هل خُدعنا..أم خَدعنا أنفسنا والغير ؟؟؟

في بدايات الثورة، اشهر الحلم والأمل، واقتراب توقع سقوط نظام الحقد والفئوية كتبت مقالاً بعنوان : الزلزال السوري.. منطلقاً من أن انتصار ثورة شعبية في سورية تنهي نظام الشذوذ وتقيم آخر ديمقراطي يعيد بلادنا إلى طبيعتها، ويطلق طاقاتها، ويحقق المساواة الكاملة بين جميع مواطنيها.. سيكون بمثابة الزلزال القوي، وبارتدادات عنيفة تطال المنطقة برمتها، وأولها كيان الاغتصاب الصهيوني.. ولذلك سيقف الأغلب ضدها. سيحاولون تلغيمها، وتشويهها، وتعقيد مسارها بمزيد المثقلات.. والضغوط..

ـ لم يكن لدي أي وهم بقابلية هذا النظام الذي نعي تركيبته، وارتكازاته، ومستوى حقده وعنجهيته واحتقاره للإنسان وحياته، على الإصلاح، أو الاستجابة لأدنى المطالب الشعبية، وكان الأمل أن يتمكن شعبنا، وقبل الاضطرار لحمل السلاح، من إسقاطه بزخم نضاله السلمي الكاسح، وإمكانية الانتقال لأشكال من الاعتصام، والإضراب..وأشكال العمل الأخرى.. وبتزاوج العمل الكفاحي متعدد الوجوه مع السياسي.....

ـ وعبر الذي جرى في ليبيا، وبحدود ما في اليمن، وقبلهما في تونس ومصر، انتشى الأمل بإمكانية خلع وشلع النظام.. ثم نبتت المراهنات المتعاظمة على الخارج بالتدخل المساعد، فالتدخل الحاسم.. وكانت عيون بعض المعارضين تتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية، تمسح عن عيونها، وذاكرتها، ووعيها تاريخها مع العرب وقضاياهم، وما حدث لفلسطين والعراق وكثير، أو من خلال بروز قوى وشخصيات معارضة مرتبطة بالرهان على الخارج، ولها خيوط وخطوط وعلاقات راحت توسّع الطريق الافتراضي لدور قادم لها، وبعضها قبل أن يكون مدحلة ولو مصطنعة، وأن يكون تبريرياً ، ومدمنا على اللطم الذي يخدر الوعي والرؤوس حتى لو كانت الحقائق تفقأ العيون .

ـ المراهنات التي تشابكت مع الحاجة الملحة للإغاثة، ومن ثم التسلح وفيض نفقاته، وتشعباته، والمتشابكة مع تدبيج الاعتراف بالمجلس الوطني، ومن بعده الإئتلاف ممثلاً شرعيا، ووحيدا ـ لمن يرغب وينتشي ـ أدى إلى إضعاف الخط الوطني، ومن ثم الانزياح المتدحرج  نحو الخارج بديلاً للعلاقة مع الأرض وقوى الميدان، وبات لذلك الخط دعاته، ورموزه، ووجوده في مواقع النفوذ والتأثير، حتى إذا ما صفعت الإدارة الأمريكية مرات متتاليات كل رهان عليها، وعلى تصريحات رئيسها، وإذا ما كشفت الوقائع أن الدول الأوربية، وجميع" اصدقاء الشعب السوري" لا يقدرون على تقديم الكثير دون أمريكا، وأن النوايا الطيبة، والتصريحات المؤيدة، واللقاءات التعاطفية، وبعض أشكال الدعم البسيط، جميعها ليست بمستوى المطلوب، والحاسم.. وأن تلك الرهانات الخلبية كانت تنأى بعيداً عن الوطنية السورية العريقة، والقرار المستقل، وعن العمل الأساس : الشعب والثوار، والمهام الضرورية .

