اجتماع اللئام على مناصبة العداء للإسلام

لم ينقطع العداء لدين الإسلام منذ أو يوم جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظل كذلك إلى وقتنا الراهن ، وسيتمر العداء له ما بقي من عمر البشرية . ولقد مرت حقب تاريخية كان العداء لهذا يشتد كثيرا ،فيكثر ضحاياه من المنتسبين إليه. والسر وراء مناصبة العداء لهذا الدين أنه دين يحرص على رد الإنسان إلى الفطرة التي فطره الله عز وجل عليها . ومعلوم أن الإنسان ينحرف عن هذه الفطرة بسبب الظروف التي يمر بها  في حياته . والفطرة عبارة عن قيم إيجابية ترقى بالإنسان إلى أعلى مراقي السمو البشري . والأصل في الجبلة البشرية هي هذه القيم الإيجابية ، أما القيم السلبية التي تنحدر بالإنسان إلى الحضيض ،فهي طارئة عليه بفعل الظروف المحيطة به . وعند تأمل الفطرة البشرية نجدها في نهاية المطاف عبارة عن توازن في الشخصية الإنسانية  بين ما هو شهواني غريزي مندفع،  وما هو عقلي متزن . والفطرة لا تتنكر للشهواني الغريزي، ولا للعقلي بل توفق بينهما توفيقا يجعل الإنسان سويا غير منحرف عن طبيعته وجبلته التي صورعليها . والفطرة تصرف الغرائز الشهوانية التصريف المناسب بالقدر الذي يحتاجه الإنسان ، كما أنها تضبط العقل بالقدر الذي يناسب الإنسان . ومعلوم أن العلاقة جدلية بين الغرائز والعقل بحيث يؤثر كل منهما  في الآخر ويتأثر به سلبا وإيجابا ، ذلك أن طغيان الغرائز تعطل العقل ، وطغيان العقل يكبح الغرائز وقد يحاول نفيها أو إلغاءها ، والفطرة تضع بينهما برزخا كي لا يبغيان . فهذه الخاصية في دين الإسلام ،وهي رد الإنسان إلى الفطرة التي فطره الله عز وجل عليها هي التي تجر عليه العداء في كل زمان ومكان يحصل فيهما انحراف عن الفطرة . وعندما نتصفح التاريخ البشري  نجد أحداثه الدرامية وعلى رأسها الصراعات والحروب  الطاحنة  هي نتيجة للانحرافات التي تطرأ على الفطرة البشرية . وأول جريمة قتل في تاريخ البشرية حين امتدت يد قابيل لقتل أخيه هابيل  كانت عبارة عن انحراف عن الفطرة لأن  من الفطرة  ألا  تمتد يد الإنسان لقتل الإنسان وبالانحراف عنها يحدث العكس . ولقد قص علينا القرآن الكريم، وهو آخر رسالة سماوية من رب العزة جل جلاله للبشرية والتي صدقت ما قبلها وهيمنت عليه قصص أمم وشعوب كثيرة انحرفت عن الفطرة، فكان ما كان من طغيانها وهلاكها لأن سنة الله عز وجل في الخلق أنه كلما انحرف البشر عن الفطرة إلا وكان هلاكهم بسبب ذلك . ويشهد العالم اليوم أشد حملة عدائية ضد دين الفطرة بسبب اختلال التوازن بين غرائز الإنسان وعقله ، ذلك أن الإيغال في إشباع الغرائز انحدر به إلى درجة البهائم ، كما أن الانبهار بالعقل  جعله ينصب نفسه  إلها مع الله ،تعالى الله علوا كبيرا . ويجتمع أصحاب الإيغال في إشباع الغرائز مع أصحاب التطرف في الانبهار بالعقل على مناصبة العداء لدين الفطرة لأنه يشكل تهديدا لهم . ويدخل تحت الفريقين  أصناف كثيرة من البشر ، وقد تجمع بعض الأصناف بين الإيغال في إشباع الغرائز وبين الانبهار بالعقل ، وقد يكون  الانبهار بالعقل  الذي يجعل الإنسان يؤله نفسه هو ما يجعله موغلا في إشباع غرائزه . ويجتمع في عالم اليوم خلق كثير حول فكرة مناصبة العداء للإسلام  الذي صار كاليتيم في مأدبة اللئام على حد قول القائد المسلم طارق بن زياد رحمه الله تعالى .  