ما دامت أوضاع ما قبل الربيع العربي قائمة في الوطن العربي فالربيع سيزهر مرة أخرى لا محالة

من المعلوم أن الربيع العربي  بحراكه  في مختلف البلاد العربية إنما جاء نتيجة استفحال الفساد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . ومن المعلوم أيضا أن البعض يعتبر الربيع العربي صناعة خارجية  غربية من أجل تغيير الخارطة السياسية  للوطن العربي ، وهذا يعني تجريد الشعوب العربية من الإرادة ،  وبخس ثورتها ،واعتبارها  مجرد قطعان تسوقها القوى الخارجية الغربية كما تشاء. والحقيقة  أن حراك الشعوب العربية في ربيعها كان حقيقة لا غبار عليها ، و واقعا ملموسا حيث خرجت هذه الشعوب منددة بالفساد ومطالبة برحيله  ومحاكمته . ولقد استغلت القوى الغربية الخارجية هذا الحراك فركبته لتنفيذ مخططها الهادف إلى تغيير الوضع السياسي في الوطن العربي  بعد أن انهارت بعض الأنظمة الموالية  للغرب ،الشيء الذي خلق لدى هذا الغرب هاجس الخوف من ظهور أنظمة ديمقراطية من شأنها تحرير الإنسان العربي من مخلفات عهد الاحتلال الغربي للوطن العربي ، وقد كانت الأنظمة التي أطاح بها حراك الربيع العربي من تلك المخلفات ،لأن الغرب الذي أنهى احتلاله العسكري للبلاد العربية ظل يحتفظ بأنواع أخرى من الاحتلال للمحافظة على مصالحه  في الوطن العربي .  ولقد خلق الغرب من الحراك العربي ما سماه الفوضى الخلاقة  التي من شانها أن تجعله يستبيح الوطن العربي ، ويصنع فيه ما يشاء . وطبخ الغرب  مؤامرة الإجهاز على التجارب الديمقراطية  في بعض البلاد العربية التي أزهر ربيعها ، وهي عبارة عن ثورات مضادة لثورات الشعوب العربية  ضد الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي . ومن أجل التمويه على تدخل الغرب  في الوطن العربي  صنع هذا الغرب  عصابات مسلحة  إجرامية تتقنع بالدين، وترتكب الجرائم البشعة باسمه لتشويهه من جهة ، و من جهة أخرى للإجهاز على الثورات العربية  وضربها  بعد الخلط بينها وبين  تلك العصابات الإجرامية خصوصا وأن هذه الثورات راهنت على الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية  كما هو الشأن بالنسبة  لثورة يناير المصرية  التي أوصلت حزب العدالة والحرية  الإسلامي إلى مركز صنع القرار عن طريق اللعبة الديمقراطية المشهود بنزاهتها عالميا . ولقد تعمد الغرب  الخلط بين إسلام الأحزاب الإسلامية  وبين إسلام العصابات الإجرامية التي بثها في الوطن العربي ، ومولها ،وسلحها  لتخدم أجندته  ، وتحقق هدفه وهو منع وصول أحزاب إسلامية  مشابهة لحزب العدالة والحرية المصري عن طريق اللعبة الديمقراطية إلى مراكز صنع القرار. ولقد سكت الغرب سكوت الشيطان الأخرس على جريمة الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر مع أنه ينصب نفسه وصيا على الديمقراطية في العالم إلا أن هذه الديمقراطية التي  أوصلت حزبا إسلاميا إلى مركز صنع القرار كفر بها الغرب  وفضل عليها انقلابا عسكريا ، وحكما شموليا مدد عمر النظام الفاسد  الذي أطاحت به ثورة يناير، وهو نظام  كان يخدم المصالح الغربية  وعلى رأسها توفير  الحماية  للكيان الصهيوني المحتل .  ولقد  فضح الكيان الصهيوني مؤخرا تعاون الانقلابيين في مصر وتنسيقهم معه من أجل وأد حركات المقاومة الفلسطينية خصوصا وأن الانقلابيين  تلقفوا من الغرب  فكرة محاربة  العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا   والمشوهة للإسلام ، ونسبوا لحزب العدالة والحرية  ولجماعة الإخوان المسلمين إجرام تلك العصابات الإجرامية .  وفي سوريا سارع الغرب إلى استغلال الظرف للحيلولة  دون نجاح الثورة السورية مخافة  تكرار السيناريو المصري الذي أفرز فوز الإخوان المسلمين  عن طريق اللعبة الديمقراطية . وحتى لا  يضطر الغرب إلى طبخ انقلاب عسكري آخر في سوريا على غرار ما حدث في مصر،  وهو ما  سيفضح تورطه في  الإجهاز على ثورات الربيع العربي، لجأ إلى الإبقاء على النظام الديكتاتوري  في سوريا  ووفر له الحماية  عن طريق إطلاق  يد دولة إيران  وجبهتها المتقدمة  حزب اللات اللبناني في سوريا بموجب تفاهم ما يسمى الملف النووي الإيراني . ولما اشتد الخناق على النظام المستبد في سوريا غض الغرب الطرف عن التدخل العسكري الروسي في سوريا تحت ذريعة محاربة إرهاب  العصابات الإجرامية التي بثت في كل الأقطار العربية التي  عرفت حراكا ضد الأنظمة الفاسدة . ولقد تعمد الغزو الروسي الخلط بين المقاومة السورية  وبين  العصابات الإجرامية بل خلط بين الشعب السوري  وبين تلك العصابات من أجل تقوية النظام المستبد .  ومن المؤكد أن دعوة الغرب  لحوار  بين النظام الديكتاتوري  في سوريا  وبين المعارضة  بالتفاهم مع روسيا الهدف منه الحيلولة دون تكرار السيناريو الديمقراطي في مصر . ويهدف الغرب ومعه روسيا إلى خلق نظام في سوريا يكون امتدادا للنظام الدكتاتوري  الذي كان يخدم المصالح الغربية  وعلى رأسها سكوته على احتلال الكيان الصهيوني للجولان والمحافظة على أمنه . ومن المؤكد أن الغرب وروسيا لن يقبلا بنظام  قد يهدد أمن الكيان الصهيوني من خلال تحرير الجولان الذي قد يليه تحرير فلسطين وفك بيت المقدس من الأسر. وإذا كان الغرب يسعى إلى استبدال الأنظمة التي ناهضها حراك  الربيع العربي بأنظمة مشابهة حفاظا على مصالحه ، فإن تلك الأنظمة البديلة عن سابقتها ستكون تربة خصبة  يزهر فيها الربيع العربي من جديد ب سبب استمرار الفساد والاستبداد ، ولن تجدي  مع الربيع حين يزهر من جديد الثورات المضادة أو الانقلابات العسكرية  أو ركوب الفوضى الخلاق أو ركوب الصراعات الطائفية أو المفاوضات بين الأنظمة الفاسدة المستبدة وبين الثورات الثائرة عليها .

وسوم: العدد 660