عصفور .. والأزهر!

أعتذر للقارئ الكريم حين أقرن اسم جابر عصفور بالأزهر الشريف . فالأزهر لا يقرن به شخص ما أيا كان ، لأنه كيان عام له في القلوب والصدور مكانة تفوق الأشخاص والحكومات ، ولا يعني ذلك أن من ينتسبون له يستحقون الشعور ذاته ، فمنهم من يستحق الاحترام والتقدير ، وهناك من هو خارج هذه الدائرة تماما ، مثل علماء السوء ، وأحذية السلاطين ، ومن يرفعون الطغاة والقتلة إلى مقام النبوة والصحابة ، وتاريخ الأزهر حافل بهؤلاء وأولاء !.

قرنت اسم عصفور بالأزهر لأنه دائب الحملة عليه والزراية به والتحريض على مناهجه ، مع أن الأزهر تلطف معه ومع رفاقه الشيوعيين واليساريين أو العلمانيين وكتب وثيقة تطمئنه ورفاقه أنه ليس الفاتيكان في قلب القاهرة ، ولا يملك الحرمان والغفران كما تفعل الكنيسة ، وأنه لا يفرض الإسلام على أحد ، وأنه مرجعية علمية يستهدي بعلمها كل باحث عن النور لا عن التنوير!.

يصر الدكتور جابر عصفور على التحرش بالأزهر ، والافتئات عليه ، والتشهير به دون مسوّغ من المنطق أو الفكر . ليته كان يهاجم عمامة من عمائمه أو عالما من علمائه ، ولكنه يصرُّ على التصويب ضد الأزهر الكيان والهيئة والتاريخ والحاضر والمستقبل ، ووضعه في خانة الكهنوت والأكليروس , ويراه سببا للظلام أو الإظلام ومصدرا للتطرف والإرهاب وعقبة من العقبات التي تمنع المصريين من الحرية والديمقراطية والتقدم ، وقد تفضّل أخيرا بإلحاق الأجهزة الأمنية به بوصفها تمثل مشكلة من مشكلات الحياة المصرية ، ليس لممارساتها الدموية القمعية ، وبثّ الخوف في نفوس الناس وبناء السجون لتغييب آلاف الأبرياء وراء جدرانها ، ولكن لأنها تتدخل في تعيين الوزراء والمسئولين أو إقالتهم وإبعادهم عن المناصب ، وكأنه يغني على ليلاه ، ويراها سببا في إقالته من الوزارة ! وقد أفسحت له صحف النظام الانقلابي العسكري وتوابعها مؤخرا مساحات واسعة ليعلن عن حملته الضارية ضد الأزهر والخلافة و التاريخ الإسلامي والحجاب وكل ما يمت للإسلام بصلة ( انظر : حديثه إلى المصري اليوم  ٣/ ٩/ ٢٠١٦ ، الأخبار 06/09/2016 ، وحلقات تلفزيونية لم أشاهدها وإن كنت قرأت عنها ) .

لا أعرف تماما ماذا يريد جابر عصفور من الأزهر كي يرضى عنه ؟ وماهي المناهج التي يريد تغييرها أوحذف موادها كي تعيش البلاد والعباد في أمن وأمان ، وتقدم ورخاء ؟ من المؤكد أن الأزهر لا يأمر بقتل الناس في الشوارع والميادين والبيوت بالآلاف ، ولا أظنه – مهما كان ولاء بعض عمائمه للانقلابيين القتلة يقرّهم على سفك الدماء خارج القانون ، وأيضا لا يصدر إليهم الأوامر لوضع عشرات الألوف من الأبرياء وراء القضبان ، وملاحقة الآمنين في بيوتهم وأعمالهم ومنافيهم . وهي أمور لا تشغل عصفور الثوري التقدمي التنويري!!.