والمجتمعون اليوم على معاداة الإسلام لئام بما للكلمة من معنى لأن في عدائهم  له خبث ومكر غير مسبوقين، ذلك أن عداء من كان قبلهم له  في أزمنة سابقة كان واضحا  لا غبار عليه لكن عداء أعدائه اليوم خفي  وسبب خفائه المكر والخبث . ومن المكر بدين الفطرة تسليط أعدائه التقليدين عليه  فئات من المنتمين إليه  أو المحسوبين عليه الذين يسدون مسد الطابور الخامس الذي يوظف لمحاربته من الداخل ، علما بأن الهزائم إنما يتسبب فيها الطابور الخامس الذي يسهل مأمورية الطوابير التي تهاجم من الخارج  ويرجح كفتها . ولنعد الآن بعد هذه المقدمة الممهدة لموضوعنا  إلى لئام هذا العصر والذين يجتمعون على مناصبة العداء لدين الإسلام . فمن المعلوم أن الأعداء التقليديين للإسلام من أهل الكتاب يهود ونصارى والذين يتقنعون بقناع العلمانية  أو غيرها وهم إنما يموهون على يهوديتهم ونصرانيتهم بذلك لمخادعة المسلمين بأنهم قد نفضوا أيديهم من دينهم باعتناق العلمانية  وغيرها ، والحقيقة أنهم لم يتخلوا أبدا عن يهوديتهم ونصرانيتهم أو بتعبير أدق عن صهيونيتهم وصليبيتهم  تجنبا للتعميم لأن من اليهود والنصارى وهم قليل  جدا من لا يعادي الإسلام . وقد يبدو للبعض أن الحروب الصليبية قد ولت وصارت في خبر كان ،والحقيقة أنها مستمرة بشكل جديد فيه من التوميه  ما يقتضيه المكر والخداع . وهل يستطيع منكر أو جاحد أن ينكر أن غزو أفغانستان الأول على يد الروس ، وغزوها الثاني على يد القوى الغربية  لم يكن حلقة من حلقات الحرب الصليبية ؟ وإن تقنع الروس بالشيوعية والغربيون بالليبرالية والعلمانية ،ذلك أن الغزو واحد والعدو واحد وإن اختلفت الأقنعة المضللة . و هل يستطيع منكر أو جاحد أن ينكر بأن الحروب التي مكنت الصهاينة من احتلال أرض فلسطين والأراضي العربية  لم تكن شكلا من أشكال الحروب الصليبية ؟ أو ينكر أن الصليبية هي التي مكنت الصهيونية من احتلال الأرض العربية ، وهو احتلال جاء عقب تفكيك الدولة العثمانية، وهي استمرار لدولة الخلافة الإسلامية التي كانت تخوض الحروب مع الصليبيين ؟ وهل يستطيع منكر أو جاحد أن  ينكر أن حركات الاحتلال الغربي للبلاد  العربية والإسلامية  كان شكلا من أشكال الحروب الصليبية ؟ وهل يستطيع منكر أو جاحد أن ينكر أن غزو العراق  من طرف القوى  الغربية لم يكن صورة من صور الحرب الصليبية ؟  وهل يستطيع منكر أو جاحد أن ينكر أن ما وقع وما يقع في الوطن العربي اليوم  بعد ثورات الربيع العربي لا يعتبر من تداعيات حرب الصليب  والصهيونية على الإسلام ؟  ذلك أن ثورات الربيع العربي كانت تعبيرا من الشعوب العربية عن تمسكها بدين الفطرة بعدما تبين لها أن الحروب الصليبية لا يمكن أن تنتهي وأنها ستظل قائمة وبأشكال جديدة  فيها تمويه كل مرة . ومما يؤكد  رغبة  هذه الشعوب في التمسك بدينها الرهان على تنظيمات  في شكل جماعات وأحزاب ذات مرجعية إسلامية . فما الذي جعل الشعب المصري يضع ثقته في جماعة الإخوان المسلمين وفي حزبها سوى  رفعها شعار الإسلام ؟ وما الذي  جعل الشعب التونسي يراهن على جماعة أو حزب النهضة ؟ وما الذي حمل  المغاربة  يعبرون في انتخاباتهم عن الثقة في حزب العدالة والتنمية ؟ وما الذي جعل الأتراك يجددون ثقتهم في حزب العدالة والتنمية التركي ؟  وما الذي جعل الغرب يسكت عن الانقلاب العسكري على شرعية الانتخابات في مصر وعلى الديمقراطية فيها  بل ما الذي جعله يخطط ويمول هذا الانقلاب ، ويقود ويمول الثورات المضادة  في الوطن العربي ضد ثورات الربيع العربي ؟ لماذا لم تستقر الأمور في ليبيا واليمن بعد ثورتي الربيع فيهما ؟ ولماذا لم تتمكن ثورة الشعب السوري من إسقاط  النظام كما أسقطت ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن أنظمتها ؟ ولماذا سكت الغرب عن غزو إيران للعراق وسوريا ؟  ولما سكت عن تدخل الروس في سوريا ؟ ولماذا يشترك الطيران الروسي مع الطيران الصهيوني  في قمع الشعب السوري تحت ذريعة محاربة عصابات داعش الإجرامية وهي عبارة عن صناعة مخابراتية و طابور خامس زرع في الوطن العربي  لتشويه دين الفطرة وليكون مبررا لشن حرب صليبية قذرة  على الشعوب العربية الإسلامية . ولماذا يتم تمديد احتلال حلف الناتو لأرض أفغانستان بالرغم من وجود قوانين دولية تنص على تصفية الاحتلال ؟ ولماذا يساعد الطيران الغربي  الجنرال الليبي حفتر وهو من فلول النظام المنهار  بالرغم من وجود حكومة أفرزتها المفاوضات بين الفرقاء الليبيين ؟ ولماذا يغض  الغرب الطرف عن تزويد إيران للحوثيين  وقوات الرئيس المخلوع بالأسلحة وأساطيله منتشرة في  البحار المحيطة باليمن  وشبه الجزيرة العربية ؟ ولماذا تغييب القضية الفلسطينية  والتسويف في إيجاد حل لها حتى على أساس الدولتين ؟  ولماذا يصب الزيت على نيران الحروب الطائفية المستعرة في العراق وسوريا واليمن ؟  لماذا يغض الطرف عن تدخل  النظام الإيراني السافر في الوطن العربي من خلال بث طوابيره الخامسة فيه   وتحريضها  وتسليحها لتبرير تدخله  ؟ ولماذا تشجع  وتجيش الطوابير الخامسة في الوطن العربي من العلمانيين والليبراليين واليساريين وغيرهم  للطعن في القيم الإسلامية ، والتجاسر عليه وعلى رموزه من سلف صالح وعلماء  وخطباء ودعاة ؟ ولماذا  تشجع الدعوات لما يسمى الزواج المثلي وحرية الجنس ، وما يسمى التراضي في ممارسته ، والإفطار العلني في رمضان ؟ ولماذا تنتقد الأحزاب المحسوبة على الإسلام  بشدة وهي التي وصلت إلى مراكز صنع القرار في بعض البلاد العربية  عبر انتخابات ، ولا يعترف لها بشيء مما تحققه  بل يعاب عليها حتى  ما لا يجوز أن يعاب ؟ ولماذا الحملات الانتخابية  المسعورة ضدها من طرف أباطرة الفساد والإفساد ؟ و لماذا تستهدف مقررات المواد الإسلامية  بالتغيير ، وهل يوجد في النصوص الدينية ما يستوجب التغيير أو التغييب ؟  ولماذا تتم المجاهرة بالعداء للمسلمين في الغرب خلال الحملات الانتخابية  الغربية كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة التي تنصب نفسها على قائمة الدول الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ؟ وهل يمكن أن ينكر منكر أن الحملة الانتخابية المستهدفة للمسلمين هي شكل جديد من أشكال الحرب الصليبية ؟  ولماذا ، ولماذا ........؟؟؟؟؟

إن كل هؤلاء اللئام الذين  تجمعهم مأدبة واحدة سواء الأعداء التقليديين  أو الطوابير الخامسة التي صنعوها ووظفوها  إنما يجمعهم  هدف واحد هو مناصبة العداء للإسلام دين الفطرة ، لأن مصالحهم تتحقق بالانحراف عن  هذه الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها .  وما يغيب عن أذهان كل هؤلاء جميعا أن الأرض لله يورثها من يشاء، وأن العزة له ولدينه ، وأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار ، وأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله .

وسوم: العدد 676