتفاء الذاتي وهي محاصرة.

هذا عدا عن انجازات إيران في مجال التصنيع العسكري بأشكاله المختلفة . كل هذا حصل وايران مطوقة ومحاصرة، فكيف حين تستعيد الـ 150 مليار دولار من ودائعها المجمدة؟ وكيف اذا اضفنا الى ما تقدَّم الصواريخ والأسلحة والأقمار الصناعية والاختراعات العلمية وغيرها على أيدي جيل من العلماء لم تتخط أعمارهم الثلاثين عاماً .

والحل لا يكون إلا من خلال صحوة عربية شاملة، ونهضة حديثة تُعيد للأمة العربية دورها الرائد  في المجالات العلمية كافة بعد توقف طويل، وتمكنهم من أن يستثمروا طاقاتهم ورأسمالهم البشري، وأن لا ينتظروا  النجدة من غيرهم .

..............

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية - مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية    

وسوم: العدد 629