استراتيجيات عمل ولاية الفقيه الإيرانية في الوطن العربي والعالم الإسلامي - المرئيات والنتائج - 4

مركز أمية للبحوث والدراسات

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

المبحث الرابع

سورية

ثمة حقيقة راسخة لدى المرشد الأعلى أعلنها بنفسه وهي أن الجمهورية الإسلامية لن تتخلى عن نظام بشار الاسد، وسوف تبقى شاهرة سلاحها ضد الحراك الشعبي، وتكشف القراءة النقدية أن الموقف الإيراني مر بتحولات ومحطات عديدة ومتناقضة في كثير من الأحيان، سواء قبل التدخل الروسي أم بعده، حيث عكس الإيرانيون سلوكاً براغماتياً لكنه ظل مناهضاً لثورة الشعب ومسانداً للنظام، فذرائعية ولاية الفقيه توأم سياسة التدخلات الإيرانية ؛ وعندما دخلت روسيا بثقلها العسكري الحرب ضد الشعب السوري، وجدت طهران نفسها طرفاً يكاد يكون هامشياً، مما قلب التوازنات، وتسبب في الوقت ذاته في إرباك الخيارات والبدائل أمام صانع القرار السياسي والأمني الإيراني ؛ الذي كان في السابق يعدّ نفسه اللاعب الرئيس الممسك بخيوط الأزمة السورية. كذلك كان للتحولات الإقليمية، وفي مقدمتها التغييرات السياسية التي جرت في السعودية، التي أدت إلى تقارب، وتنسيق مع تركيا، وقطر ،تجاه الأزمة السورية، ما أدى إلى قلب المعادلة رأساً على عقب ؛ وهو ما لم تكن تتوقعه طهران،أوتضعه في الحسبان. أما المتغيرات الدولية، فقد قرأتها إيران بعناية ودقه بالغتين؛ وأدت إلى تعديل سلوكها تجاه خيارات الحل في سورية، وبشكل براغماتي فاضح، يكشف بجلاء حقيقة الدولة الإيرانية وسعي ولاية الفقيه لبسط الهيمنة والنفوذ على حساب الدم السوري وتوصل الباحث في دراسته إلى الاعتبارات التي اعتمدت عليها إيران لقراءة الأزمة السورية، حيث لم تلق الثورة السورية منذ البدء ترحيباً إيرانياً على الإطلاق، واعتبرت ما يجري في سورية مؤامرة على محور الممانعة، كذلك خاطرت إيران بكل إمكاناتها لمواجهة الثورة السورية، والقتال ضدها ؛ نظراً إلى أهمية سورية الجيوستراتيجية الكبيرة للمشروع الإيراني، إلى جانب ذلك سعت طهران للتعبير عن تضامنها مع نظام بشار بكافة الوسائل، ولم تعر أدنى اهتمام للانتهاكات التي تمارسها مليشياتها ضد السكان المدنيين بل كان الحرس الثوري نفسه وحزب الله طرفا رئيسياً في ارتكاب الكثير من جرائم الحرب والتطهير المذهبي ؛ وعلى مدى السنوات الست الماضية قامت إيران بمد وتغذية النظام بالأموال وزودت قواته بكافة الأسلحة لاستهداف هذا الشعب ومقاومته، وفي الوقت نفسه، تم مصادرة آراء بعض قادة المعارضة الإيرانية، التي تدعو قيادة الدولة لمراجعة موقفها مما يجري في سورية. لقد جهدت إيران إلى ممارسة أدوار مختلفة لتخريب أية فرصة لإنجاح الحوار بين مختلف أطياف الشعب السوري، حيث بادرت إلى ممارسة استراتيجية خلط الأوراق، واتباع سياسة طائفية دموية لتعظيم الخلافات بين الفرقاء السياسيين السوريين، ومحاولة استمالة البعض على حساب الأخر.

من ناحية أخرى استغلت إيران ومليشياتها ظروف الثورة السورية بتصفية حساباتها مع الخصوم الإقليميين؛ لاسيما الدول الخليجية والدول الأخرى، خاصة المملكة العربية السعودية، وقطر، وتركيا.

وبالمقابل نجحـت طهران في فتــح الخطوط، وبناء التحالفات غير المعلنة مع بعض الدول العربية للوقوف ضد الثورة السورية.

أولا-الأدوات الإيرانية المضادة لتطويق الثورة السورية: لجأت طهران إلى تنويع أدواتها الحركية المختلفة لمساندة نظام دمشق وإنهاء الحراك الثوري، من أبرزها:

1-الأداة الدبلوماسية: وهذا ما برز من خلال تكثيف زيارات المسؤولين الإيرانيين على مختلف المستويات؛ وقد أخذت هذه الزيارات طابع المعلن وغير المعلن، وفي هذا السياق بدا أن إيران حريصة على إبقاء التواصل السياسي مستمراً مهما كانت العقبات والمخاطر ؛ لا سيما في ظل العزلة المطلقة التي يعاني منها بشار الأسد ونظامه.

2-الأداة الاقتصادية: سعت إيران لتوظيف مختلف مكاناتها الاقتصادية لوضعها في خدمة النظام السوري، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ضغطت طهران على حكومتي المالكي والعبادي لتقديم الدعم لهذا النظام، وسعت طهران بشكل دؤوب لتدوير ضريبة الخمس التي يدفعها الشيعة في المنطقة لتغذية الآلة العسكرية للنظام السوري.

