آفة العلمانية الاستكبار

بداية لا بد من التمييز بين العلمانية الغربية الصريحة والمكشوفة و التي لا يخفي أصحابها شيئا مما يعتقدون ، وهم علمانيون خلص وبين العلمانيات العربية التي يتقنع أصحابها بأقنعة ويبدون ما لا يخفون لوجودهم في مجتمعات غالبية شعوبها متدينة ترفضهم وتلفظهم ، وهم بذلك يضطرون إلى ما يشبه التقية عند الشيعة الرافضة ، ويحاولون التظاهر بقبول التدين مع إقصاء الدين وتهميشه في الحياة . وآفة العلمانيين العرب ومن ضمنهم العلمانيون المغاربة الاستكبار .والآفة في اللسان العربي من فعل آف أوفا وآفة وأووفا ـ بضم الهمزة والواو بعدها ـ وهي العاهة وهي كل ما يصيب ويفسد . ومن الأقوال المأثورة : " آفة العلم النسيان " ومعنى ذلك أنه لا قيمة لعلم ينسى ، ومنها أيضا  " آفة الرأي الهوى " ومعنى ذلك أنه لا قيمة لرأي يميل مع الهوى، علما بأن الهوى لا مبرر له ولا منطق ولا دليل ولا حجة .وآفة ا العلمانية عموما والعربية والمغربية خصوصا الاستكبار وهو من الهوى . والاستكبار أو الكبرياء  من فعل كبر ـ بضم الكاف ـ يكبر كبرا ـ بضم الكاف ـ وكبارة ـ بضم الكاف أيضا ـ  وهو نقيض صغر أي عظم الشيء وجسم ، ومنه أكبر الأمر إذا عظم عنده ، ومنه تكبر واستكبر  وتكابر إذا ادعى العظمة والجبروت . ويتميز الفكر العلماني بالاستكبار حيث يعتبر منطلقه الأساس النظر إلى الدين عموما و دين الإسلام خصوصا نظرة ازدراء واحتقار، وهو يستصغر من شأنه ، ويقصيه من الحياة ويختزله في طقوس تعبدية يعتبرها بعيدة عن شؤون الحياة . وتنبع نظرة العلمانية إلى الدين من قناعة ضالة مفادها أن الوجود لا خالق له، وأنه من صنع الصدفة، وأن الإنسان هو إله نفسه الذي وجد صدفة  أيضا في هذا الوجود فوق سطح هذا الكوكب ليصارع الطبيعة طمعا في أن ينتصر في يوم من الأيام على الموت والفناء ويصير خالدا إلى الأبد وهو لا يدري أخالد هذا الوجود الذي وجد صدفة  بالنسبة إليه أم فان؟ وبموجب هذا الاعتقاد الضال والمتهافت تزدري العلمانية الدين، وتحتقره وتحتقر المتدينين، وترى في الدين  مجرد  عادة من العادات التي توارثها البشر . ومن كبرياء العلمانية أنها تسمح للمتدينين بممارسة حرية التدين دون أن يكون للدين دور في الحياة سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة لأنها هي الوصية على شؤون الحياة دون غيرها في اعتقاد أصحابها . ومع أن العلم أثبت خطأ القول بصدفة الوجود نظرا لدقة عناصره المتناهية التي تتعارض مع الصدفة ، فلا زال العلمانيون يتمسكون تعصبا وتنطعا  بما دحضه العلم الحديث  وأثبت عكسه، ذلك أن دقة الوجود وتعقيداته تؤكد وجود قوة وراء صنعه هي قوة الخالق سبحانه وتعالى التي أكدتها آياته سواء في سفر الكون المرئي أم في رسالته الخاتمة للبشرية . ولما كان ما يبنى على باطل يصير باطلا بالضرورة ،فإن اعتقاد العلمانيين في الوجود باطل يترتب عنه باطل تصورهم للحياة .

