الليبراليون والانقلاب العسكري!!

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

لاتزال تداعيات الانقلاب العسكرى الذى وقع فى مصر فى يوليو الماضى تتوالى ، وتثير الكثير من التساؤلات الكبيرة وعلامات الاستفهام المحيرة ، وتقلب الكثير من المسلمات رأسا على عقب ، ولعل من الكشوف والفضائح التى واكبت الانقلاب العسكرى هو موقف الليراليين من الانقلاب ، فلطالما صدع الليبراليون روؤسنا لعقود طويلة بأنهم من يحملون مشاعل الحريات وينادون بالدفاع عن الديمقراطية ، ويروجون لاحترام حقوق الانسان ، واحترام خيارات الشعوب ، وفجأة تبددت كل هذه الشعارات الزائفة التى كان يتشدق بها الليبراليون العرب ، فوجدناهم يؤيدون ويدعمون الانقلاب ، ويكفرون بالمسار الديمقراطي بعد ثورات الربيع العربي ، ويغضون الطرف تماماً عن انتهاك الحريات ، بل ويهللون لحكم العسكر ، وما يزيد الطين بلة ، ويشهد بسقوط مبادئهم وزيف شعاراتهم وتبلد مشاعرهم صمت القبور الذى يعيشون فيه إزاء ماجرى من مجازر بشرية مروعة فى فض اعتصام ميدانى النهضة ورابعة العدوية وسلسلة المجازر التى سبقتها وتلتها منذ وقوع الانقلاب العسكرى ، بل وجدنا منهم من يباركها ويهلل لها ويشجع على المزيد منها للقضاء تماما على تيار الاسلام السياسى ، ولايمكن أن نفهم أو نبرر لهم ذلك السلوك الشاذ حتى لوكان هناك خلاف أيدلوجي بينهم وبين الإخوان المسلمين أو مع الحركات الاسلامية بشكل عام !!

إن الليبراليين واليساريين الذين وقفوا بجانب اﻹسلاميين كتفًا بكتف في ميدان التحرير ينادون بالديمقراطية، باتوا الآن يحتضنون اﻵن قائد الانقلاب العسكرى عبد الفتاح السيسي ويعتبرونه بطلاً بعد إطاحته بأول رئيس منتخب ديمقراطيًّا.

علاوة على وجود تحريض ضخم من قبل الليبراليين واليساريين ضد اﻹخوان المسلمين لدرجة دفعت بعضهم لمهاجمة أي ليبرالي أو يساري يصف ما حدث في 3 يوليو بالانقلاب العسكري.

ومن أسوأ وأخطر نتائج الانقلاب العسكري فى مصر ؛ هو كشفه هذا الحقد الدفين الذي أظهرته القوى الليبرالية والقومية والشيوعية والعلمانية والمسيحيين السياسيين ضد الإسلاميين، بالتعاون مع الانقلاب العسكرى والمشاركة في إقصائهم عن السلطة ، بل وعن الحياة بالكلية بتبرير القتل والسحل والاعتقال وذلك لفشل فى أى استحقاق انتخابي فى دول الربيع العربى لاسيما فى مصر بعد ثورة 25 يناير !

ثمة مؤشرات قوية أيضا تكشف عن هذا الدور المشبوه الذى قام به الليبراليون بالتعاون مع الانقلاب فى إقصاء الاسلاميين من المشهد العام وهو دفاعهم عن شبكات المصالح ورجال الأعمال الذين يشكلون جزءا من المعادلة فى الدول العربية والذين تضرروا من ثورات الربيع العربي لاسيما بعد مجئ سلطات منتخبة ليس بينها وبينهم أى مصالح ، بعد سقوط أنظمة ديكتاتورية كانت حليفة لهم على مدار عقود على حساب الشعوب ، فمعظم الانظمة العربية متحالفة مع رجال الأعمال وأصحاب رأس المال الذى تضخمت ثرواتهم بشكل مروع ويقتسمون سويا ثروات الشعوب فيما يشبه مافيا فساد عالمية !!  

بات من الواضح أننا عشنا أكذوبة كبيرة وهالة وهمية مصطنعة نسجها الليبراليون على مدار عقود أنهم دعاة التحرر بينما عبيد يرسفون فى القيد ، وسقطوا مع أول امتحان لاحترام خيار الشعوب ، ونتائج الصناديق التى جاءت بالاسلاميين للسلطة ، فى انتخابات نزيهة وشفافة ، إنه الانفصام النكد ، والتناقض بين المبادئ والواقع ، والهرولة للخلف فى ردة واضحة عن الديمقراطية فى ظاهرة تحتاج لدراسات بحثية عميقة تفسر كيف حدث هذا الانهيار المدوى لمعسكر الليبراليين العرب الذى خاصموا الشعوب ، وتخلوا عن مبادئهم وداسوا شعاراتهم ، وباعوا ضمائرهم ، وتحالفوا مع الانقلاب العسكرى ، وباركوا سفك الدماء واعتقال الآلاف لمجرد أنهم ضد الانقلاب .!!

قد يتخيل الليبراليون أنهم بصدد تأسيس دولة علمانية فى ظل الانقلاب العسكرى الدموى، ولكنهم واهمون فمن من الخطأ أن يعتقد مؤيدو الانقلاب من الليبراليين بأن الجنرالات سيتحركون لبناء دولة ديمقراطية علمانية ، فهذا غالبا لن يحدث، لأن قادة الجيش سيتصرفون كما يتصرف العسكريون عادة وكما تصرفوا في مصر دائما.

وهذه التصرفات ستتمثل في سعي القادة العسكريين إلى فرض سيطرتهم على النظام السياسي والاحتفاظ بمملكتهم الاقتصادية وسحق المعارضين والعصف بحقوق الإنسان ، وسيتحولون عما قريب إلى ضحايا لهذا الانقلاب، فهذا هو ديدن الأنظمة العسكرية على مر العصور.

إن النخبة الليبرالية الفاشلة فى استقطاب الشعوب حول أفكارها وشعاراتها المزيفة والتي ساعدت في عودة حكم العسكر، هي أول من سيتم الغدر بها سواء كان ذلك بإرادتها أو رُغما عنها ولم يعد ينطلى على أحد إدعائها المطالبة بإسقاط حكم العسكر، لأنها ما لبثت أن طالبت بعودته بحجة تخليصهم من حكم الإخوان المسلمين، فأعادت الحكم العسكرى الدموى بغباء منقطع النظير!!