تفريط عربي وتطرف إسرائيلي في قضايا الأمن الوطني

تحار إسرائيل بأي انتصاراتها في الساحة العربية تفرح ؛ فالانتصارات الكبيرة تنهمر عليها بعد البلاء العربي المتواصل منذ ست سنوات الذي سمي وهما وتضليلا الربيع العربي . أحدث انتصارات إسرائيل التي لا تتوقف جاء هذه المرة في نية الدول العربية ألا تطرح موضوع الأسلحة النووية الإسرائيلية للنقاش في اللجنة الدولية للطاقة النووية التي من المقرر أن تعقد اجتماعها السنوي في جنيف في سبتمبر / أيلول المقبل . الخبر نشرته " هآرتس " عن مصادر إسرائيلية وغربية . وتسند الصحيفة إلى المصادر الإسرائيلية الدبلوماسية أن هذا التوجه العربي يحدث للمرة الأولى منذ 1987 ، وتعلله بالتحسن الواسع في العلاقات المصرية الإسرائيلية التي توصف منذ مجيء السيسي للسلطة بأنها تحالف حقيقي . الدول العربية تنوي الامتناع عن طرح موضوع الأسلحة النووية الإسرائيلية في مداولات لجنة الطاقة الدولية مع أن الطرح لو تم لن يتجاوز التحذير من المخاطر الأمنية غير المباشرة لتلك الأسلحة كاحتمال تسرب إشعاعات من المفاعل النووي الإسرائيلي إلى الدول العربية المجاورة لإسرائيل ، وليس احتمال أن تستعمل إسرائيل تلك الأسلحة في أي حرب قادمة مع بعض العرب مثلما كاد يحدث في حرب 1973 حين ضاق الخناق على الجيش الإسرائيلي في أسبوع الحرب الأول في سيناء والجولان . ويشار هنا إلى أن أميركا تداركت التهديد الإسرائيلي باستعمال سلاح يوم الدين لما له من عواقب كارثية على المنطقة والعالم ، وشرعت بدل استعماله بالتدخل المباشر في القتال بسلاحها الجوي وسلاح بعض الدول الغربية ، واستطاعت هذه الأسلحة الغربية الجوية تجنيب الطائرات الإسرائيلية خطر الصواريخ الحرارية المصرية التي لم يكن الطيارون الإسرائيليون مدربين على مواجهتها ، وكذلك أرسلت أميركا الأسلحة مباشرة إلى جبهة سيناء لتدارك انهيار القوات الإسرائيلية . إسرائيل مبتهجة من الموقف العربي المتوقع في لجنة الطاقة ، وتأمل أن يقود إلى تطورات أوسع في مجالات أخرى في العلاقات العربية الإسرائيلية ، وهو ما يبدو طبيعيا ومحتما انسجاما مع التهافت  العربي الذي تبديه دول الاعتدال العربية نحو إسرائيل . ومع ذلك يتخوف الإسرائيليون من احتمالية حدوث  تغير على موقف تلك الدول قبل انعقاد مؤتمر اللجنة في الشهر المقبل ، وهو تخوف يحسدون عليه لا لأن دول الاعتدال ستعادي إسرائيل فجأة ، ولكنه الحذر الإسرائيلي المعهود الذي يتجنب سكب القربة عند رؤية السحاب مهما بدا مبشرا بقرب المطر .