مكر

إنه حقا مكر "لتزول منه الجبال" ذاك الذي حاق بسوريا ، أرضها وشعبها ، تراثها وحضارتها ، مدنها وريفها ..

 مكر تضافرت فيه قوى أكابر مجرمي الأرض .  فزحفت إلى بلاد الشام  جموع بشرية مسلوبة العقل ، معدومة الإرادة ، عمياء البصيرة ،تقربها إلى الله سفك للدماء، وطقوسها في عبادته ، لطم وندب وعويل وصراخ ، يسوقها إمامها "المعصوم من الخطأ والنسيان" ، من أقاصي الأرض ، فتذعن إليه كالأنعام ، بل أضل سبيلا، لاتعرف ولاء لأرض ، ولاوفاء  لعرق ،ولاعرفانا لولي نعمة .

هذا العنصر البشري المنحرف دينا وعقيدة وسلوكا ، انضم إليه في لعبة المكر شريك آخر، اختلس زي الكاهن بعد أن عايش طويلا عري الإلحاد ، فأفرزت علومه  بين عمل مدبر وحقد معمر، سما زعافا أراد به تحديدا الوسطية المسلمة

 وهكذا اندفع بترسانته العسكرية المتطورة كي تحرق الحرث والنسل  في موطن الأنبياء ومهد الحضارات.

أما ملك الغابة المقدسة (هوليوود) فقد أسند إليه (إخراج) سلسال الرعب الدموي هذا على مدى خمس سنوات.

 فوقف حينا يزأر متوعدا ، وحينا ينكفء ذارفا الدمع الهتون حزنا وألما ..ولاعجب فالخداع حرفته ، والكذب صنعته، والمكر فن باعه فيه قديم ، منذ أن أشاد تمثال الحرية على رفات آخر هندي أحمر

و"المكر" في القرآن هو تعبيرإعجازي فذ، إنه التدبير المحاط بالدهاء ، والكيد المسربل بالضباب ...كما أن المكر قد اقترن ذكره  في القرآن دوما "باجتماع قوى"  تربطها غاية واحدة ، تبطن الشر، وتنوي الفساد.

  وإخوة يوسف اجتمعوا للكيد من أخيهم ، توحدهم نوازع الحسد والغيرة منه لاستئثاره بقلب أبيه

"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وماكنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون". يوسف102

ورسالة النبي الأمي محمد (ص) ، ساوت بين العبد والسيد ، وبين العربي والأعجمي ، فلا فرق إلا بالتقوى ،رسالة زعزعت كبرياء قريش، ونالت من مكانة زعمائها ، فأجمعت القبائل وخططت  لقتل محمدا  بيد واحدة وسيف واحد ، و ليضيع دمه بينها .

 وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أويخرجوك"الأنفال30

والباس الحق بالباطل ، طبع عرف به بنو إسرائيل ، ولطالما اجتمعوا عليه وعملوا له، عندما وشوا بعيسى بن مريم إلى ممثل روما في فلسطين فبعث ثلة من الجند لأخذه وصلبه

ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" آل عمران54

و الخير إذ يضاف إلى صفة المكر و الماكرين ، يجعل التدبير المحكم والأخيروالمطلق  للذات الإلهية ، فالله سبحانه هو الذي يبطل المكر حينا ، وحينا يعكسه على صاحبه " ليحيق بأهله" ، وينقلب السحر على الساحر.

  وهكذا رفع النبي عيسى  للسماء ، بينما صلب عدوه والذي وشى به

و يوسف اعتلى على العرش و إخوته له سجود، معترفين بمكانته ، مقرين بمنزلته ، وما ما آثره الله به عليهم من رفعة وملك.

وأي منزلة أعلى من تلك التي منحها الله لنبيه محمد (ص) ! وأي رفعة أكبر من أن يذكر اسمه بعد ذكر الله في كل شهادة !

وأي خزي لمن أراد به السوء .

لقد مكر أكابر مجرمي الأرض بأرضي ووطني ، ولكن " والمكرلله جميعا " سيجعل من كبير اليوم ، صغيرا في الغد.

  ومن عمل طويلا لانجاز الحفرة سيتردى فيها ، ومن شحذ سكينه بمهارة ستغمد في نحره.

وفي سورة الأنعام "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم ومايشعرون . سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بماكانوا يمكرون".

وسوم: العدد 653