الانقلاب على الحكومات الديمقراطية انقلاب على إرادة الشعوب

محاولة الانقلاب الفاشلة : أي درس ؟!

من الفهم العميق لحقيقة ما جرى في ليلة السادس عشر من تموز / يوليو في تركية الديمقراطية خرج الشعب التركي ليلة الأمس ليذود عن إراداته ، ويدافع عن حريته وحقه الآني والمستقبلي في اختيار من يحكمه ..

لم يخدع الشعب التركي العظيم ، كما خدع آخرون ، بدعوى اللصوص ، أنهم خرجوا دفاعا عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان . لأن الدفاع عن الديمقراطية لا يكون بالدوس على مبادئها ، وحماية حقوق الإنسان لا يكون بانتهاكها .

إن أجمل ما تابع المتابعون في تجربة الانقلاب المخفقة في تركية بالأمس هو هذا الإجماع الوطني الرافض للانقلاب ، المستعد لمقاومته ، المتوحد وراء المصلحة العليا للدولة التركية ، حيث لم يجد الانقلابيون في الساحة السياسية التركية رأس جسر يضعون أقدامهم عليه ..

هذا المستوى من الوعي التركي الشعبي ، والوعي لدى القوى السياسية التركية ، هو الأفق الذي يجب أن تتطلع إليه شعوبنا العربية على المستويين الفردي والجماعي . وليكون الدرس أوضح نقول : لقد نجح الأتراك حيث أخفقت العديد من القوى والأحزاب العربية على مدى سنوات من الربيع العربي ، حيث يتلاعب المتلاعبون بهذه القيادات من العراق إلى الشام إلى مصر إلى ليبية إلى تونس ..

 لا يجوز التهوين من أمر محاولة اختطاف قرار شعب ، وكسر إرادة أمة . فهؤلاء الانقلابيون تحركوا تحت الأعين ليرتكبوا جريمة نكراء . هؤلاء الانقلابيون ليسوا شرذمة قليلين ، كما يقول بعضنا تهوينا لشأنهم . فهؤلاء هم الذين نجحوا في تفتيت العراق ، واختطاف مصر وشعبها العظيم ، وفي تدمير سورية وتهجير الملايين من أهلها . والذهاب بروعة الربيع الجميل في اليمن وتونس وليبية .. هؤلاء الانقلابيون هم جزء من شبكة أخطبوطية إقليمية ودولية ، ما زالت تفتك بأمتنا وشعوبها ، منذ ارتكبت انقلابها الأول فخلعت السلطان عبد الحميد في السادس من ربيع الآخر / 1327 – السابع والعشرين من نيسان / 1909 .

خطر هذه الشبكة الأخطبوطية من القتلة والخونة واللصوص تدعونا دائما أن نبقى يقظين ، وحاضرين ، وأقوياء ، وحكماء وأصحاب شكيمة وعزيمة كما كان شعب تركية العظيم ليلة الأمس ، وكما كانت كل القيادات التركية التي رفضت الانقلاب وتصدت له .

وقبل إدانة الانقلاب يجب أن ندين عقله وثقافته وكل الذين يفكرون بهذا العقل ، وكل الذين يثرثرون بهذا الثقافة . ويختلقوا لها الأسباب ، ويفذلكوا لها المعاذير.

وقبل أن ندين الانقلابيين ، الشراذم ، يجب أن ندين كل الذين يقبلون التعامل مع هؤلاء اللصوص ، ويمدون لهم أيديهم ، مهما تكن ذرائع هؤلاء وادعاءاتهم . وإذا كان العالم يبدو اليوم مهووسا في الثرثرة عن الحرب على الإرهاب . فيجب أن يعلنها مجلس الأمن وكل الدول والقوى والنخب والأحزاب : كل انقلابي إرهابي. إرهابي كل من يغتصب قرار شعب ، ويكسر إرادة أمة ، وبغير ذلك لن يستقيم عيش على هذه المسكونة لبني الإنسان ..

وأن يصنف الانقلاب جريمة إرهابية ، جريمة لا تسقط بالتقادم ، وإرهاب لا يضفي عليه الشرعية تطاول الزمان ، ولا امتلاك الكرسي والصولجان ..

وكلمة الحق في موطنها يجب أن تقال ، إن الدول والقادة الذين تريثوا وتربصوا وما نطقوا حتى تبينوا من اتجاهات الريح ، أو مؤشر لسان الميزان ؛ هؤلاء يجب أن ترد مواقفهم عليه ، وأن ينبذ إليهم على سواء . وليس للشعوب ولا لنخبها ولا لقياداتها أن تستحيي من كلمة الحق ، وأن نداري فيما لا يتمارى فيه اثنان .

ندين الانقلاب على الشرعية الديمقراطية في تركية بالأمس ، فهذا الانقلاب لم يكن ضد إرادة الشعب التركي فقط ، وإنما كان ضد إرادة الحياة ، وحركة التاريخ ، وأمل كل الشعوب المستضعفة المستلبة في الخلاص ...

ندين الانقلاب على الديمقراطية الحقيقية الوحيدة ، في منطقتنا العربية والإسلامية ، وندين الانقلابيين ومن وقف ويقف وراءهم ويدعمهم ويتماهى معهم . ويجب على شعوب المنطقة أن تقول كلمتها للانقلابيين الأخفياء ، كما قال الشعب التركي بالأمس كلمته للانقلابيين المجاهرين .

نهنئ الأمة التركية ، ونهنئ قوى المعارضة التركية ، ونهنئ القيادة التركية ، وحزب العدالة ، والحكومة التركية ، بانتصارهم العظيم ...

ونهنئ كل الذين يؤمنون بالشعوب وبإرادتها وبخياراتها في صنع حاضرها ومستقبلها ...

ولقد غربت شمس الفرد وأشرقت شمس الشعوب الحية الواعية ألا فتعسا وبؤسى للصوص والمستبدين والقتلة والمجرمين ...

وصدق سيدنا رسول الله ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم...)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 677