هؤلاء خصوم سيد قطب

clip_image001_04c25.jpg

يوم 29 أوت تمرّ خمسون سنة على إقدام النظام العسكري الاستبدادي في مصر على شنق الداعية والكاتب الأستاذ سيد قطب رحمه الله وعمره ستّون سنة بالتهمة الجاهزة المعتادة " محاولة قلب نظام الحكم " ، مع أن الرجل كان يحمل طول حياته سلاحا واحدا هو القلم ولا يتحرك إلا في ساحة واحدة هي الفكر... ومنذ ذلك الوقت كان للشهيد محبّون وخصوم ، كما هو شأن العظماء دائما.

عبيد وأحرار : ويمكن للمراقب أن يرى كيف يلتقي غلاة العلمانيين و الجامية - المدخلية أدعياء السلفية على بغض الشهيد سيد قطب كأبشع وأشنع ما يكون البغض ، ويلتقون في تحميله مسؤولية الفواجع التي تحلّ بالمسلمين هنا وهناك ، ويتنادون بنبذ أفكاره وإحراق كُتُبه لأنها مصدر الشرور جميعا ، ويلتقون – مرة أخرى – في نقطة خطيرة هي أن المتتبع الواعي يدرك أن هؤلاء و أولئك لم يقرؤوا كتبه ولم يطلعوا على فكره لأن هذه القراءة وهذا الاطلاع عار عليهم وانحطاط بقاماتهم الشامخة ، وإنما استقوا موقفهم السلبي المتشنج من الفكر الجمعي المتحكم فيهم والمبني ليس على البحث المعرفي النزيه ولكن على المواقف المسبقة المكتفية بإصدار الأحكام النهائية وكأن المسألة تتعلق بساحة القضاء لا بميدان الفكر والثقافة والرأي .

يرى الغلاة من هذا الطرف أن  أفكار سيد رحمه الله خطر على الحرية والديمقراطية والأمن ، وكأنهم هم مؤتمنون عليها ، وقد أثبتوا ألف مرة ومرة أن لا علاقة لهم بالحرية والديمقراطية وسلامة الأوطان والمواطنين ، وقد تخندقوا ضدها في أكثر من بلد واصطفوا مع الجنرالات والدبابات لسحق الخصوم وصناديق الانتخاب ومبدأ الاختيار الحرّ وإراقة الدماء ، فادعاؤهم الخوف على هذه القيم يقطر كذبا أمام العالم كله ولا يصدقهم إلا الإعلام الموجّه الذي يغطي إفلاسه بالتزوير الأدبي والكذب المكشوف.

أمّا الطرف الآخر فيعدّ قراءة كتب سيد قطب رجسا من عمل الشيطان ويكتفي – كعادته – بترديد ما لقّنه له شيوخه  من فقرات مبتسرة من كلام المفكر لا تعبّر عن بنائه الفكري المتكامل إنما هي محطات جزئية لا تُفهم إلا في إطار النسق العام ، أي أنهم يتركون كلامه المحْكم ويأخذون بالمتشابه كما هو فعل من في قلوبهم زيغ ، وقد دحض سعيهم هذا غير واحد من أقطاب العلوم الشرعية والرموز السلفية الأصيلة من عبد الله عزام إلى العلامة بكر أبي زيد .

هل سيد قطب في حاجة إلى من يدافع عنه وقد أصبح عَلَما على رأسه نار ؟ أعتقد أن من حقه علينا – وقد كان له إسهام واضح في خدمة المشروع التحرري والثقافة الاسلامية والدعوة إلى الله – ألا نتركه عرضه لخصوم غير شرفاء ينهشون عرضه و يشوّهون تراثه الفكري وينفّرون منه ويحولون دون اطّلاع الناس على آرائه وأفكاره ، ونحن نعلم أن أهمّ وأوسع كتب خصومه انتشارا لا يبلغ أبدا سمعة وانتشار " في ظلال القرآن " إلى اليوم ، وأظنّ أن أفضل ما يمكن وصف خصومه هؤلاء به هو وصف العبيد كما قال هو نفسه حين كتب : "  العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد اَخر , لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة ..  حاسة الذل... لابد لهم من إروائها , فإذا لم يستعبدهم أحد أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد وتراموا على الأعتاب يتمسحون بها و لا ينتظرون حتى الإشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين ."

