عَدَن ميزان اليمن 1+2

(1من10)

في الدفاع عن ثغرها المطل على خليج "بربرا" تحولت "عَدَن" عبر العصور لأغرب أسطورة،مثلها مثل اليمني عاشقة لصنف من الحرية المتطورة، لا تُعرَفُ ولا تُحَسُّ إلا داخل هذا الوعاء الاجتماعي بالمفهوم التقدمي الموغل في القِدَمِ المؤهل بالفطرة ، ليكون بمن فيه يمني وليس للطامعين الوافدين من شمال الشمال مجرد قنطرة ، وصولا لخليج له الكلمة الفصل في الملاحة المكثفة والهامة الرابطة كانت عدن بصُور اللبنانية لإحْكَام السيطرة، ولولا الميزة لما غادر مكسور الخاطر كل مُغِير ومحتل مُصَنِّفاً إياها في أحاديثه المدونة المنقولة جيلاً عن جيل أنها إن ثارت أخطر من الخطورة. المحيط الهندي ترتاح مياهه على شاطئها، ليطفو فوقه ميناؤها الأكبر في المنطقة، مَن جلب المغامرين من دول بعيدة باحثين عن الاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجي الفريد من نوعه بكل المقاييس وبمعايير الاستحواذ على خيرات الغير مرتبطة ، ولم يحسبوا لعدن امتلاكها صخورا تتكسر فوقها جماجم طغاة ظنوا أن اليمنيين لقمة سهلة المضغ تستقر ماءا مضروبا في مجاري تصب في بحر النسيان هكذا بيسر، لكن حلم المغرور عن ذاكرته طائر متبخر مادام للديار (المشيدة عن سبب من الأسباب في قمم رواسي يقطنها أناس طوعوا النسور لخدمتهم كأداة اتصال مضمون النتائج مجاني التكلفة) أهالي يسترخصون كل أشكال التضحيات حفاظا على حريتهم المتطورة، الباقية ما عمروا إلى قيام الساعة المُنتَظَرَة .

عدن مدرَّبة على الصمود والمقاومة منذ عهود كان الاعتماد فيها على قوة سواعد البشر وما يجري في شرايينها من دماء نظيفة غير ملوثة بحضارة مزورة، ولا زعامات أحزاب سياسية متهورة، ولا أفكار هدامة غادرة ، كانت المواجهة تتم الند للند، ألأول محافظ على وطنه وشرفه ومرتع كيانه ورزقه، والثاني دخيل طامع في التوسع ولا يهمه النتيجة أكانت في صالحه أو دون ذلك ما دام لن يخسر شيئا إذ أتى برؤية واحدة تدفعه بإصرار للحصول على مراده المحسوم المُدَقَّق، أو إلى حتفه الحتمي المُحقق، إن فاز تَمَتَّع ، وإن انهزم ضاع ، ولولا قيمة عَدن والمستوى العالي الذي وصلته لما أثارت انتباه الراغبين في مضايقتها لإزاحة ما بداخلها من نعائم وكنوز وكماليات على أمل إلحاقها في مواكب نصر خرافية بتلك الأرض النائية أو القريبة التي ضاق بأزماتها فغادرها خدمة لها وبحثا عن تحقيق ذاته في غيرها مهما كان الثمن فقدانه حياته، في هذا المضمار ، لبعض النماذج نختار ، عسانا نستوفي ما نحن بصدده من وضع النقط على حروف من يعلم ويتناسى فينطقها مجمَّعَةً في جُمَل ركيكة بلكنة أجنبية غريبة عن وفاء أهل هذه الأصيلة من الديار، الرافعة رؤوس اليمنيات الحرائر واليمنيين الأحرار، لعُلَى المجد مدى الدهر ، بدءاً من سفر "حزقيال" خلال العهد القديم ،حيث يحلو التمعن في شهادات أعطت عدن ما تستحقه من ثناه بما وفرته لنفسها (ذاك الزمان) أوصلها بجهد السنين الطويلة المتكررة ، وخطط بالثقة في قدراتها عامرة ، لتصبح من نجوم تجارة التوابل لأمد بعيد يشمل قروناً وما كانت توفره تلك التجارة من موارد مادية مُعتبرة ، إلى محطات أُخر لمسيرة هذا الثغر في الوجود،خلالها حكمت مملكة أوسان الغابرة قبل أن يهاجمها كربئيل وتر الأول ملك سبأ مع بدايات القرن الثامن قبل المسيح ليثور على الأخيرة الحميريون ويمحون أثرها سنة 275 ميلادية إلى أن حل "السيسانيون" محلهم انطلاقا من سنة 671 ميلادية ، لتسيطر عليها دولة بني زياد (819م)،و"الصليحيون " إلى أن سقطوا سنة 1138م،تاركين لبني زريع شأن تدبير حكم عدن أربعين سنة بعد ذلك إلى أن تمكن "عمر بن الرسول" في سنة 1226م تقريبا، من تأسيس "الدولة الرسولية" لتنهض عدن من جديد وتبني نفسها بما يليق وتاريخها المفعم بالمقاومة والتصدي لمن يريد النيل من مقوماتها واستعمالها جسرا يتخطاه لانجاز المزيد من المصالح والجاه والنفوذ. (يتبع)