الموقف العربي رعونة كبرى وفقدان مسئولية مخيف وجهل بحقيقة إسرائيل لا يصدر من أناس يفترض أنهم مسئولون عن مصائر أوطان . مثلنا قدمنا ، طرح موضوع النووي الإسرائيلي لن يركز على الخطر المباشر له على العرب ، ولكن طرحه حتى من هذه الزاوية يبقي عل توكيد الشعور بذلك الخطر ، وهو في النهاية خطر حقيقي حتى لو اقتصر على الابتزاز وفق ما تسميه إسرائيل " الغموض الإيجابي " الذي تحيط به سلاحها النووي حيث لا تنفي ولا تؤكد امتلاكها له . ومقابل تهاون دول الاعتدال العربية في موقفها من خطر السلاح النووي الإسرائيلي نرى إحدى هذه الدول ( السعودية ) تغضب من التسوية التي توصلت إليها إيران مع مجموعة دول 5 + 1 حول المشروع النووي الإيراني الذي تؤكد أكثر المصادر بما فيها الإسرائيلية سلميته ، وتهدد  ( السعودية ) بأنها قد تتسلح نوويا ، وتتخذ الخطر النووي الإيراني المتوهم حجة لتوثيق علاقتها علنا بإسرائيل ، وتتجاوب إسرائيل متحمسة وتقدم نفسها مدافعة عن الدول العربية السنية ضد إخوة لها في العرق والدين ، وتغمض هذه الدول عقلها وقلبها عن حقيقة أن إسرائيل تصف الإسلام في سياستها وإعلامها بدين إرهابي، ولا تعترف به دينا سماويا  ، وتعمل جادة  لتدمير المسجد الأقصى لإقامة الهيكل الثالث مكانه ، وتضايق المصلين الفلسطينيين  وتعتقل بعضهم ، وتحرم بعضهم من الصلاة فيه شهورا ، وتمضي مندفعة في الاستيطان في الضفة ، وتحاصر غزة مع أن الفلسطينيين سنة ، لكنها تبيع الأوهام والتضليل وتجد في عرب الاعتدال والابتذال من يشتري بأغلى الأثمان ، وهي حتى مع تهافت هؤلاء العرب وسخائهم في إرضائها لا تطمئن لمصيرهم في ديمومة حكمهم وعيا منها بسخط شعوبهم عليهم ورفضها للتقارب معها ، ومن ثم هي تعمد بالتضافر مع أميركا ومع القوى الغربية المعادية تاريخيا للعرب وللمسلمين إلى تمزيق وتحطيم المجتمعات التي يهيمن عليها الحكام المعتدلون . الدول  الوطنية الحقيقية ذات المؤسسات التي تحاسب حكامها على أفعالهم لا تتصرف تصرف دول الاعتدال العربية التي يفرط حكامها في أمن أوطانهم في الوقت الذي تتطرف فيه إسرائيل في الحفاظ على أمنها تطرفا لا تشبهها فيه دولة في العالم . إنها لا تتسامح مع أصغر مشروع للاستعمال السلمي للطاقة النووية في أي دولة عربية ، وتراقب أي قطعة سلاح تصل إلى المقاومة في لبنان وغزة ، وتتابع ما تجريه  مقاومة غزة من اختبارات للصواريخ التي تصنعها ، وتكشف عن قلقها الشديد منها مهما كان مداها محدودا وقوتها التفجيرية صغيرة ، والهستيريا التي تبديها نحو الأنفاق في غزة ، وعملها الدؤوب لابتكار وسائل لمواجهتها فوق كل توصيف وتوضيح . هذا على مستوى  تصرفها إزاء ما يفعله أعداؤها ، وعلى مستواها الخاص تواصل تحديث جيشها تسليحا وتدريبا ، وتسنده بشبكة معلومات استخبارية دقيقة وافية متجددة ، وتكثر من اختبارات استعداد جبهتها الداخلية لأي حرب مفاجئة مع مختلف الأعداء الذين تتصور أنهم قد يهاجمونها . وكل هذه الجاهزية بعد أن انتهى أي تهديد ضدها من الجيوش العربية النظامية . إنها دائما تستشعر الخطر ، وتهيء نفسها لما ليس في الحسبان حتى لا تؤخذ على غفلة ، ومَن حولها من العرب غارقون في حروبهم الأهلية والبينية ، وفي جدلهم البيزنطي العقيم حول مذهبياتهم ، وطبيعي في أجواء كهذه أن تكثر انتصاراتها في ساحتهم  وأن تحار بأيها تفرح وإن كانت تحسن استغلالها جميعا حتى الاعتصار .

وسوم: العدد 682