تنظيم الدولة الداعشية يتمدد برعاية الاحتلال الروسي والإيراني، الدلالات والأبعاد والأخطار

بعد شهر من الاحتلال الروسي لوطننا الحبيب ، وبعد الاشتراك المريب من قبل القاذفات الروسية و القوات الإيرانية البرية في تنفيذ جريمة حرب إبادة جماعية مستدامة ، وعملية تطهير مذهبي ضد الشعب السوري قتلا وتهجيرا بذريعة التصدي لهذا التنظيم ، الموسوم دوليا بالإرهاب ، يفجؤنا اليوم تقدم تنظيم الدولة في المنطقة الوسطى في سورية ، وسيطرة هذ التنظيم مرة بعد مرة بطريقة هوليودية مكشوفة على المزيد من المواقع في محافظة حمص الحبيبة ، التي تشكل ( سرّة ) المشروع الأسدي – الإيراني المدعوم من الروس للتأسيس للدولة الطائفية الأسدية المزعومة ..

تقدم الانتصارات الجديدة التي حققها هذا التنظيم ، وسيطرته على واحدة من أكبر المستودعات العسكرية للجيش السوري ، بكل ما فيها من سلاح وعتاد ، ومن ثم تقدمه نحو بلدات سورية ، تسيطر عليها قوى الثورة ،و وهي ذات طبيعة ديمغرافية مختلطة يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون ؛ تقدم هذه الانتصارات مفاتيح فاضحة لسياسات هذا التنظيم وسياسات داعميه والمراهنين عليه من الأسديين والإيرانيين والروس ...

ومع أن اللعبة الأسدية – الإيرانية – الروسية بالتذرع بهذا التنظيم الإرهابي المتطرف لتشويه الثورة السورية ، وتغيير عناوينها ، ومصادرة تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة كانت منذ أول يوم مكشوفة لكل القوى الدولية ، والمخابرات العالمية ؛ إلا أن الجميع على ما يبدو راقتهم هذه اللعبة فانغمسوا عن علم وقصد في مستنقعها النتن ، فجعلوا من حرب هذا التنظيم هدفا مستقلا قائما بذاته ، بل قدموه على حرب بشار الأسد الذي راهن عليه ، وقدم له الرعاية وتعاون معه سرا وجهرا حتى يجعله عنوان تهديد وتشويه ، ومدخلا للارتداد على الثورة السورية ، وقطع الطريق على أمل شعبها ...

إن الحركة الأخيرة المتمثلة في تقدم تنظيم الدولة في منطقة حمص ، وسيطرته على مستودعات ( مهين ) العسكرية ، واختيارها التقدم نحو مناطق القلمون حيث يتركز وجود مواطنين مسيحيين وأن يتجنب هذا التنظيم الذي يرفع راية ( الدولة الإسلامية ) كذبا وزورا التقدم نحو القرى الموالية للنظام ، ولا ندعوه لذلك ليقتل أو يستبيح ، وإنما ليقطع الطريق استراتيجيا على حلم بشار بالدولة الطائفية المقيتة؛ كل أولئك يؤكد على تبعية هذا التنظيم المباشرة للقيادة الخفية المريبة التي تغذيه وترعاه وتدعمه وتقود خطاه ، وترسم مسارات تقدمه .

وكما قدم بشار الأسد لهذا التظيم آبار النفط السوري شراكة ، وكما سلمه صوامع القمح السوري وبيادره شراكة ، وكما سلم المالكي الإيراني الموصل لهذا التنظيم وسلاح ثلاث فرق عسكرية ليدعمه ويقويه فإن تسليم مستودعات ( مهين ) الاستراتيجية لهذا التنظيم ، وفي هذا التوقيت ، وتحت وقع القصف الجوي الروسي الذي لايرحم الأطفال والنساء ،يؤكد أن تسليم هذه المستودعات ما هو إلا حقنة استراتيجية جديدة لتعويض هذا التنظيم بعض ما خسره ، ولمساعدته على الاستمرار في تشكيل الذريعة القوية التي تثير الرعب والفزع وتستدعي الاستنفار الدولي للقضاء على هذا التنظيم وبمفهوم آخر للتحالف مع بشار الأسد وقطع الطريق على الثورة السورية ..

ثم إن دفع هذا التنظيم للتقدم باتجاه بلدات ذات وجود مسيحي ظاهر غرضه بالدرجة الأولى إثارة المجتمع الدولي المشحون بالأصل طائفيا لتكرار حكايا معلولا وسنجار وعين العرب كوباني ...

وحين يدير ( تنظيم الدولة ) ظهره لمطار ( التيفور ) بأهميته الاستراتيجية والعملياتية الذي أصبح في متناول اليد ، وحين يدير ظهره للقرى الموالية للنظام ليتقدم في اتجاه المناطق التي تسيطر عليها القوى الثورية الأخرى دفعا في طريق المزيد من التمزق فإن كل شيء يصبح مفضوحا ومكشوفا ...

إن إستراتيجية الاحتلالين الروسي والإيراني في سورية على ضوء هذه المعطيات تتركز في مزيد من النفخ والحقن في هذا التنظيم المسير من قبل أجهزة المخابرات الروسية والإيرانية والأسدية على السواء لتبدو المعركة في سورية بين هذا التنظيم وتوابعه وزعانفه وبين بشار الأسد الذي سيأخذ محل الحمل الوديع . ونحن لا نكشف جديدا ، ولا نقول إلا ما هو معروف لكل الحكومات العالمية ، التي ترى أن من مصلحتها الانغماس في هذه اللعبة القذرة ..

ونحن في موطن لا ينفع فيه الاستنكار ولا الإدانة ولا الاحتجاج ولا بد فيه من مبادرات عملية يقوم بها ( كبار ...كبار ) لقطع الطريق على هذه اللعبة القذرة التي يمكن أن تودي بالثورة السورية وبالتالي بالشعب السوري .

ولكي لا يوضع هذا الكلام في غير سياقه ، فإن ارتباط هذا التنظيم الواضح لكل ذي عينيين بأجهزة المخابرات الأكثر سفالة في هذا العالم إنما هو عن طريق اختراقات أمنية في مراكز خفية لصنع القرار .

ويا ضيعة الدم والجهد يبذله أفراد يظنون أنهم في سبيل الله يجاهدون ، هؤلاء الذين وصلوا إلى الأرض السورية منطلقين من حسن نية ، أو مدفوعين بأيدي خفية ؛ فما وجدوا لواء صدق يلتفون حوله ، ولا راية رشد يقاتلون تحتها غير راية الشر والإثم هذه ...

غياب الغائبين ، وتقاعس المتقاعسين ، وتخاذل المتخاذلين كان له الدور الأوفى في إيراد المشهد السوري هذا المورد الضنك . وبئس الورد المورود ...فهل لذناباها من تلاف ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: 640