الاتفاق الأمريكي ـ الروسي حول حلب: الشيطان في التفاصيل

رأي القدس

بعد موافقتها على الاتفاق الأمريكي ـ السوري حول حلب واحتفلت به بطريقتها الخاصة: قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في محافظة إدلب وقتل 90 مدنياً بينهم 22 طفلاً.

لأسباب كثيرة تبدو هذه الهمجية المستمرة منذ اندلاع الثورة السورية على النظام عام 2011 جزءاً من الصفقة «الإنسانية» التي احتاجت تسعة شهور لطبخها بدليل أن رد الفعل الوحيد المسموع من مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا عليها كان تحذير المعارضة السورية من التحالف مع «جبهة فتح الشام»!

تتلخّص نقاط الاتفاق بخطوات إجرائية تتعلّق بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق حلب المحاصرة وخروج المدنيين والمسلحين منها (من دون التطرّق إلى قضية عودتهم) مقابل وقف النظام السوري قصفه لهؤلاء المدنيين والمسلحين وانسحاب قوّاته من معبر «الكاستيلو» التي ستكون تحت سيطرة الأمم المتحدة (فيما يتحدث بعض المحللين والمقاتلين عن بدء تواجد قوات روسيّة)، ولا يتضمن وقفا للقصف أو القتال في المناطق الغربية والجنوبية من حلب، مما يعني أن التركيز سيتم على مناطق شرق حلب فقط الواقعة تحت حصار النظام.

يتضمن اتفاق «السقف الأدنى» (بحسب تعبير المسؤولين الأمريكيين) تثبيتا لفكرة أن تنظيم «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقا) إرهابيّ، رغم إعلان الأخير انفصاله عن «القاعدة» والتزامه التحالف مع حركات وتنظيمات سورية مسلحة بهدف إسقاط النظام، كما يتضمن الاتفاق قرارا باستهدافه من الطرفين الروسي والأمريكي معاً، وضغطاً على المعارضة السورية للانخراط في مشروع الاستهداف هذا.

يرفض هذا القرار عمليّاً خضوع «فتح الشام» لمنطق مقبول في السياسات العالمية (الانفصال عن تنظيم إرهابي)، ويقبل في الوقت نفسه وجود تنظيمات معتبرة إرهابية لدى الولايات المتحدة الأمريكية و»الناتو» (كـ»حزب الله» اللبناني) تقاتل في طرف النظام السوري، مما يعني، عمليّا، توطيد أركان النظام وحلفائه وشق المعارضة السورية وإنهاكها بقتال لا طاقة لها به، وإضفاء شرعيّة على طرف مقابل تجريم وافتراس طرف آخر.

ما كان لاتفاق إدخال مساعدات إلى شرق حلب وإفراغ تلك المنطقة من مدنييها ومسلحيها لو لم يسبقه قرار أمريكي ـ روسيّ آخر بإطباق الحصار عليها بعد أن استطاعت المعارضة فكّ ذلك الحصار والسيطرة على كليات التسليح والمدفعية والفنية ومنطقة الراموسة وهو ما يشير، في طيّاته، إلى أن إخضاع المعارضة، لا النظام، هو الهدف الاستراتيجي للاتفاق.

تكشف تفاصيل الاتفاق «استراتيجية» أمريكا وروسيا لتحديد معالم المرحلة السورية المقبلة أهم أركانها:

إعادة تأهيل تدريجية للنظام السوري مع إبقاء قضية خروج بشار الأسد من السلطة غامضة.

فصل تنظيم «فتح الشام» عن باقي أطراف المعارضة السورية.

توسيع متدرّج لسابقة شرق حلب على مناطق سورية أخرى لإيصال المساعدات الإنسانية إليها ووقف قصفها وإفراغها من المعارضة واستهداف تنظيمي «الدولة الاسلامية» و»فتح الشام».

مع تقدّم هذه الاستراتيجية العامة على الأرض تبدأ المفاوضات السياسية لرسم معالم تسوية «المسألة السورية».

لهذا الاتفاق ثلاثة جوانب، عالمية، وإقليمية، وسورية، ولحصول تقاطع بين هذه الجوانب الثلاثة كان على المسألة السورية أن تخضع لثلاثة مراحل كبيرة ساهم الأمريكيون والروس في إنجازها، في الأولى تم تثبيت شرعيّة النظام السوري من خلال منع أي محاولة لإقامة منطقة آمنة تمارس فيها حكومة للمعارضة مهامها، وفي الثانية والثالثة تم تحويل الشأن السوري إلى قضيتي اللجوء والإرهاب، تم الصراع على شقّ المعارضة السورية من خلال تعريف من هو الإرهابي.

في إدارتها للنزاع السوري قامت الإدارة الأمريكية بتوطيد أركان المشروع الروسي على أمل تخفيف وطأة المشروع الإيراني وتقليم طموحات النظام الإبادية والنتيجة هي هذه الطبخة المبتسرة في شرق حلب خلال الوقت الضائع قبل انتهاء ولاية أوباما.

وسوم: العدد 685