ـ ومع تعقّد العمل المسلح بفعل عوامل متشابكة، في مقدمها تعدد وتنابز وتنافس الدول الداعمة لها، ولجوء بعضها إلى تشكيل كتائب تابعة لها ولأجهزتها الأمنية، عصية على التوحد، والعمل المشترك، ازدادت الفجوة بين السياسي والعسكري، وبينه وبين الأرض، وبينه وبين القدرة على الفعل.. فبات اللجوء الرهاني على الخارج هو ما تبقى للكثيرين، بينما كانت تضيع في وديان سحيقة، أو في فراغات الريح الأصوات الداعية لبلورة المشروع الوطني وتجسيده، وبناء علاقات ندّية مع الأشقاء والأصدقاء بعيداً عن التبعية، والفردانية، والأجهزة الأمنية لهذه الدولة أو تلك.. والتي عملت على اختراقنا في عديد المواقع، والجهات.. وباتت الهيئات القائمة مثل أوراق منزوعة من أغصانها تتلاعب بها رياح التنافس الدولي، والشقلبة، والتيه.. وبقايا مراهنات لا يردعها الواقع الفاجع، ولا خيبات الأمل .

ـ نعم حدثت تطورات مهمة في الأشهر الأخيرة على صعيد التقارب والتنسيق بين السياسي وعديد الفصائل المسلحة، وهذا معطى إيجابي، ضروري وحاسم، لكنه لم يرتق إلى المطلوب، عن كان على صعيد وحدة الفصائل ضمن قيادة محترفة، وغرفة عمليات موحدة، ووضع الخطط المتحركة لمواجهة الاحتلال الروسي والغزو الإيراني والمليشياوي، وبقايا النظام، أو على صعيد وحدة القيادة السياسية والعسكرية، والوافق على أهداف الثورة وجوهر مبررات قيامها، وما بلورته من شعارات كانت محطّ إجماع قوى شعبية متعدد الاتجاهات.. والتي انفضّ بعضها عنها بفعل ذلك المسار، ونمو التشدد والأسلمة، وتعد الطروحات والرايات .

ـ اليوم.. بل ومنذ الأمس، ومن لحظة الاتفاق الروسي ـ الأمريكي على صفقة السلاح الكيماوي كانت جميع المؤشرات تؤكد وجود توافق يتجاوز المعلن إلى ما هو أبعد يتصل بحاضر ومصير ومستقبل بلادنا، وان الحديث عن توزع مناطق النفوذ، والمحاصصات ليس ضرباً من التخيّل، بل يجد مرتسماته القوية في سياق الأحداث، وصولاً للاحتلال الروسي الذي ما كان له أن يتم، وان يقوم بمهمة سحق قوى الثورة كي يستعيد النظام المناطق التي أجبر على الخروج منها، والأطروحات السياسية التي وجدت ترجماتها في بيان فيينا 1، وفيينا 2، ثم في قرار مجلس الأمن رقم 2254 لولا موافقة أمريكية واضحة .. وتحت ظلال محاربة الإرهاب أولا وأولاً واخيراً..

ـ اليوم تفصح الإدارة الأمريكية عن جوهر موقفها باشتراطات كيري، ومحاولته وضع الهيئة العليا للمفاوضات، وقوى الثورة جميعها أمام الجدار الرخامي.. فإما الإذعان لتلك الشروط، والذهاب إلى محادثات تكرّس نظام الجريمة والفئوية، وتشطب جميع الثوابت والمحددات، وإما " تحمل عواقب الرفض"...؟؟؟؟...

ـ اليوم أيضا.. وبعقلانية وواقعية مطالبون جميعا بدراسة كافة الاحتمالات ونتائجها وتداعياتها بعيداً عن التشنج والشعبوية والشعارية، والالتفات لوضع برنامج العمل البديل، المُفتقد موضع التنفيذ بمزيد من الصبر، والتحمل، والوعي، وبلورة المشروع الوطني جامعاً، وبرنامجا، وسبيلاً بكل مقتضياته في مجموعة متشابكة من المهام والتوجهات، والعمل على استعادة قرارنا الوطني الذي كنا أحد أسباب إضعافه وغيابه وسحقه، وبناء علاقات استراتيجية مع الأشقاء والأصدقاء الذين يؤمنون بجوهر موقف الثورة، ومستقبل بلادنا. علاقات تتجاوز الراهن إلى المستقبل، والفردي إلى الجماعي، والتبعي إلى الندّي ، والسياسي بديلاً لغيره .

ـ اليوم الجميع مطالب : قوى سياسية ومقاتلة وحراك ثوري ومدني بالاصطفاف في خندق واحد للدفاع عن الثورة، والردّ على محاولات الفرض، والتدخل السافر في شؤوننا، ونسف أهداف وطموحات شعبنا .

ميدان العمل رحب جداً، والنجاح ممكن ويتوقف على إنجاز المهام الحيوية في كل الميادين ..

وسوم: العدد 652