المنظمة اليهودية "معاً"، تستوجب أن نكون معاً

مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني.

تظهر في الآونة الأخيرة، العديد من التيارات والحركات اليهودية التي تعمل على استكمال تهويد مدينة القدس، ورغم وجود العديد من التيارات السابقة، وعديد من الأفكار والمشاريع المقدمة من أجل هذه الغاية، فإن حركة "معا" اليهودية من أجل انقاذ القدس، تعتبر من أبرز تلك الحركات التي تعمل للوصول إلى هذا الهدف، وتركز الحركة على فصل 22 من القرى والأحياء العربية حول القدس عن المدينة، أبرزها جبل المكبر، وصورباهر، ومخيم شعفاط وقلنديا، وتدعي الحركة أن هذه القرى لم تكن في يوم من الأيام تابعة للقدس، في تزوير واضح للتاريخ،  وهجمة شرسة بدأت تلاقي آذان صاغية.

ووفق الحركة فإن العوائد من خلال هذه الخطوة ستكون كبيرة، حيث ستضمن بقاء القدس ذات أغلبية يهودية، حيث بقاء الأوضاع على حالها سيمنح الفلسطينيين فرصة ترأس البلدية في العام 2020، حيث تلعب الديموغرافيا لصالحهم، وفي حال طبقت الخطة ستستفيد الدولة العبرية وفق خطة الحركة ما يلي:

-         فصل 300 ألف فلسطيني عن المدينة، وبالتالي تحول الميزان الديموغرافي لصالح اليهود بواقع 80% مقابل 20% من الفلسطينيين.

-         توفر هذه الخطوة على خزينة الحكومة 3 مليارات شيقل، تنفقها على التعليم والصحة لفلسطيني القدس.

-         ضمان أمن الدولة، حيث 60% من العمليات في الفترة الأخيرة نفذها سكان تلك المناطق، وفق منظمة "معا"، على أن يتم اقامة جدار يفصل تلك المناطق عن المدينة وتحويلها الى مناطق "ب" و "ج".

وفق منظمة "معا" فإن 70% من الجمهور الإسرائيلي يدعم خطة الفصل، وينبع هذا الدعم لسببين رئيسين، تحقيق الأمن والحفاظ على أغلبية يهودية.

السؤال المطروح هنا هل بالفعل من الممكن أن تقدم الحكومة الإسرائيلية على مثل هذه الخطوة؟ من خلال تتبع ما قامت به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 2000، نجد أنها عملت وبشكل مخطط ومنظم على اخلاء وسط المدينة المقدسة من الفلسطينيين، حيث دفعتهم من خلال التضييقيات المتعلقة بالبناء والتوسع، إلى خارج الجدار، وتحديداً إلى مناطق ككفر عقب وغيرها، والتي باتت ذات اكتظاظ سكاني واضح، وبات الفلسطيني بين أمرين، إما البقاء في المدينة والعيش في ضنك التضييق الدائم، أو الخروج إلى خارج الجدار والتمتع بنفس المزايا ذاتها.

لم يتوقف الأمر على مخطط اخلاء المدينة فحسب، بل استطاعت بلدية القدس وخلال السنوات الأخيرة، أن تصادر آلاف هويات المقدسيين من خلال التذرع بعدم دفع الضرائب، أو السكن في مناطق غير مصنفة على أنها تتبع لمدينة القدس، ما يوحي أن المخطط طويل النفس الذي تنتهجه الحكومة من خلال ادواتها المختلفة، يشير بلا شك إلى الهدف المنشود، ألا وهو الحفاظ على المدينة لتبقى ذات أغلبية يهودية، وتجدر الإشارة هنا أن 40% من سكانها باتوا من الفلسطينيين، بعد أن كانت نسبتهم 25% بعد احتلال المدينة مباشرة، وتبلغ نسبة الفلسطينيين من صغار السن ما دون 18 عام 60%، أمر يوحي أن الديموغرافيا تلعب لصالح صاحب الأرض.

لم تعد فكرة ابعاد الفلسطيني أمر مقصور على تيار دون ذاته في الدولة العبرية، فحزب العمل، الشريك الاستراتيجي في اتفاق اوسلو وكاتب مسودته، بدأ في الآونة الأخيرة، وفي غير تصريح لزعيمه يتسحاك هرتسوغ، يشير إلى استحالة التخلي عن القدس، ومطالباً بالانفصال عن الفلسطينيين، للدوافع والأهداف ذاتها، أمر يداعب أفكار نتنياهو ما بين الفينة والأخرى، خاصة عند اشتداد موجات انتفاضة القدس وثبوت فشل اساليب التعامل معها.

أمام تلك المشجعات للانفصال، فإن حكومة الاحتلال لا زالت تخشى عديد المآزق التي قد تظهر جرّاءه، حيث يرفض حزب البيت اليهودي، وهو حزب متدين صهيوني، التخلي عن أي منطقة "اسرائيلية" حيث وفق التعبير التوراتي المتمسكون به، يرون بأنه لا يجوز التخلي عن أي منطقة محررة!!، علاوة على ذلك، تخشى الحكومة الإسرائيلية العديد من الانعكاسات:

أن يدفع ذلك سكان محيط القدس إلى انتفاضة من مواجهتها، خاصة أنه وفق الاعتقاد الإسرائيلي فإن وجود الوية المقدسية لهؤلاء السكان، أمر يكبح الكثير منهم من القيام بأي أعمال عدائية. أن يدفع مثل هكذا مخطط إلى عودة آلاف المقدسيين إلى داخل المدينة، حفاظاً على هويته، فجزء ليس بالقليل منهم يمتلك بيوتا هناك. أن يكون لذلك تداعيات على استقرار السلطة الفلسطينية، حيث ليس من السهل أن تبسط السلطة سيطرتها على تلك المناطق. عملياً، مناطق محيط القدس غير مكلفة لدولة الاحتلال، فالثلاثة مليارات شيقل التي تنفقها الحكومة، هي أقل بكثير من المستحق، علاوة على ما تحيياه تلك المناطق من اهمال.

خلاصة القول، فإن تجدد انتفاضة القدس بوتيرة أعلى قد يرفع سيناريو الانفصال عن المقدسيين إلى سلم اولويات الحكومة، وسيصبح الخيار الأمثل لها، أمر يستوجب من المجموع الفلسطيني ككل وقفة جادة حيال تلك المخططات، من خلال ادوات يدركها الكل الفلسطيني، فالتغلب على الانقسام، وهو أقل القليل، أمر سيربك مخططات الحكومة الصهيونية، والتي في كثير منها ترتكز على انقسام الفلسطيني عن أخيه الفلسطيني لتمريرها، ولا بدّ من السلطة الفلسطينية العمل بشكل جاد للذهاب إلى محكمة الجنايات، وتشكيل قيادة وطنية فصائلية تتصدى لهذه المخططات. 

وسوم: العدد 690