السلاح الصاروخي الإيراني : رسائل جديدة للعرب

أعلنت إيران  أنها اختبرت إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية من منصات إطلاق في مناطق متفرقة من إيران ، وذلك في إطار تدريب عسكري،  وأكدت في الوقت نفسه  إن هذا الاختبار يهدف إلى إظهار قوة الردع الإيرانية، وكذلك قدرة طهران على مواجهة أي تهديد للثورة والدولة وسيادة البلاد

لكن ما مغزى التجارب الصاروخية الإيرانية ؟ ، وما هي الرسائل التي تريد دولة ولي الفقيه توجيهها للخارج ؟ والأحداث تتسارع وتجري  ككرة اللهب  ، في الوقت الذي تحاول فيه طهران إظهار أنها مازالت موجودة على الخارطة  الجغرافية ، ولكن هذه المرة من خلال إبراز استعدادها لقذف حممها الصاروخية  ، لجهة خلط الأوراق من جديد .

 الرسالة الأولى  التي أرادت طهران توجيهها ؛ فهو إزالة الغموض عن البرنامج الهجومي الإيراني ، من خلال إبراز القدرات العسكريّة للترسانة الصاروخية، حيث احتفى مسئولي النظام الإيراني بهذه  التجربة ، و إبراز  التفوق النوعي ، و أنها تمكنت من بناء  هذه القدرات في ظل العقوبات الدولية ، بحيث نجحت في إدخال تقنية التوجيه عن بعد على الصواريخ البالستية بعيدة المدى لجهة إحراز إصابة دقيقة في الأهداف ، ولكن أين ستتوجه الصواريخ الإيرانية هذه المرة  .

الرسالة الثانية  التي تريد طهران إرسالها  أن إطلاقها  للصواريخ البالستية بهذا التوقيت  يُمثل رسالة "عسكرية  وسياسية ، أرادت طهران توجيهها  لأكثر من عنوان ، في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات إستراتيجية وأمنية  حاسمة بالنسبة لكنس الوجود الإيراني ومواجهته بقوة وبفعالية غير مسبوقة ، والملفت أن الإعلان عن  التجربة الصاروخية  كان  عبر الحرس الثوري الإيراني - كما هي العادة - باعتباره القيم والوصي على إجراء التجارب والمناورات الصاروخية، لكنه اقترن برسالة تهديد شديدة اللهجة -على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني - موجهة للداخل والخارج  ، بأن الترسانة الصاروخية خط أحمر لا يمكن لأحد  أن يوقفها كأناً من كان ،وكان الملفت  أيضاً الدفاع المستميت للرئيس الإيراني حسن روحاني – المحسوب على الإصلاحيين ضمناً - عن هذه التجربة .

الرسالة الثالثة  : سرية إجراء الترتيبات للتجربة الصاروخية ، حيث أرادت  إيران أن تبرز أن لديها القدرة على  المبادرة بعنصر المفاجأة ضد أعدائها  ؛ إذ جرت التجربة بعيدًا عن الإعلام نظراً لأهميتها ولإبعادها الإستراتيجية ، وتمكنت من تأمين سرية القواعد الصاروخية ، وأماكن انتشارها ، وطبيعة  توزعها على طول المساحة الجغرافية الإيرانية دون أن يتمكن العدو من كشف ملابسات ما تم حسب التعبير الإيراني .

 الرسالة الرابعة  : أرادت  إيران هذه المرة  – حسب زعمها - أن تعلن  بشكل صريح عن مدى صواريخها  ، وطبيعتها من حيث قدرتها على حمل أسلحة غير تقليدية " نووية وكيماوية " ؛ وذلك  لأسباب عديدة تأتي ضمن إطار سياسة التحدي الإيراني  لدول المنطقة ،  فلا شك بأن قيام    إيران  بإطلاق  صواريخها القادرة على حمل رؤوس قادرة على حمل رؤوس ذات الدمار الشامل في هذه الظروف الحبلى بالتطورات ، هي رسالة واضحة تحمل دلائل عميقة و بليغة  لدول الجوار ، لاسيما الدول العربية ؛  فهي  التجربة  الأولى من نوعها بعد توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة  ٥+۱، التي لم ترغب  فيه الدول الغربية  لا  في ربط مفاوضاتها مع طهران بقضية البرنامج الصاروخي الإيراني الذي بات أكبر خطر يهدد الأمن العربي والإسلامي برمته ؛ ولا إشراك الدول العربية بهذه المفاوضات ، والقبول بعرض مطالبها المشروعة الضاغطة باتجاه ضرورة بحث البرنامج الصاروخي الإيراني ، حيث يأتي الكشف عن هذه التجربة  الصاروخية  في خضم معركة    كسر العظم التي بدأت بين إيران ، والمحور الممانع لسياستها ، و الذي تشكل حديثاً للوقوف  بوجه الإرهاب الإيراني  .

