قبل أن تقرر القعود

مر يوم الأرض بإيجابياته وسلبياته وأحداثه ومخططاته ، بنجاحه وإخفاقه ، مر وقد نزل البعض دون الآخر ، كان علي الأرض ثوار لم يتركوا الميدان منذ اليوم الأول للانقلاب وحتى الآن ، حافظو علي جذوة الثورة مشتعلة علي الأرض مذكرين العالم والانقلاب أن الثورة في مصر لم تموت ولم تستسلم رغم آلة القتل والاعتقال والمطاردة التي لم تتوقف ، بل وتزداد كل يوم وتيرة لتصل جذوتها إلي الشعب المستسلم لتطارد البسطاء بالرصاص الحي في سياراتهم الأجرة إن هم طالبوا بحقهم أو في ناصية الطريق إن هم طالبوا بثمن كوب مشروب تناوله أمين شرطة سحتا من دمه ، أو من امرأة رفضت مراودة ضابط عن شرفها ، أو مروءة رجل دافع عن شرف فتاة ينتهك في قارعة الطريق علي يد بلطجي يحمل سلاحا مدموغا بخاتم شرطة في خدمة الشعب ، حافظ هؤلاء الثوار علي ثورتهم ولم يتركوها رغم التضييق القاتل ، وإطلاق يد الأمن فيهم قتلا وتعذيبا ، فما وهنوا ، وما استكانوا ، وما سلموا ، وما ضجروا ، وما تراجعوا ، وما التفتوا إلي مساومات ، ولا أخافتهم يد البطش وما أثر فيهم طول الطريق ، بل قالوا ""هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا " ، هؤلاء لهم الفضل الأول بعد الله في إبقاء جذوة الثورة حية ، ولهم الفضل الأول بعد الله في عدم التمكين للانقلابيين من الحكم منذ اللحظة الأولي بعدم استسلامهم وخنوعهم وانبطاحهم مع كل المنبطحين  ، ونزل في هذا اليوم ثوار أحرار من بعض ثوار الخامس والعشرين من يناير غيبهم الوعي عن الشارع طويلا ، وغيبهم الإحباط ، وغيب بعضهم الخوف الذي نفضوه من جديد عن كواهلهم المثقلة بهموم وطن مخطوف وثورة ومخطوفة ، نزلوا للأرض التي هي في نظر الشريف كالعرض ، لا تباع ولا يتم التنازل عنها بأي مقابل أيا كان ، ودون كل شبر من أرض الوطن دماء بذلت عبر التاريخ ، وسيبذل في سبيلها أكثر حين يعلم الجميع حقيقة الخيانة والتسليم ، هؤلاء كسروا حاجز خوف طالما حرص العسكر علي إبقائه وحرص الإعلام علي تأكيده ، وهؤلاء وأولئك استطاعوا بعفوية الشارع أن يوحدوا صفوفهم وكلمتهم في مواجهة آلة الطغيان العالمية ضد ثورة شباب مصر ، وحدوا شعاراتهم وهتافاتهم بقمة الوعي ، لم يكونوا مطالبين بعودة الأرض ، فقد تعود الأرض وتضيع غيرها طالما بقي المسئول عن البيع ، هتف الجميع بإسقاط حكم العسكر ، وهو هتاف واع عميق ، يدرك أن سبب كل النكسات منذ اليوم الأول الذي حكم فيه العسكر مصر هو الحكم العسكري ، وأنه لا توجد دولة تطمح أن تكون حرة أو ناهضة ويحكمها عسكري ، فالعسكري ليس مكانه كرسي حكم ، إنما مكانه حدود يحميها وشعب يحميه ، وأن كل الأنظمة الشمولية العسكرية ليس لها مصير سوي التخلف والضعف والحروب الداخلية والإرهاب المصطنع ليضمن الحاكم العسكري لنفسه البقاء تحت مظلة الخوف الذي يحكم الشعوب الخائفة باسمه ، استطاع هؤلاء الثوار دون سعي من نخبة مصنوعة علي عين العسكر ، تأتمر بأمره وتتحرك بإشارته أن توحد مطلبها المشروع بإنهاء حكم العسكر ، تتوحد الصفوف ويتوحد الهتاف ليدهش العالم من جديد بأن هذا الشعب لم ينسي ثورته ، ويجبر البيت الأبيض أن يدلي بتصريح  من تصريحاته الخاوية المخدرة أنه يرقب الوضع في مصر عن كثب ، وما فعل ذلك إلا بإجبار الثوار له أن يفعل ، وإلا رعبهم في الداخل والخارج من صحوة هذا الشعب ، ونزل في يوم الأرض آخرون ممن أرادوا إفساد اليوم ، ليصير مجرد يوم يعطون فيه النظام بعده فرصة لالتقاط الأنفاس وتسول بعض الدعم من هنا وهناك ليبقي أطول فترة ممكنة يبيع فيها ما يمكن أن يباع ليترك لما سيأتي بعده تركة مثقلة من الخيانة لا يعلم مداها وعمقها واتساعها إلا الله وحده ، وربما استطاع هؤلاء أن يفضوا الثوار في ذلك اليوم بعدما قرر الشباب اقتحام التحرير والبقاء فيه إلي تحقيق المطالب كاملة لينفض الجميع المبهر علي لقاء في الخامس والعشرين من أبريل الحالي

