الكراسي الخالية؟

مصطفى محمد رشدي مفتي

انتصر الشعب السوري انتصاراً عظيماً وانتصرت ثورته، نعم أقول ذلك منطلقاً من مقاييس ومؤشرات عديدة:

-      ألا ترون معي أنه انتصر عندما تغلب على ضعفه وصمته عن الأوغاد؟ الذين نهبوا البلاد، واستذلوا العِباد، وتعدّى أذاهم إلى الحيوان والجماد.

-      ألا ترون معي بأن شعبنا الأبيّ انتصر عندما وقف في وجه عصابة تحمي الكيان الإسرائيلي، وتحنو عليه كما تحنو الأم على وليدها، وبذلك تتمتع هذه الطغمة بدعم وحماية العالم غير المتحضر كله لما تقدمه من خدمة جليلة لهم.

-      ألا ترون –أيها الأحبة- أنّ شعبنا هزم النظام بعدته وعتاده، وأوشك الأخير على الانهيار، فالتجأ إلى المليشيات الطائفية في إيران والعراق وأعداء الله في لبنان، وبعض المليشيات الحاقدة من أفغانستان وغيرها، جاؤوا لينقذوا نظام بشار من الانهيار والسقوط فعاثوا في البلاد فسادا وقتلاً وتنكيلاً بالعزل من شعبنا المكلوم.

-      ألا ترون معي أن شعبنا انتصر على النظام الحاقد وأذنابه الطائفيين حيث لقنهم –جميعاً- درساً سيذكرونه ويحكونه لأجيالهم القادمة، فاستنجد بشار وزبانيته بعد فشل التدخل الطائفي بالقوات الروسية الغاشمة المعتدية، على أمل الإنهاء على شعبنا وثورته المباركة في أيام معدودات، ولكن هيهات هيهات أن يتحقق لهم ذلك أمام شعب جبار كشعب الشام.

-      ألا ترون انتصار شعبنا وثبات المجاهدين على جميع الجبهات بعد أشهر طويلة من استخدام الروس للأسلحة الفتاكة والقنابل العنقودية والفراغية وجميع الأسلحة المحرمة دولياً، وبعد استخدام سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقي أثراً للحياة على الأراضي المستهدفة.

-      ألا ترون معي أن هذا الشعب العظيم يستحق أعلى الأوسمة وأرفعها على ما بذل من وقته وماله ودمائه، ولقد استحق وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنهم: من صفوة خلق الله وخيرتهم ، وبأنهم خير أجناد الأرض.

بعد ما رأينا من بطولات شباب الشام ورجاله الذين سطروا ملاحم البطولة والفداء، والبذل والعطاء، فأرخصوا في سبيل الله أرواحهم والدماء، فعلينا أن لا ننسى دور نساء الشام اللواتي كنّ رديفاً لرجالهم وعوناً لهم منذ الساعة الأولى لانطلاق الثورة، فاستشهد منهن الكثير، وقدمن فلذات أكبادهن إلى ساحات العزة والجهاد فضربن مثلاً رائعاً يحتذى به، وذكرننا بالمجاهدات الأوائل مثل:  أم عمارة، وأم سليم بنت ملحان، وسميّة زوجة ياسر وأم عمار، وغيرهن ممن شاركن مع الرجال ليصل الإسلام إلينا.

أصبح لكل أسرة في بلادنا شهيد أو غائب أو فقيد، وقد يجتمع ذلك كله عند بعض الأسر، وتتحرك العواطف وتثار الأشجان، عندما يجتمع أفراد العائلة على موائد الإفطار في رمضان، فنجد كرسياً أو مكاناً فارغاً لا يملؤه أحد لأن صاحبه غادرنا إلى كنف الرحمان، وقد تتعدد الكراسي الخالية، وربما يفرغ المكان، فنتذكر أحبابنا وقد تسبقنا العبرات وتنفلت المدامع فلا نملك زمامها، ولكن الأمّ وجعها أعظم، وحنانها ورقة مشاعرها تدفعانها لتذكر الفقيد في كل حين، وها هي ترمق الكرسي الفارغ بعينيها الدامعتين وتتمنى لو أن حبيبها جالس مكانه، ولكنها تحتسب ذلك عند ربها، وتحمد الله، وتدعو له بدعوات تطرق بها أبواب السماء، ويهتز لها عرش الرحمن، وعندما تباشر طعامها وتذكر أن فقيدها مولع بهذه الأكلة، وكان يلح عليها دوما لتطبخها له، هنا تغص اللقمة في حلقها، وتقف عن التقدم إلى جوفها، فتسعفها الأيادي الحانية بكأس من الماء تسهل عليها بلعها.

سيحكي أهلنا في سوريا لأبنائهم قصص التضحية والبطولة، وسيقصون عليهم قصة أهل الشام، الذين يأبون الذلّة، ولا يسكتون على ضيم، هم الرجال فمن تعدى عليهم فلا يلومن إلا نفسه.

وسوم: العدد 673