والاستكبار صفة مذمومة أول من اتصف بها المخلوق الشرير إبليس اللعين حين حدثته نفسه الأمارة بالسوء أنه أفضل من آدم عليه السلام فأبى أن يسجد لما خلق الله عز وجل بيده ، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى متحدثا عن سجود الملائكة لآدم ورفض إبليس ذلك : ((إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين )) وقد أنكر عليه استكباره فقال له : (( أستكبرت أم كنت من العالين )) ، وطرده عز وجل من جنته فقال له : (( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها )). ولقد كانت خطيئة إبليس اللعين هي الاستكبار وهو أشنع خطيئة على الإطلاق . ولقد غفر الله عز وجل خطيئة آدم عليه السلام التي كانت بسبب النسيان ولم يغفر خطيئة إبليس اللعين التي كانت  الاستكبارعن سبق إصرار . ولقد صدق ظن إبليس اللعين على كثير من بني آدم خصوصا الذين اختاروا الاستكبار على غرار استكباره لعنه الله . ولقد ظلت خطيئة استكبار البشر تتكرر عبر التاريخ، وهو ما سجله القرآن الكريم في قوله تعالى : (( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم )) وفي هذه الآية الكريمة ربط واضح بين آفة الاستكبار وآفة الهوى . ولقد توعد الله عز وجل المستكبرين بأشد العذاب فقال : (( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار )) كما قال أيضا : (( وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ))  والاستنكاف من فعل نكف ينكف نكفا عن الشيء إذا أنف منه وامتنع وعدل، فهو ناكف أو مستنكف  والاستنكاف من الاستكبار. ويحدثنا القرآن الكريم عن حال المستكبرين في الآخرة في قوله تعالى تبكيتا لهم : (( أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين )) وواضح من هذه الآية أن الاستكبار جريمة . ولا يقتصر استكبار المستكبرين عليهم بل يسوقونه بين غيرهم خصوصا الذين يستضعفونهم ، وقد كشف القرآن الكريم  عن خصومة بين المستضعفين الذين يستدرجهم المستكبرون نحو اتباع استكبارهم  وبين الهؤلاء المستكبرين في الآخرة في قوله تعالى : (( وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص )) وفي قوله جل من قائل أيضا : (( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا  للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل  والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون )) .هكذا يكون مصير المستكبرين ومصير الذين استدرجوهم واستخفوا بعقولهم فلا محيص للجميع  ولا نجاة بل عذاب يشترك فيه المستكبرون مع المستضعفين  حيث يدخل المستكبرون النار باستكبارهم  بينما يدخل المستضعفون النار بتبعيتهم للمستكبرين . ولقد ضرب الله عز وجل أمثلة لنماذج من المستكبرين في الأرض منهم فرعون موسى فقال : (( ولقد أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا  وكانوا قوما عالين )) ولقد وصف الله عز وجل  في هذه الآية الاستكبار بأنه علو وتطاول .

والعلمانيون  خصوصا الذين يعرفون القرآن الكريم جيدا  ولكنهم يقصونه من الحياة ، ويدعون إلى حياة بلا قرآن وبلا إسلام إنما يفعلون ذلك استكبارا وعلو وتطاولا على طريقة إبليس اللعين الذي  كان أول مخلوق استكبر في جنة ربه وعلى طريقة فرعون موسى . وقد يفوق العلمانيون إبليس في الاستنكاف والاستكبار حين يجحدون وجود الخالق سبحانه وتعالى وهم على يقين من وجوده كما كان إبليس اللعين على يقين من ذلك ، وقد سأل ربه أن ينظره إلى يوم الدين وأقسم بعزته  أن يضل بني آدم  وقد بر بقسمه فأضل العلمانيين من ضمن من أضل من الخلق،  وجعلهم يركبون غرورهم واستكبارهم . وشر استكبار هو أن يخالف العلمانيون إرادة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق الدين للحياة في حين أقصاه العلمانيون عنها ليفسحوا المجال لأهوائهم استكبارا . ولا يختلف منطق إبليس اللعين حين استكبر عن منطق العلمانيين ،فهو استنكف عن السجود لما خلق الله عز وجل بيده ، وهم يستنكفون عن الخضوع لدين الله عز وجل .  ومن استكبار العلمانيين احتقار المتدينين  والاستخفاف بهم  بشتى الأساليب  والافتراء عليهم وتلفيق التهم الباطلة لهم . ومما قرأت اليوم لأحد العلمانيين الحاقدين على المسلمين على موقع هسبريس نسبة  ما يقترفه من يعرفون بأصحاب " التشرميل " للمسلمين أو الإسلاميين كما نعتهم مع أن ظاهرة " التشرميل " معروفة عند الذين لا علاقة لهم بالدين من المتعاطين للمسكرات والمخدرات والعربدة . وهذا العلماني المحسوب على التعليم العالي ـ ياحسرتاه ـ  قد بلغ به الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين استكبارا حد تلفيق تهمة "التشرميل " الباطلة لهم دون خجل أو حياء . ولم يخجل أصحاب موقع هسبريس بسبب هواهم العلماني المكشوف  من نشر حقده المنتن ، وهم لا يألون جهدا في نشر كل ما يؤذي الإسلام والمسلمين  دون وخز من ضمير وأنى للاستكبار وخز الضمير.

وسوم: العدد 629