لا وجود للقدس في مهام فيلق القدس

د.اسماعيل خلف الله

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

لم تمر السنة على استلام الثورة الإيرانية الخمينية السلطة حتى قرّر المرشد الأعلى لهذه الثورة الخميني فرض ولايته الدّينية المسلّحة على كل العالم عبر إنشاء مشروع تصدير الثورة، حيث كان يُسوّق للشعوب المستضعفة والمتعطشة للحكم الإسلامي، على أنه (أي الخميني) المخلّص والمُنقذ لهم من خلال شعاره: ((يا مستضعفي العالم اتحدوا))، الذي على ما يبدو قام باستنساخه من الشعار السياسي الشيوعي ((يا عمال العالم اتحدوا)) المأخوذ من البيان الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك أنجلز سنة 1848.

ولكي يتم تنفيذ هذه المهمة، ويُنقذ الخميني هؤلاء المستضعفين، قام بإنشاء ما يُسمى بـــــــــــ "جيش المهمات العالمية" أو ما يُعرف بــــــ "جيش العشرين مليون مقاتل" و"جيش تحرير القدس".

وقد تواصلت الدعاية لشعار تحرير الشعوب المستضعفة من العبودية طوال فترة الحرب العراقية الإيرانية من 1980 إلى 1988 والتي تُعرف بحرب الثماني سنوات، حيث كان الإعلام الإيراني يُسوّق على أن هذه المهمة تكون بدايتها الفعلية بعد إزالة دولة العراق بالقضاء على نظام صدام حسين.

ففي سنة 1981 تأسست "الطلائع المليونية" تحت اسم "قوة القدس" كوحدة عمليات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وعند قيام حرب الخليج الأولى سنة 1991 قام النظام الإيراني بتجميع كل الوحدات القتالية التي تعمل خارج إيران تحت تنظيم واحد أوكلت له مهمة القتال في الخارج، وأُطلق عليه اسم "فيلق القدس"، ومن هنا كانت ولادة هذا الفيلق الذي يُعتبر القوة العابرة للقارات والذراع العسكري لتمكين الثورة الإيرانية من التوسع والتمدد والإنتشار الإقليمي أو ما يُعرف بتصدير الثورة، ومنه تمكين نظام ولاية الفقيه للوصول إلى أهدافه الإيديولوجية والسياسية التوسعية.

وهذا ما هو واضح في ديباجة الدستور الإيراني التي ركّزت على السعي مع الحركات الإسلامية والجماهيرية الأخرى لبناء الأمة العالمية وإنقاذ المحرومين في كل مكان على الأرض، والتي هي من صميم الأهداف الرئيسية للجمهورية الإسلامية.

كم تشير المادة 53 من هذا الدستور إلى إلتزام إيران بإقامة حكومة الحق والعدل في أرجاء الأرض، وحماية الكفاح الشرعي للمستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان في العالم.

من هنا نجد أنّ الدستور الإيراني أعطى للحرس الثوري مهمة إقامة هذا المشروع وتوسيع هذه الحاكمية لقانون الله كما يدّعون في كافة أرجاء المعمورة، وبما أنّ فيلق القدس هو الفصيل الأساسي في منظومة الحرس الثوري فهو إذن المؤسسة العسكرية المخوّل لها دستوريا القيام بهذه المهمة، من أجل نشر حاكمية الله في الأرض وبناء مجتمع عالمي موحد بزعمهم.

وانطلاقا من هذه المرتكزات الدستورية التي يستند عليها فيلق القدس لأداء مهامه، فإنه يحقُ لإيران أن تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة كما هو حاصل الآن في العراق وسورية ولبنان واليمن.

إضافة إلى ما سبق فإن "فيلق القدس" مكلّف بتصفية وملاحقة كل معارض للنظام خارج الحدود الجغرافية الإيرانية.

وقد تم تعيين الفريق قاسم سليماني قائدا للفيلق في عام 1997، والذي أُدرج في لائحة المنظمات الإرهابية في العالم بعد قيامه بعمليات إرهابية في بغداد وبيروت وبرلين وباريس ولندن حيث أصبح يُهدد الأمن الدولي.

هذا الفيلق الذي أوكل له الدستور الإيراني مهمة نشر حاكمية الله في الأرض وبناء مجتمع عالمي موحد وهذا باتباع خطة دقيقة ومحكمة من خلال جمع المعلومات العسكرية والإستراتيجية التي تخص دول الجوار، والتصدي وتصفية كل من عارض خط نظام ولاية الفقيه، والعمل على استقطاب كل الحركات الدينية والسياسية في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي، وتدريب وتسليح وتمويل كل حركة أعلنت ولاءها لمرشد الثورة الإيرانية الأعلى، كما هو حاصل في لبنان والعراق وسوريا واليمن.

فإذن المهمة الرئيسية لفيلق القدس هي مسئوليته المباشرة  على كل العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وكل المهام السرّية خارج التراب الإيراني، وبالتالي تكون وظيفته وظيفة مخابرتية بإمتياز.

وعندما وصلت الثورة السورية عامها الأول تقريبا قام المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بإصدار أوامر لفيلق القدس للقيام بأعمال إرهابية لحماية نظام بشار الأسد من السقوط، كما طالبه أيضا (أي الفيلق) بتكثيف العمليات الإرهابية ضد الغرب وحلفائه الذين طالبوا برحيل بشار الأسد ودعّموا المعارضة السورية.

وقد نقلت صحيفة "التلغراف" البريطانية حينها من مصادر مخابرات غربية أنّ علي خامنئي دعا إلى اجتماع سرّي مع مجلس الأمن القومي الإيراني في طهران لمناقشة تقرير حول نتائج قلب نظام بشار الأسد واستبداله بنظام آخر، والأثار التي ستترتب على إيران.

وقد خلص التقرير الذي أشرف عليه علي خامئي شخصيا إلى إبراز الخطوط الحمراء التي لا يُمكن للدول الغربية الدّاعمة للمعارضة السورية أن تتجاوزها بأي شكل من الأشكال في التعامل مع ما يجري على الأراضي السورية.

كما وجّه هذا التقرير تحذيرات لكل من أمريكا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر، وأشعل الضوء الأخضر لقائد فيلق القدس قاسم سليماني بتكثيف الهجمات ضد الدول الغربية وحلفائها الذين يدعمون المعارضة السّورية.

وللغرابة فإنّ هذا التقرير لم يتطرق لذكر مشروع إسرائيل في تهويد مدينة القدس لا من قريب ولا من بعيد.

والتصريحات الأخيرة لقائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، الذي أقرّ من خلالها بوجود مئتي ألف مقاتل إيراني منتشرة عبر خمس دول وهي العراق وسورية واليمن وأفغانستان وباكستان،

هذه التصريحات هي تأكيد قوي على أنّ فيلق القدس يؤدي فعلا هذه المهام خارج التراب الإيراني تحت إشراف مباشر من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي.

كما أنّ رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني صرّح بأنّ تدخُّل قوات فيلق القدس الإيراني في المنطقة جاء بهدف التصدي للإرهابيين وأنّه لولا هذا الدور لكانت أمريكا تواجه عشرات الحوادث التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس.

ومن خلال ما سبق ومن هذه التصريحات ومن الواقع الموجود والملموس على الأرض، فإنّه يتّضح لنا جليا أنّ فيلق القدس هذا يُمكنه القتال في كل بقعة من بقاع الأرض - دفاعا على مصالح إيران وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل - إلا مدينة القدس التي سُمي على اسمها وبهدف تحريرها كذبا وزيفا وبهتانا.

وسوم: العدد 653