بين بشار وأوباما شعرة معاوية

 سئل الخليفة معاوية عن سبب استطاعته أن يحكم البلاد والعباد اربعة عقود ( 41هج - 60 هج )  ، دون أن يثور عليه / ضده أحد ؟ فأجاب معاوية  بما يلي  :" إن بيني وبين الناس شعرة ، إذا أرخوا شددت ، وإذا شددت أرخوها " . 

 ويبدو لي  أن بين بشار االأسد وأوباما حسين  فعلاً  مثل هذه الشعرة  ( شعرة معاوية )  ، فإن شدها الأول  أرخاها الثاني  ، وإن  أرخاها  الأول  شدها الثاني ، الأمر الذي  استمرت وتستمر  معه العلاقة بين الطرفين مقطوعة وموصولة في آن واحد . إن عملية القطع والوصل هذه ، ماهي  ، فيما يتعلق بعلاقة طرفي هذه العلاقة   ( بشار وأوباما )  مع  تلك الشعرة  ،  سوى لعبة من ألاعيب  أصحاب " نظرية المؤامرة " التي عادة ما يعلن الكتاب السياسيون الموصوفون غالباً  بالاستراتيجيين  تبرؤهم منها ، بما هي نظرية غير أخلاقية    ( مؤامرة ) لا يليق أن  يوصف بها إخواننا  الأوربيون والأمريكان (!!) .

واقع الحال إن شعرة معاوية هنا ، ليست أكثر من رمز سياسي للعلاقة بين عائلة الأسد والغرب والتي بدأت مع الأب  حافظ عام 1967 ، واستمرت مع الإبن حتى هذه اللحظة التي نأمل ألاّ تطول كثيراً .  

 تدور  في مخيلتي  الآن إشكالية ذات شقين  ، الشق الأول يتعلق ببراميل بشار الأسد العمياء والمدمرة  التي بلغ  عدد ضحاياها من المدنيين في مختلف المدن والقرى السورية ،  ولا سيما النساء والأطفال  مئات  الآلاف ، والشق الثاني من الإشكالية هو  بطاريات صواريخ الباتريوت ، التي قدمها قبل بضعة أشهر حلف الأطلسي (الناتو )  لتركيا  باعتبارها عضو في هذا الحلف ، عندما كان أردوغان يلوّح بالمنطقة الحدودية الآمنة مع سوريا  أو منطقة الحظر الجوي  ، ثم سحبها ( الحلف / البطاريا ت ) قبل بضعة أسابيع  (!!) ، بعد مؤتمر الحلف في بروكسل  بتاريخ 28.07.2015 عندما بدأ أردغان يطرح أمر المنطقة الحدودية الآمنة مع نظام الأسد بصورة جديّة  ، مشيراً إلى عضوية تركيا في الحلف ، وبالتالي إلى مسؤولية الحلف في دعم من يتعرض للعدوان من أعضائه  ، أي ضرورة  أن يقف الحلف مع تركيا  ليس فقط ضد داعش ، وإنما ضد داعش ونظام بشار في آن واحد . وهنا بدأت " نظرية المؤامرة " تكشف  أوراقها / سوأتها  ، وأخذت لعبة شعرة معاوية طريقها إلى التنفيذ . 

 تمثلت "  نظرية المؤامرة "  هنا بسحب حلف الأطلسي لصواريخه ( الباتريوت )  ، وسحب كل من أوروبا وأمريكا خبرائهما  المختصين بالتعامل مع هذه الصواريخ من تركيا  ، وذلك عندما بدأ أردغان يطرح مسألة المنطقة الآمنة بصورة جدية .  وتمثلت لعبة شعرة معاوية بموافقة أوباماعلى العمل مع تركيا لتحقيق منطقة آمنة ،ولكن بالمفهوم الأمريكي (خالية من داعش )وليس بالمفهوم التركي ( خالية من كل من داعش ومن نظام الأسد على حد سواء) .

نعم إن ماجرى ويجري  في سوريا منذ مايقارب السنوات الخمس ، إن هو إلّا مؤامرة أورو ـ أمريكية متكاملة الأركان ،هدفها الأساسي والجوهري ، تدمير ثورات الربيع العربي ، ولا سيما الثورة السورية مخافة أن يكون البديل لنظام الأقلية الطائفية الحالي (نظام عائلة الأسد ) المتحالف مع اسرائيل ( من وجهة نظرنا الشخصية) هو ( أي البديل ) نظام وطني  حليف للشعب العربي الفلسطيني ،في نضاله الوطني للتحريروالعودة ، كما وقد تقع مسألة استعادة هضبة الجولان أيضاً على سلّم أولوياته ( البديل ) .    

لسنا بحاجة هنا إلى الإشارة إلى الدورين الروسي والإيراني ( ومعهما بعض العرب ) فهم   جميعاً (من وجهة نظرنا ) مكملون للدور الأمريكي في العمل على وقف تدحرج كرة لهيب الربيع العربي من سوريا إلى دول الخليج وغيرعا من الدول العربية ، وما تسليط الدواعش والسيسيين وأمثالهما  على الأقطار العربية التي سبق أن دخلها هذا الربيع ، سوى جزء من هذه الهجمة المضادة على هذه الأقطار ، كيما تقوم ( الهجمة المضادّة ) بإعادة عجلتها ( الأقطار الربيعية )  إلى الوراء ، بل وربما إلى ما وراء الوراء . 

وسوم: العدد 631