عدن أمن اليمن

(عدن ميزان اليمن – 2 من 10)

تقييم موقعها على الأرض لدى كبراء خبراء الإستراتيجية القائمة على مد الخطوط طولا وعرضا لوضع نقط الارتكاز المتحرك منها تيار التغيير باستمرار ، لفائدة البشر ، دون التفريق بين الأجناس هذا أبيض وهذا أسود وهذا أصفر وذاك أحمر ، يحسبون لمدينة عدن أكثر من ميزة في هذا الميدان ، قَدَرُها أن تكون كذلك محط عناية الشرق والغرب ، ولولا صلابة جأش اليمنيين عموما لشهدت كل يوم احتلالا من نوع خاص جالبا لها الضرر.عدن أكبر مما قد نتصور سنبلة مُصانة على طول ممر، متى هبت صرصار الصحراء من شمال الشمال تصدت لها بما لديها من سواعد الأحرار ، فتحولها لمثابة غبار أصطدم بموجة مناعة هذه الديار، الثابتة في جسد اليمن تقيه ليل نهار من أي خطر، وحيثما ساق البحر لها أصحاب الرؤوس المفلطحة والبطون المنبعجة تصرفت تصرف حكماء، تَركوا الأعداء، حتى تجمعوا طمعاً في إتقان التمويه لغاية استحواذهم على الفضاء، ليتحكموا داخله وهم الدخلاء في المصرف والقضاء، وعلى حين غرة، يُطوَّقون من طرف كثرة، بمحبة اليمن مسلحة ولقلبه النابض عدن مخلصة ، ولموعظة أجداد الأجداد باجلال ذاكرة ، لا خير فيمن يخون وطنه

ولا شر في من يحارب دفاعا عن حرمة وطنه بإيمان عميق وإرادة صادقة وطيب خاطر ، الحرية لا تقف مع الجاني إن اقترفَ خطيئة في حق المعبِّر عن رأيه في جو من الاحترام البيِّنِ المتبادل ، الحرية في التسامح والأخذ بالصائب من القول الرزين الحَسَن والجدي النافع من الأعمال ، وهذه هي عَدَن وأخلاقيات عَدَن المكافحة الصامدة الذكية دوما حتى في الدفاع عن نفسها ، بابُها مفتوحٌ لمن يناشد الحماية ، وأهلها ألفوا الكرم ، وجميع مَنْ فيها أهمّ ما يملكون الشرف المفعم بعزة النفس ، هدوؤها لا يعني استكانتها أو انزواءها عن ضعف ، انتظارها لانتقاء القرار المناسب لا يُفَسَّر بخوفها ، إنما هي طبيعة تربية السلف الصالح المانح التفوق الحسي في تحليل المستجدات واختيار إحدى الوسيلتين الأكثر ملاءمة مع الموقف المباشر، الاستيعاب فالاحتضان أو المواجهة بإعداد صحيح متبوع بِعُدَّة كافية، والزمن كفيل بالحكم النهائي لصالح المُحق في رؤاه، غير المُعتدي، الواثق من سلامة قضيته، المندفع عن قناعة واقتناع لما يحقق به ذاته اليمنية المتمسكة بالحلال ، الرافعة راية الإنصاف الخالي من خدمة بعض اديولوجيات آخر زمن . 

في عَدَن أشعر كأنني في "آيت باها" التابعة لإقليم "شتوكة آيت باها" وعاصمته "بيوكرا" الغير البعيدة من الجميلة عاصمة سوس أكادير ، الناس هناك وهنا متشابهون ، نفس القامة، نفس النظرات النافذة لدواخل وجدان تَقََرُّباً لمحبة إخاء تلقائي دوافعه إنسانية وأهدافه التلاحم الروحي المؤدي للتعاون المشروع والتضامن الأكيد للتغلب على الصعاب مهما كان شكلها أو حجمها ، ثمة شيء في عَدن أتطلع إليه بحاسة سادسة أن أحد جذور المغرب غُرِسَ في اليمن لينتج ثمار نفس العقلية في هذا الجزء الغربي من العالم العربي، كما هناك على مقربة من مضيق باب المندب المتحكمة فيه عدن لحد ما ، كالمغرب له وضعية تجعله صاحب كلمة مسموعة عندما يتعلق الأمر بمضيق جبل طارق .(يتبع)

وسوم: العدد 675