كانت مليونية رائعة أعطت للعالم رسالة أن المليونيات ممكنة من جديد ، وأن الشعب قادر علي صنعها من جديد ، وأن هناك أهدافا يمكن أن يجتمع عليها من جديد ، وأنه ورغم وجود المنبطحين هناك جيل ثوري صنعه الشارع وصنعته المحنة غير قابل للانخداع مرة أخري ، وأن الخامس والعشرين من أبريل وإن لم يكن نهاية الانقلاب ، فهو بداية قوية لوحدة جديدة تجمع الشعب ليناير جديدة سوف تسحق في طريقها كل خائن وكل طغاة العصر في مصر

فيا من قررت القعود تلك الرسالة لك وحدك

يا من غضبت لبيع أرضك ، وغضبت لانتهاك حرمات منتهكة لبنات المسلمين ،  تخيل أن تكون تلك ابنتك ، أو أختك ، أو زوجتك ، يعتدي عليها أمين شرطة فاجر فيسلبها حقها في الأمان وأنت جالس في بيتك غاضب ، فهل يكفيك غضبك ؟

لو كانت تلك تخصك ، هل كان يكفيك أن يغضب العالم بأسره من أجلك لكنه يظل عاكفا في بيته يعجبه دور المتفرج ؟

يا من تألمت لقلب أم كانت كل أمنيتها أن يدفن ابنها في قبر تستطيع زيارته ، تخيله ابنك ، فمن السهل أن يكون ابنك أو قريب لك ، وقد أصبح الرصاص في الشوارع بالمجان ، وأصبح القتل في الشوارع شبه يومي ، بعض شهداء رابعة لم يدفنوا ، لأنهم حرقوا أحياء وجرفوا في سيارات الجيش لا أحد يعلم عنهم شئ ، وما زالت الأم تنتظر فقط أن تعثر لابنها علي جثة ، ألم يئن الأوان يا من قررت القعود أن تتحرك من أجل هؤلاء ؟ من أجل ألا نكون رقم ، مجرد رقم في قائمة المفقودين لدي العسكر ؟

يا من عجزت عن تحصيل قوت يومك ، يا من عجزت عن تدبير احتياجات أسرتك ، يا من تقلص راتبك للنصف دون أن تدري وأنت المسالم الذي يسير داخل الحائط ، لا يغضب النظام ولا يعترض أملا منه في العيش ، مجرد العيش ، هل تهنأ بعيشك الآن ؟ هل تستطيع تربية أبناءك في أمان ؟ هل حالة الرضا التي تحياها منعت عنك أذي العسكر ونظامه حتى في لقمة عيشك وفاتورة الكهرباء والمياه الملوثة التي تشربها راضيا كل يوم ؟ هل حقا أنت تعيش كإنسان ؟

يا من قررت القعود وأنت تعلم أن هناك آلافا من المأسورين لا لذنب سوي أن أرادوا لك حياة كريمة ، كلهم يستطيع الخروج بكلمة استسلام ، كلهم يستطيع الخروج ليكونوا مثلك ، بل أفضل منك ، فمنهم الطبيب والمهندس والعالم والطلاب ، ليس فيهم الفاشل ولا العاطل ، ضحوا بحياتهم من أجلك لتحيا بكرامة وإنسانية ، تعلم أنهم مظلومون ومع هذا تهنأ بلقمة عيش ذليلة وراض أنت بها ، أبشرك أيها القاعد في بيتك ، غدا لن تجد هذه اللقمة ، وتابع إن أردت أسعار الدولار بالسوق لتعلم أن حفنة الهواء المستوردة سنتنفسها بصعوبة ، ولن نجدها يوما ، فكر قبل أن تستمر في قعودك ، حريتك لن يأتيك غيرك بها ، حقك من كانوا ينادون به كنت أن تطعنهم في ظهورهم بسكوتك وطغيان عدوك ، فقبل أن تقرر القعود ، قرر أن تنتزع حقك من اللص القابع دونه

يا من تخافون علي أبناءكم فقررتم منعهم من النزول ، امنعوهم ليضيع مستقبلهم كما أضعتم بخوفكم حاضركم ، امنعوهم وسيأتيهم الموت علي أسرتهم إن كان آتيا ، أو يأتيهم الهوان ليحيوا كما حييتم تحت مذلة الاستبداد والطغيان من جديد

يا من قررتم القعود ، إياكم أن تشتكوا يوما من جنون الأسعار وما هو آت أشد بكثير ، إياكم أن تشتكوا من خطف بناتكم من الشوارع ، إياكم أن تشتكوا حين تمرضون فلا تجدوا راتبكم يكفي لثمن دواء أحد أفراد أسرتكم ، إياكم أن تشتكوا حين تباع الأرض قطعة قطعة ، وينتهك العرض في الطرقات علانية ، إياكم أن تشتكوا ومملكة الحواتم لا ترحم ومعهم تفويض مفتوح ، أنه لن يحاسب ، وتفويض مفتوح منكم بمحاربة العنف والإرهاب المحتمل ليكون عنفهم علي الشعب وإرهابهم بسكينك أنت وسلاحك أنت  

 يا من قررت القعود خوفا لا تسأل الله أن يفرج عنك ، فالله لا يفرج إلا علي من قرر الانتفاض ، ومن قرر أن يتغير " إن الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم "،

فلتتغير ، وتنزل ، وتقاوم ، وتهتف ، وترفع صوتك ، أو لتسكت للأبد وتتحمل ما يكون .

وسوم: العدد 665