الحرب الباردة واوروبا وتركيا وايران

برلين / ‏16‏/10‏/2016/ أعلنت الحكومة الالمانية يوم الاربعاء المنصرم 12 تشرين اول / اكتوبر اثناء اجتماعها الاسبوعي المعتاد توسعة  مهام فرقتها العسكرية الموجودة بقاعدة / انجرلينك / التركية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم ما يُطلق عليه  بـ / الدولة الاسلامية / وذلك بوضع طائرة التجسس / اوفاكس / التي تتمتع بتقنيات في غاية الحداثة تكمن مهامها بمراقبة اجواء المياه الاقليمية والدولية لسوريا وحماية الاجواء التركية من اي اعتداء خارجي ، أي احتمال اعتداء نظام سوريا على تركيا وغيرها من الدول التي تشارك عسكري في تركيا .

وتاتي توسعة مهام الفرقة العسكرية الالمانية باجواء مشحونة بقلق من احتمال حرب حقيقية تقع بين روسيا والغرب ليس من اجل سوريا أوكرانيا فحسب  بل الى تطورات الخلاف بين الولايات المتحدة الامريكية ومعها حلف شمال الاطلسي / الناتو / وروسيا ، فالخلاف بين روسيا و/ الناتو / والاوروبيين بدأ عام 2010  عندما اعلن الاوروبيون الاعضاء بحلف شمال الاطلسي / الناتو / نشر فرقهم العسكرية في رومانيا وتحديث الصواريخ الدفاعية ونشر قواعد جديدة لها في رومانيا ودول شرق اوروبية مثل بولندا والتشيك وهنغاريا ، هذا القرار الذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما كان رئيسا لوزراء بلاده  اعتداءً صريحا على بلاده قام على اثر ذلك بالغاء اتفاقية عام 1987 الحد من الاسلحة النووية والصواريخ المتوسطة المدى تم التوقيع عليها زمن الرئيس الامريكي السابق رونالد ريغين والرئيس السوفييتي ميشائيل جورباتشوف وقام بنشر قواعد صواريخ جديدة في الاورال وبالمدن الروسية المطلة على بحر البلطيق مواجهة لبولندا ودول البحر المذكور الثلاثة التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق العضوة بـ / الناتو / والاتحاد الاوروبي بينما قام / الناتو / باعادة نشر صواريخه الدفاعية بوسط اوروبا وتكثيف وجوده بدول شرق اوروبا العضوة فيه ليصبح بحر البلطيق الى جانب البحر المتوسط مزدحما بالسفن العسكرية لروسيا والـ / ناتو / .

تطورات الخلاف بين الغرب والشرق ادى ال محاولة الاوروبيين جذب اوكرانيا الى جانبهم زمن الرئيس الاوكراني السابق فيكتور بوروشينكو الموالي لروسيا وذلك عام 2014 ادت المحاولة الفاشلة الى تدخل روسيا عسكريا بالشرق الاوكراني وسلخ شبه جزيرة القرم عن اوكرانيا ، هذه الجزيرة التي أعلن سكانها وفق استطلاع رغبتهم بالانضمام الى اوكرانيا وتم ذلك من خلال مؤتمر دولي عقد في بودابست  عام 1994 الموافقة على رغبة سكان القرم . ومنذ عودة بوتين زعيما للكرملين عام 2012  ازدادت الهوة بين الغرب وروسيا اتساعا وعمقا وانتهى الامر بالغاء اجتماعات التعاون بين روسيا و/ الناتو / وتطورت الى عقوبات اقتصادية جراء التدخل الروسي بالشرق الاوكراني وسلخ القرم ، ليتطور اكثر باعلان موسكو الغاء اتفاقية اتلاف الاسلحة البيولوجية والعودة الى سباق التسلح والتدخل العسكري الى جانب بشار اسد في سوريا ز

كل هذه التطورات كانت وراء اندلاع حرب باردة جديدة مصحوبة بقلق وقوع حرب حقيقية بين الغرب وروسيا بتأكيد من اكثر سياسيي وقادة اوروبا العسكريين في مقدمتهم وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير الذي وصف تطورات السياسة في اوروبا وسوريا واوكرانيا بانها اخطر من زمن  الحرب الباردة / 1947- 1989 / بينما يطالب رئيس لجان شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الاوروبي / السياسي الالماني / ايلمار بروك ونظيره بالبرلمان الالماني نوربرت روتجين باتخاذ سياسة حاسمة تواجه الرئيس الروسي بوتين وانهاء غطرسته وتأديب روسيا لتدخلها في سوريا الى جانب اسد ونشر فرق عسكرية جديدة للـ / ناتو / باوكرانيا وضم جورجيا الى الحلف ،ويطالب قادة عسكريون في مقدمتهم قائد الجيش الالماني السابق هارالد كويات الذي يشغل عضوية رئاسة خطط / الناتو / العسكرية تدخل الحلف في الحرب بسوريا ونشر قواعد عسكرية جديدة بتركيا وتككثيف وجود الحلف بالميا الاقليمية والدولية لسورياوتركيا ردا على اقامة قاعدة عسكرية لروسيا في مدينة طرطوس السورية وغيرها .

