المتاجرة الحزبية بتعنيف الطلبة الأساتذة في حملة انتخابية قبل الأوان

تهافتت الأحزاب ونقاباتها على المتاجرة الحزبية بما لحق الطلبة الأساتذة من تعنيف من طرف قوات الأمن في حملة انتخابية قبل الأوان . ومما طبع هذا التهافت المزايدة حيث يحاول كل حزب التودد لهؤلاء الطلبة ليس تعاطفا معهم بل من أجل كسب نقط في الحملة الانتخابية ولما يحين وقتها بعد . ومعلوم أن الرأي العام ضد تعنيف المتظاهرين ولا تتميز فئة من الفئات سواء كانت أحزابا أو نقابات أو جمعيات أو جماعات عن أخرى في نبذ التعنيف بالمتظاهرين مهما كانت فئتهم خصوصا عندما يتسبب التعنيف في إصابات وجروح  وكسور. ولقد كان بإمكان قوات الأمن إذا ما اقتضى الأمر تدخلها بسبب وجود تهديد للأمن العام أن تستعمل ما يستعمله غيرها في شتى بلاد العالم من خراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع أو إقامة حواجز لمنع المتظاهرين من الوصول إلى أماكن يسبب احتلالها من طرف المتظاهرين مسا بالمصلحة العامة للوطن عوض استعمال العنف المفرط الذي لا تستدعيه الضرورة الأمنية، والذي يتسبب في إصابة المتظاهرين . ويتعين على الحكومة وقد تحمل رئيسها مسؤولية ما حدث أن تفتح تحقيقا للكشف عن الجهة التي أعطت قوات الأمن أمرا باستعمال القوة المفرطة مع تحديد هويات عناصر الأمن الذين تجاوزوا التعليمات التي أعطيت لهم في تفريق المتظاهرين من الطلبة الأساتذة . وفي المقابل على الحكومة أن تمنع المتاجرة  الحزبية بقضية تعنيف هؤلاء الطلبة من طرف عناصر الأمن . وفي دولة الحق والقانون لا مندوحة عن الاحتكام للقانون بعيدا عن كل أنواع المزايدات التي تعكس الحاجة في نفس يعقوب والتي تحاول بعض الجهات التمويه عليها مع أن هذه الحاجة باتت مكشوفة  وفاضحة . وعلى الطلبة الأساتذة ألا يسمحوا بالمتاجرة بقضيتهم من طرف الجهات التي تخطب ودهم بغية ركوب ظهورهم لتحقيق  مصالحها . ومعلوم أن الخلاف بين الطلبة الأساتذة مرده قرار الحكومة إجراء مباراة توظيف بعد مباراة التكوين، الشيء الذي سيجعل نسبة 3000 أستاذ خريجي مراكز مهن التربية في حالة بطالة علما بأن القطاع الخاص لا يمكن للحكومة أن تلزمه بتشغيل هؤلاء كما سيشغل قطاع التربية الوطنية 7000 منهم . ومعلوم أن الطلبة الأساتذة وقعوا على قرار الحكومة بما في ذلك قبول تخفيض منحة التدريب بنسبة 50% إلا أنهم تنكروا لما وقعوا عليه، وفكروا في خوض إضراب مفتوح لتوظيف الجميع وللحصول على منحة كاملة غير منقوصة وهو ما ترفضه الحكومة وتعتبره إخلالا بالتزام الطلبة الأساتذة بما تم قبوله والتوقيع عليه .ومع استمرار إضراب الطلبة الأساتذة واستمرار وقفاتهم الاحتجاجية عمدت الحكومة إلى المقاربة الأمنية واستعمال العنف ضدهم . ولقد كانت تداعيات استعمال العنف بشدة مسيئة لسمعة البلاد ذلك أن جهات أجنبية تعاطفت مع الطلبة الأساتذة المعنفين  من طرف قوات الأمن وتدخلت في شأن داخلي للبلاد . ولا شك أن الخلاف بين الحكومة والطلبة الأساتذة سيجد لا محالة حلا شريطة تنازلات من الطرفين دون الانتهاء إلى سيناريو غالب ومغلوب . ومن الحلول الممكنة اشتراط عتبة نجاح في امتحان التخرج من لم يبلغها لا حق له في التوظيف ،وهو أمر سيدفع الطلبة الأساتذة إلى التنافس وبذل الجهود للنجاح . ولا يمكن أن ينجح الجميع علما بأن العديد من الوزارات تسرح من لا يتفوقون في مباريات التخرج من التكوين،  تماما كما أن الجامعات والمعاهد تسرح من  يستوفي عددا من السنوات دون نجاح . ومن الطروحات المغلوطة توهم أن جميع الطلبة الأساتذة يستحقون التوظيف لمجرد خضوعهم لتكوين ذلك أن البعض منهم ربما سيقضي مدة التكوين في التراخي خصوصا وأن الجميع سيكون واثقا من توظيفه بعد تخرجه . وقد يحل المشكل بقبول جميع الخاضعين للتكوين بشرط الاستحقاق وتوظيفهم جميعا على أساس توقيف مراكز التكوين مدة من الزمن حتى تدعو الحاجة للمزيد من مناصب الشغل، وبذلك تعود الحكومة إلى أسلوب تحديد حاجياتها والتخلي عن فكرة التكوين بلا توظيف لأن التكوين بلا توظيف يعتبرا هدرا  باعتبار ما ينفق من مال وجهد ووقت على التكوين . ويمكن أن يكون كحل أيضا  إلزام مؤسسات التعليم الخصوصي بتوظيف نسبة من الطلبة المكونين بنفس الشروط التي يوظف فيها غيرهم في التعليم العمومي . ويمكن أيضا أن تكون معدلات النجاح في التخرج من مراكز التكوين هي المحددة للتوظيف في التعليمين العمومي والخصوصي بحيث تخصص عتبة معلومة لولوج وظيفة التعليم العمومي وما دونها يوجه للتعليم الخصوصي أو يسمح للتعليم الخصوصي باشتراط معدلات نجاح  معينة من أجل الالتحاق بها حتى لا يقال أن أحسن معدلات التخرج يستأثر بها التعليم العمومي لكن شريطة أن تدفع هذه المؤسسات الخصوصية للملتحقين بها مرتبات أكثر من المرتبات التي يصرفها التعليم العمومي . وبالإمكان أيضا أن ترصد الحكومة نفس الرصيد المالي المخصص لتوظيف 7000 أستاذ لتوظيف جميع المتخرجين وعددهم 10000 لتلافي إرهاق ميزانية الدولة ريثما تستعيد  هذه الميزانية عافيتها ، وتجتاز البلاد أزمتها المالية التي تقول بها الحكومة ثم تراجع  المرتبات بعد ذلك . وخلاصة القول أن الخلاف بين الحكومة والطلبة الأساتذة لا يمكن ألا يكون له حل إلا إذا تشبث كل طرف بموقفه متعنتا . ومهما يكن الخلاف بين الطرفين فلا يمكن أن تكون قضية الأساتذة الطلبة فرصة لتعريض أمن واستقرار البلاد للخطر كما يحلم بذلك الذين يتباكون على 20 فبراير وهم يرون مآل الحراكات في البلاد العربية والتي تحولت إلى حروب أهلية وإلى استبداد سياسي أو مناسبة لممارسة حملات انتخابية قبل الأوان .

وسوم: العدد 650