احذروا .. بين ( حقن الدماء ) و ( هدر الدماء ) خيط رفيع

وكما صنع الأسد بعض مقاتليه يصنع اليوم مفاوضيه

تتردد هذه الأيام على ألسنة بعض المقررين والمحللين عبارة ( حقن دماء السوريين ) . وحقن دماء السوريين أفرادا وجماعات مطلب مقدس لا يقلل من مشروعيته أو من قيمته عاقل رشيد .

ولقد انتهج المجتمع الدولي ، من قبل ، سياسة لامبالية مخزية بدماء السوريين ، فأطلق يد القاتل الهمجي وشركائه في مشروع ( سفك دمائهم ) على امتداد خمس سنوات بكل وسائل القتل المتاحة له . ثم تجاوزت القوى الدولية سياسة اللامبالاة إلى الشراكة العملية في مشروع القتل و ( سفك الدماء ) بذرائع عقيمة مدعاة لا تنتظم في سياق منطقي ، ولا تخضع لقانون إنساني أو مدني ..

وبين أولئك وهؤلاء قدمت الثورة السورية برجالها ونسائها بشيبها وشبانها وأطفالها ما يقرب من مليون شهيد ، وعشرة ملايين مشرد ؛ كل ذلك من أجل تحقيق مطالب أساسية في حقوق هي من أبسط الحقوق التي تتمتع بها كل الشعوب ، وتقرها كل الشرائع والقوانين .

كل هذه التضحيات التي قدمها السوريون كانت ومازالت دفاعا عن حقوق إنسانية أولية لا تقبل القسمة ولا الانتقاص ولا التنازل ولا التساهل ولا التسامح . وفي مقدمتها الحق في الحياة ، والحق في الشمس والحق في الهواء والحق في أن يكون لهم صحيفة ، وناد ، وفريق كرة قدم لا يقلع ابن ( الأكرمين ) أعين لاعبيه . على ما طالبت به مسرحية كوميدية منذ عقد من الزمان.

خرج الثوار السوريون دفاعا عن هذه الحقوق ، وقاتلهم عليها الظالم المستبد ن ونازعهم عليها منازعون كثر حول العالم ، وأدخلوهم في دوامات العنف والمساومات والتصفيات وألعاب الخلط والمزج والفك والتركيب كما زجوا بهم في ضبابيات العبارات والإشارات ودلالات الحقيقة والمجاز لكي يختانوهم عن ثورتهم ، وينتقصوا حقوقهم ، ويبتزوهم كل ما يمكن أن يفعلوا من موقع القوة والسيطرة وتحت وقع قذائف طائراتهم تصبح السوريين وتمسيهم في مساجدهم ومدارسهم وأسواقهم وأحيائهم ومساكنهم ..

اليوم والإنسان السوري يرقب المشهد ، ويسمع إلى ( رجال ) يتحدثون عن ( حقن ما تبقى من دماء السوريين ) يدرك أن المقصود هو ( هدر دماء من مضى منهم ) . وحين يجد المواطن السوري أن المجادلين بالأمس عن القاتل المستبد ، المتفيئين بظلاله على مدى عقود قد أصبحوا اليوم هم المفاوضين عن الثورة وشهدائها وعن الشعب السوري وحقوقه ، يدرك أن بشار الأسد الذي نجح في خلق ( أعدائه من المقاتلين في صورة داعش ومشتقاتها ) ، قد نجح أيضا في تشكيل أو تركيب ( أعدائه من المفاوضين ) في تركيبة هؤلاء المتراكبين طبقا عن طبق ليس في مشروع ( حقن دماء الشعب السوري ) كما يقولون ، بل في مشروع ( هدر دماء الشهداء وعذابات المعذبين ) . وفي مشروع تصفية الثورة ووأد تطلعات جيل من السوريين حلم يوما أن يعيش بحرية وكرامة كما كل شعب الأرض ..

لا أحد يمكن أن يحجر على أي فريق سوري أن يكون له رأيه في مستقبل بلده . فهذه بعض الحقوق التي انطلقت من أجلها الثورة ، وضحى من أجلها الثوار . ولكن عين الإنصاف والحق والحقيقة تؤكد أن موقع بعض هؤلاء المجادلين أو المخالفين هو في الصف الآخر ، صف وفد بشار الذي طالما التحفوا رايته ، ودافعوا عنها ، وليس في صف الثورة التي طالما أدانوها ، ولا في صف الثوار الذين طالما أشهروا في وجوههم لاءاتهم المقدسة ..

 ( حقن دم الشعب السوري ) بالوفاء لعهد شهدائه ، والسير على دربهم ، حتى يتحقق الحلم : سورية دولة للحرية والكرامة والمساواة. يكون فيها لكل إنسان الحق فيما كسب ويكون عليه الحق فيما اكتسب ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 645