3-الأداة الأيدولوجية: استغلت إيران الأزمة السورية لإحداث المزيد من الاختراق للدولة السورية، من حيث استغلال الظروف الاقتصادية للشعب السوري لنشر التشيع، بناء الحسينيات، توزيع الكتب، بناء الأحياء الشيعية، الضغط على نظام بشار لمنح الجنسيات للعراقيين والأفغان الشيعة، إلى جانب ذلك وظفت إيران فكرة الدفاع عن مرقد السيدة زينب لإحداث التعبئة بين الشيعة في إيران والشيعة في العراق والخليج وباكستان وأفغانستان.. لإرسال المقاتلين لذبح الشعب السوري.

4-الأداة الخاصة بالدبلوماسية الشعبية: من الملاحظ عدم قيام إيران بتحريك قطاعاتها الشعبية كما عودتنا دوماً لدعم السياسة الإيرانية تجاه الأزمة السورية؛ ولا حتى تنظيم مظاهرات دعماً لنظام بشار الأسد؛ بل وظفت العامل المذهبي عندما رفعت الدولة الإيرانية شعار الدفاع عن المراقد والمزارات الشيعية في سورية، وعملت مزجاً خرافياً يتعلق بالجانب الخاص بنبؤات عودة إمام الزمان وعلاقته بالقتال في سورية، لتعبئة الشيعة ودفعهم لارسال المقاتلين للقتال هناك، حيث أسهمت الحوزة ورجال الدين الشيعة في هذا الأمر إلى حد كبير، وقد تحالف معهم رجال الدين الشيعة في العراق، الباكستان، أفغانستان..

5-الأداة العسكرية والاستخبارية: يعدّ من أهم الأدوات التي وظفتها إيران لدعم النظام السوري، حيث وضعت إيران مختلف إمكاناتها العسكرية من إرسال قوات عسكرية، مستشارين، طيارين.. إرسال السلاح بمختلف أنواعه... إذ أننا لا نبالغ إذا قلنا أن إيران تقاتل وتدير المعارك على الأرض مباشرة، وبيدها مقاليد الأمور من خلال أيضاً إدارتها للعمليات العسكرية والاستخباراتية والتجسس لإضعاف المعارضة وحماية النظام السوري، وقامت بإدارة مليشيات الموت التي أنشئتها ووجهتها للقتال من مختلف الجنسيات..

ثانياً-استراتيجيات إيران بعد التدخل الروسي:

1-الاستراتيجية الأولى: عودة تركيز إيران على خطاب الحفاظ على الدولة والنظام، ومطالبة طهران بتعزيز فرص الحل السياسي بما ينسجم مع مصلحتها، والخشية الكبيرة من النفوذ الروسي المتعاظم على حسابها، والتحذير الإيراني المبطن لموسكو.

2-الاستراتيجية الثانية: عودة فكرة الحفاظ على النظام السوري واعتبار شخص بشار الأسد خطاً أحمر في السياسة الإيرانية على اعتبار أنه الرئيس المنتخب، والضمان لاستمرار مكافحة الإرهاب.

ثالثاً-النتائج الأربع لمآلات الاستراتيجيات الإيرانية:

النتيجة الأولى: إن الاستراتيجية الإيرانية كادت تسقط في سورية تماماً لولا التدخل الروسي العسكري، حيث عدلت إيران من استراتيجياتها، ودخلت في مرحلة من التخبط والاضطراب نتيجة للهزائم المتلاحقة التي منيت بها على الأرض، نتيجة لذلك هيأت طهران نفسها إلى تنويع خياراتها للتعامل مع الأزمة السورية، واستعدت لمرحلة ليس رحيل بشار، بل إلى ما بعد سقوط النظام بأكمله، لولا التدخل الروسي العسكري، الذي أمد طهران بأوكسجين الاستمرار.

النتيجة الثانية: إن حضور بشار الأسد ونظامه حضور صوري ديكوري، وأن الملمح العام للمشهد السوري الآن هو سيطرة روسيا وإيران ومليشياتها على القرار السوري بشكل حاسم، وأن مصالح هذه الأنظمة باتت تتقاطع مع مصالح الدول الغربية الكبرى، وبعض الدول العربية الإقليمية لتشكيل محور لمحاربة الإسلام السياسي" السني " تحت شعار محاربة الإرهاب، الذي باتت إيران جزءاً من هذا المحور.

النتيجة الثالثة: إن أحد عوامل استمرار السياسة الإيرانية وقدرتها على المناورة والبقاء في سوريه، هو قدرة طهران على التكيف من خلال الاستفادة وتوظيف إيران للتطورات الجارية هناك؛ لا سيما مع دخول موسكو عسكرياً على خط الأزمة، ومحاولات إيران الاستفاده من هذا الحضور، وتوظيفها لعوامل التوتر الجارية بعد البيئة الصراعية الروسية – التركية، هذا عدا عن والتطورات الإقليمية الدرماتيكية المتسارعة التي استفادت منها إيران، بما يحقق لها نفوذاً سياسياً أكبر، في حين يبدو أن الدول العربية المحورية تفتقر لمشروع متكامل ومتسق لمواجهة المشروع الإيراني، وفشلها في توظيف المتغير التركي لصالحها، لغرض الوقوف بمواجهة هذا المشروع.

كذلك توصلت الدراسة إلى أهمية توظيف الدول العربية لمتغير البيئة الصراعية التي بدأت بالظهور بين موسكو وطهران.

النتيجة الرابعة: يمكننا تقييم سياسة إيران تجاه الأزمة السورية ودرجة تأثيرها بأنه مرهون باستمرار الوجود العسكري الروسي، وفي حال رحيله سيشهد النفوذ الإيراني تراجعاً كبيراً، سيؤدي بالتالي إلى هزيمة إيران ومشروعها في المنطقة، شريطة تضافر الجهود العربية ووقوفها بقوة مع خيارات الشعب السوري وفصائل المعارضة ومدها بوسائل القوة، وعدم التآمر عليها.

وسوم: العدد 690