والغريب أن الرجل وهو أستاذ جامعي بالأساس فيل أن يكون راعيا للحظيرة الثقافية يناقض نفسه ، في كثير من القضايا التي يطرحها ويهجو بها الأزهر الشريف ، فعلى سبيل المثال يرى أن فتاويالشيخمحمدعبدهلايجرؤمشايخالأزهرالمعاصرون عليإصدارهاالآن ، ولم يقدم مثالا واحدا على ذلك ، كما يتجاهل رأي الإمام محمد عبده في الاستبداد والمستبدين ، وفي الطاغية محمد على الذي حكم مصر بالحديد والنار ، وأيضا فإنه لم يقل لنا هل أفتى محمد عبده بظلم الناس ،  واستحلال الربا والزنا ، وموالاة المحتلين والظالمين وأعداء الدين ، وإسقاط فرائض الصلاة والصوم والزكاة والحج والحجاب التي يراها التنويريون العلمانيون موضة قديمة ؟!.

ثم إن عصفور يلح على فكرة السلطة الدينية للأزهر وتدخله في الشئون السياسية مما أضعفه وأثر على استقلاله ، ويتناسى أن الحكم العسكري الفاشي الذي تسلط على مصر منذ 1952 قهر الأزهر وحطمه وحرمه من أوقافه ليجعله تابعا لما يسمى وزير شئون الأزهر ، ومازال قرار شيخ الأزهر مرهونا بتصديق الحكومة العسكرية الفاشية التي أفقدته استقلاله وهيبته وسلطت عليه أوغادا من مختلف المشارب ينالون منه بطريقة وأخرى ! إن عصفور يريد أن تكون مصر علمانية ودولة مدنية ، وهذا من حقه ، ولكن هل نظر إلى حق المصريين أن يؤمنوا بدين اسمه الإسلام الذي لا يعرف الكهنوت والسلطة الدينية ؟ ثم ما هي العلمانية التي يريدها لمصر : هل هي علمانية أولاند وساركوزي التي ترى الإسلام دينا وثنيا ، إرهابيا ، لا يجوز لنساء المسلمين المحجبات نزول البحر بلباس سابغ ( البوركيني) ، ولا يحق لهن الحياة والتعليم في المجتمع الفرنسي ( العلماني ) ؟ هل هي علمانية دولة الغزو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة التي ترى أنها يجب أن تكون خاليةمن غير اليهود الغزاة؟هل ستكون مصر العلمانية وفقا للدكتور عصفور خالية من المسلمين والأزهر بالتبعية؟.

أحزنني أن يقلب الدكتور جابر ظهر المجن لمن رفعوه إلى سدة الشهرة والوزارة ، فقد وصف السادات بأنه ربى الثعابين – يقصد المسلمين – التي قتلته ، ووصف مبارك بالانتهازية ، وهبش في الجنرال أحمد شفيق وقلل من كفاءته ، وكال المدائح للجنرال قائد الانقلاب ، ولم يحكم على نظامه لأنه لم يستوف مدته بعد ! وفي ثنايا ذلك شدد النكير على الإخوان أو ما يسمى بفترة حكمهم التي بلغت سنة واحدة لم يحكموا فيها بمعنى الحكم ،  وسخر مما سماه ثقافة محمد مرسي الدينية !.

لقد كان جابر مقربا من السيدة جيهان رءوف حرم السادات وكان يذهب إلى بيت الرئيس مع أستاذته سهير القلماوي ، وأحيانا مع أستاذه لويس عوض لبحث شئون الماجستير والدكتوراه الخاصة بالهانم!.

 وكان عرابا لمشروعات السيدة سوزان حرم مبارك  الثقافية والنسوية وكاتبا لخطبها وبياناتها ، ومنحه مبارك كثيرا من الامتيازات . وقد نهره أحمد شفيق وهو وزير بسبب تقاعسه في تصريف أمور وزارته وتوقيع بعض الأوراق ، وجعل أنس الفقي يذكره بواجباته في حكومة الحزب الوطني الديمقراطي ! وكانت الإقالة التي سماها جابر استقالة !.

من المؤكد أن محمد مرسي لم يسئ إلى عصفور أو غيره بثقافته الدينية كما سماها، ولكن تهمته الأولى والأخيرة أنهمسلم !.

ولا أدري ما الذي يزعج الدكتور جابر أن يكون الناس مسلمين ؟ ألا يتساوون بعباد البقر والبوذيين وعبدة الشيطان والماسون والبهائيين وأمثالهم ؟ أليس هذا ما يحض عليه التنوير الأوربي الذي يروج له عصفور ورفاقه من حق الاعتقاد؟ .

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 685