الفلوجة .. لماذا الآن؟

الفلوجة مقبرة الغزاة تشهد عمليات إبادة جماعية بيد النظام العراقي الشيعي الصفوي بدعوى تحريرها من داعش التي تقوم هي الأخرى بارتكاب انتهاكات بحق أبناء أهل المدينة من السنة. فأهل الفلوجة بين فكي كماشة الجيش العراقي “الشيعي” المدعوم بكتائب الحشد الشيعية، والعشائر السنية التي تخوض المعركة لحسابات خاصة منها تقليل حجم الخسائر المتوقعة من الهجوم الشيعي البريري على أهلها الذين لم يسمح لهم بالخروج عبر الممرات الآمنة “المزعومة” قبل ما يسمى بعمليات “التحرير”.

هناك سؤالان يتبادران للذهن، أولهما خاص بأسباب اجتياح الفالوجة، والثاني يتعلق بالتوقيت “لماذا الآن رغم أن المدينة تخضع لسيطرة داعش منذ عامين؟

الإجابة على السؤال الأول تكمن في معرفة بعض الحقائق عن هذه المدينة التي شكلت تحديا لأي عدوان خارجي أو حتى داخلي من أيام الفرس في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرورا بالاحتلال الإنجليزي، فصدام حسين، وصولا إلى الاحتلال الأمريكي 2003، وانتهاء بالحكم الشيعي الراهن في البلاد.

فالفلوجة كادت تكون عاصمة الخلافة العباسية بسبب موقعها الاستراتيجي وسط العراق وإنها تمثل الموقع المتقدم الذي يتصدى للفرس في حالة أي عدوان منهم على دولة الخلافة.، لكن تم اختيار بغداد بدلا منها في عهد أبي جعفر المنصور لمواجهة الأطماع الفارسية في الوصول إلى الحدود السورية لاستعادة هذه الأراضي التي خسروها أيام الخليفة عمر بن الخطاب. وفي أوائل أربعينيات القرن الماضي ثار أهلها ضد الاحتلال البريطاني الذي لم يجد ردا سوى القصف الجوي لها لقمع هذه الثورة.. ورغم بسالة أهلها وجنودها إبان حرب الخليج الأولى “1980 – 1988” في مواجهة إيران، إلا أن وضعهم في عهد صدام “السني البعثي” لم يتغير كثيرا، فصدام اعتبر المدينة السنية معقلا للإسلاميين الذين يعارضون حكمه “البعثي”، فقام باعتقال العديد منهم، وصدرت أحكام بالإعدام على آخرين.، كما بقيت بمثابة شوكة في حلق الحاكم الأمريكي بريمر، بل إنه ليس من المبالغة القول إن الفلوجة غيّرت الإستراتيجية الأمريكية في العراق، من البقاء إلى الاتفاقية الأمنية والانسحاب شبه الكلي عام 2009.

وفي عهد الحكومات الشيعية المتعاقبة كان ينظر إلى الفلوجة باعتبارها مفرخة علماء أهل السنة، حيث كانت بمثابة النجف “السنية” لقدوم أكثر من نصف العلماء السنة منها في مواجهة النجف “الشيعية”، فرفض المالكي دمج أبنائها في الجيش بدعوى أنهم “بعثيون”! ، وباتت المدينة محط أنظار، بل وانتقام كل من الحكومات الشيعية والفرس”إيران”، والأمريكان، على حد سواء، وربما هذا يفسر أسباب هذا التحالف الثلاثي لهزيمة الفلوجة بدعوى مواجهة داعش من ناحية، والصمت على معاناة أهلها من ناحية ثانية.

أما بالنسبة للسؤال الخاص بدلالة التوقيت” لماذا الآن”، فالإجابة تكمن ببساطة في رغبة القوى الشيعية المتباينة في إيجاد عدو مشترك يساهم في رأب الصدع في البيت الشيعي بسبب الخلافات بين الصدر والعبادي والمظاهرات الشيعية التي تشهدها في الآونة الأخيرة احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية. وبالتالي جاءت فكرة تحرير الفلوجة بمثابة البوتقة التي تصهر فيها هذه الخلافات مؤقتا لاسيَّما عندما يكون الهدف سنيا مقاوما عنيدا.

وإذا كانت الأمر كذلك.. فماذا عن العرب السنة. هل سيكتفون بموقف المتفرج. أم لا بد من التحرك السريع. ربما هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقال لاحق.

وسوم: العدد 670