وبالرغم من التحذير والقلق يبقى السؤال الى جانب مَن ستقف المانيا العضوة الهامة بحلف  شمال الاطلسي  اذا ما وقعت الحرب بشكل حقيقي بين روسيا والناتو، فالحكومة الالمانية بالرغم من انها مستاءة من السياسة الروسية وتحذيرها من مواجهة حقيقية تجد نفسها بموقف لا تحسد عليه ، فهناك مخاوف في المانيا تكمن الخشية من حرب جديدة وقوع اوروبا تحت السيطرة الامريكية من جديد وانهيار الاتحاد الاوروبي بشكل كامل فالدول الشرقية العضوة بالاتحاد هواها مع روسيا ولذلك تبذل الحكومة الالمانية جهودها وضع عوائق تحول دون خروج هنغاريا والتشيك وبولندا من الاتحاد الاوروبي والانضمام الى محور روسيا الصين ومعهما ايران ، بينما تناشد دول بحر البلطيق الثلاثة ، ليتوانيا وليللند واستونيا ، الحكومة الالمانية بتكثيف تواجدها العسكري ضمن / الناتو / لحمايتها من غزو روسي محتمل في ضوء مطالب تطالب الحكومة الالمانية بتكثيف علاقتها مع موسكو بدل الارتماء باحضان واشنطن .

ولكن اذا ما وقعت بالفعل حرب جديدة بين روسيا والغرب فمع من ستقف تركيا العضوة الهامة ايضا  بحلف شمال الاطلسي / الناتو / التي تجد نفسها في وسط اجواء مشحونة بالعنف بمنطقة الشرق الاوسط فانقرة تعيش في حرب مع حزب العمال الكردستاني وتنظيم ما يُطلق عليه بـ / الدولة الاسلامية ودعمها المطلق للشعب السوري وخلاف قوي مع اوروبا الذي ازداد حدته بعد محاولة الانقلاب العسكري الذي شهدته في الخامس عشر من تموز / يوليو عام 2016 الحالي وعودتها بالتقارب مع روسيا التي تحارب الشعب السوري وتحتل سوريا وتدعم مع ايران نظام بشار أسد ؟ فهناك تكهنات تشير الى ان انقرة تنتظر بفارغ الصبر اي مناوشة عسكرية تقع بين روسيا والغرب . فقد اثبتت تطورات الاحداث في سوريا لانقرة عدم جدية / الناتو / بالدفاع عن انقرة فاسقاط المقاتلات التركية لطائرة عسكرية روسيا في وقت سابق من اواخر عام 2015 الماضي والتهديدات الروسية لتركيا وعدم مبالاة / الناتو / للتهديدات الروسية ومطالب بعض دول الحلف بإلغاء عضوية تركيا من الحلف ساهم الى حد كبير زعزعة ثقة انقرة بـ / الناتو / الا انها لن تقف الى جانب روسيا ، فالعداء بين تركيا وروسيا  قديم يعود الى عهد دولة العثمانية والقيصرية الروسية كانت اسبابه ايضا النزاع حول اوكرانيا واقليم القرم . ويؤكد قادة عسكريون وخبراء منطقة الشرق الاوسط الى ان اي حرب عالمية جديدة تقع بين الشرق والغرب قيام محور روسي ايراني صيني مع دول وسط  آسيا من غير ان يستبعدوا ان تتعاون ايران مع الناتو وروسيا على حد سواء في تلك الحرب لمساعدتها بفرض سيطرتها على منطقة الخليج العربي وسوريا والشرق الاوسط برمته .

وينظر قادة عسكريون آخرون من بينهم قائد الجيش الالماني السابق كلاوس ناومان بقلق كبير ازاء اعلان السعودية مؤخرا قيام تحالف اسلامي عسكري لمواجهة الارهاب ، اذ من الممكن ان يتطور هذا التحالف اذا ما وقعت حرب عالمية ثالثة يواجه الغرب والشرق على حد سواء فالسعودية وتركيا وقطر والباكستان وغيرهم على استعداد تام لمواجهة الغرب .

والحرب مبدؤها كلام وقديما قال نصر بن سيار يحذر بني امية من خطط ابي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس :

أرى تحت الرماد وميض جمر  ويوشك ان يكون له ضرام

فان النار بالعودين تذكى وان الحرب مبدؤها كلام

فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية ام نيام

وسوم: العدد 690