أجل ، غلاة العلمانيين عبيد لشهواتهم حتى فقدوا القدرة على الإدراك والتمييز والفهم ، وعبيد للحضارة الغربية التي أعمت بصائرهم فتنازلوا عن شخصيتهم طائعين وقدسوا كل وافد ولعنوا كل أصيل ، وسيد قطب يمثل الأصالة فأبغضوه ، أما  أدعياء السلفية – وأقصد بالذات السلفية الحكومية التي تشرف عليها أنظمة سياسية وتوجّهها لتشويه الاسلام وسجن المسلمين في هامش الحياة –  فقد تمحّضوا لتقزيم القامات الكبيرة على الساحة الاسلامية وهدم الرموز الفكرية والدعوية ليخلو الميدان للرويبضات والتافهين أي للعبيد الذين قال فيهم سيد في موضع آخر من نفس المقال : " والعبيد ( ...) جبارون في الأرض غلاظ على الأحرار شداد ، يتطوّعون للتنكيل بهم ، ويتلذّذون بإيذائهم وتعذيبهم ، ويتشفون فيهم تشفّي الجلادين العتاة  ، إنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرّر فيحسبون التحرّر تمردا والاستعلاء شذوذا والعزة جريمة ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الأحرار المعتزين الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق "

ألا ما أصدق هذا الوصف اليوم على غلاة العلمانيين وأدعياء السلفية ، العبيد لهذا الطرف أو ذاك ، هؤلاء يبغضون الحرية لأنها " قيمة غربية دخيلة على الاسلام " كما لقنهم شيوخهم الموظفون لدى المعبد السلطوي الظالم ، وأولئك يتغنون بها نظريا ويتمردون عليها كلما فضحت زيفهم ، ويبيعونها بأبخس الأسعار في سوق النخاسة السياسية.

أما محبو الشهيد البطل فليسوا الإخوان وحدهم بل هم الأحرار من كلّ الأطياف ، ومن الصفّ الاسلامي ابتداء ، تعلموا منه كسر القيود وعدم الانحناء لغير الله والتمرّد  على معابد الظلم وحراس الخطأ والانطلاق القوي بهذا الدين لتحكيم شرع الله بعد تحرير العقول والنفوس من الجاهلية مهما كان شكلها ولونها ومرجعيتها ، تعلموا منه التضحية من أجل العزة والكرامة والانتماء المتميّز في حين تُعلّم المنابر العلمانية الناس التنازل عن كل هذا في سبيل الفكر الغربي والحياة الغربية الموصوفة بالحداثة ، وتعلّم محاضن الجامية والمدخلية الشباب المتدين عاطفيا التنازل عن كل ذلك لصالح الأنظمة غير الشرعية – تُسمّيهم أولي الأمر - لأن في ذلك ضمانا بدخول الجنة !!! هؤلاء هم الذين شنّ عليهم الشهيد حربا بلا هوادة لأنهم يُلبسون الاسلام ثوب الخدم ليكون رهن إشارة هذا السيد أو ذاك ، كما شنّ نفس الحرب الضارية على أولئك ، أولئك العبيد الذين يدفعون ضريبة الذل طائعين في سبيل الاسلام الأمريكاني الذين يبشرون به.

وما زالت صرخات سيد قطب تدوّي في آفاقنا المبتلاة بعبودية هؤلاء وأولئك لغير الله ، وقد أفسدوا باغترابهم الزماني والمكاني حياتنا الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية وأطالوا عمر أزماتنا .

·       سيد قطب و الجزائر : كان للشهيد رحمه الله اهتمام بالثورة الجزائرية وفضح لفرنسا الاستعمارية ، فقد قامت جريدة البصائر ، لسان جمعية العلماء ، بنشر مقال للأستاذ سيد في عددها رقم 16 بتاريخ 27/2/1955 بعنوان " كفاح الجزائر " يفضح فيه الاستعمار الفرنسي ويؤيد ثورة الشعب الجزائري ، في حين ما زال عبيد فرنسا إلى اليوم يتباهون بالكاتب ألبير كامو ويعدّونه جزائريا قُحا مع أنه صرّح بوضوح اثناء حرب التحرير انه إذا ما خُيّر بين الحرية وأمه ( أي فرنسا ) فسينحاز إلى أمه ، وشتّان بين العبيد ولو اعتلوا المنصات وبين الأحرار ولو قضوا على أعواد المشانق.

وسوم: العدد 683