الرسالة الخامسة  : إعادة إنتاج فيلم وسيناريو  القواعد الصاروخية السرية  والأبطال المنخرطين بالإعلان عنه ، لا سيما من الطبقة السياسية ؛ حيث كان المسئولين الإيرانيين حريصين على أن يكونوا في حالة حراك دائم لاستعراض عضلاتهم ، وهذا ما برز من خلال زيارة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني لمنشأة القاعدة السرية " عماد " ، الواقعة تحت الأرض التي تحتوي على أكبر قاعدة صاروخية إيرانية ، والتي من المرجح أن التجربة الصاروخية  كانت إحدى الأماكن التي قد تكون انطلقت منها ، حيث ما لفت الأنظار  "مغزى التسمية " ، بمعنى إطلاق تسمية    "عماد"  على القاعدة الصاروخية  الإيرانية ، للتذكير  باسم القيادي في حزب الله عماد مغنية"، وعلاقته الوثيقة بما أسمته "رفاق السلاح في إيران، حيث تولى حزب الله  الاستعراض  نيابه عن قيادته في طهران ، معتبراً أن ذلك يحمل دلالات، وخاصة على صعيد معادلة "الردع مع العدو الإسرائيلي"، بحسب تعبيرها الممانع  ، لكن طهران نسيت أو تناست أنها  لم تطلق طلقة واحدة منذ الثورة الإسلامية لغاية كتابة هذه السطور على الكيان الصهيوني ، بل اعتمدت على حروب الوكالة لتصفية الحسابات مع إسرائيل ،وأن نفس عماد مغنية قد اغتالته تل أبيب  بالتعاون  مع مخابرات النظام السوري ، الملاحظة الثانية : أننا لم نسمع  بهذه المنشاة إلا عقب قيام السعودية بقطع العلاقات مع  إيران ، وتزامن ذلك  بعد الإعلان عن مجلس التعاون الاستراتيجي بين الرياض وأنقره   ، و عقب تدهور علاقات إيران مع أغلب  دول مجلس التعاون الخليجي ، ونجاح المملكة العربية السورية في إعادة لململة الصف العربي والإسلامي للوقوف بوجه الإرهاب الإيراني .

الرسالة السادسة : تأتي هذه التجربة أيضاً على وقع الانسحاب الروسي الجزئي الذي لم يرق لطهران ، بعد أن اعتبرته اعترافاً بقدرات إيران ، و إعلانها عن قدرتها على بسط النفوذ ومل الفراغ بالتعاون مع حلفائها ، اللذين عاثوا قتلاً ودماراً في سوريا .

الرسالة السابعة  :  الكشف  الإيراني الصريح عن مدى الصاروخ، وهو أمر غير اعتيادي  في التجارب الصاروخية الإيرانية ، وربما  هذا الأمر يحدث للمرة الأولى في التجارب الصاروخية، فالتجربة تظهر أنه بعيد المدى ، وأنه قد يصل إلى ألفي كم وربما أكثر ، كذلك  أعلنت إيران أن الصاروخ موجه ويعمل بتقنيات تصحيح المسار الذي تم تعديله ، معتبرة أن ذلك إشارة منها لإبلاغ الأعداء  أنها أصبحت تملك، كما الدول العظمى، قدرات بالستية  فوق تقليدية قادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى خارج الحدود وبدقة متناهية ، ما قد يمهد لضرب الأهداف التكفيرية  في سوريا و العراق ،  انطلاقا من قواعد نيران  متعددة من داخل الأراضي الإيرانية، بحسب ادعاء الإيرانيين.

 الرسالة الثامنة   : لا شك بأن  الكشف عن مدى الصاروخ يأتي كرسالة مبطّنة للسعودية وتركيا  الذي تأزمت العلاقات معهما بفعل الكثير من التطورات المتصارعة، وهي رسالة أيضاً للدول العربية الأخرى التي قد تشكل تهديداً مستقبلياً لطهران ، ورسالة لرفع معنويات النظام السوري ، والمليشيات التي تدور في فلك طهران ، وبهذا من المحتمل أن تتمثل طهران الحالة الروسية ، وتقوم بإطلاق صواريخها ضد الشعب السوري على غرار  ما فعلت موسكو ، بحجة محاربة التكفيريين ، ودرءا لتخفيف الخسائر الإيرانية  التي تكبدتها طهران بعد انخراطها المباشر بالأزمة السورية  .  

هذه التجربة ستدخل إيران إلى مرحلة الهجوم الدفاعي  كما أعلنت عن ذلك ، وأولى بوادره التلويح  بالتدخل العسكري الإيراني داخل  حدودها المذهبية والأيدولوجيه  ؛ من خلال السلاح الصاروخي ، وهذه التجربة لا يمكن فصلها عن تطور مسار  الأحداث في المنطقة؛ لا سيما في سوريا والعراق واليمن  ، وارتفاع حدة التهديدات في إيران، ترجمة لأوامر المرشد على خامنئي المقدسة ، الذي شدد في التعاطي بجدية وحزم مع التهديدات الخارجية ، بالإضافة لإعلان الحرس الثوري  استعداده لتنفيذ  وترجمة الأوامر الإلهية  بالرد على أي تهديد ضد إيران.

د. نبيل العتوم  

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية